سجل إماراتي حافل في حماية البيئة واستدامة مواردها الطبيعية

أخبار

تشارك دولة الإمارات، اليوم، العالم الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف 2021، تحت شعار «استصلاح، أرض، تعافي.. أرض سليمة لإعادة البناء على نحو أفضل»، ويصادف في 17 يونيو من كل عام، وتأتي مشاركة الإمارات المجتمع الدولي بهذه المناسبة، تأكيداً منها على تجديد العزم ببذل المزيد من الجهود لمجابهة التصحر الذي قد تتفاقم مضاعفاته، نظراً للتهديدات التي أفرزتها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بشكل خاص وتغير المناخ عامة، ليس على صعيد الإمارات فحسب وإنما على دول العالم جمعاء، وما أعقبها من نتائج موجعة للبشرية. كما تأتي مشاركة دولة الإمارات الجادة والاهتمام بهذا اليوم العالمي الذي يشكل لحظة فريدة لتذكير المجتمع الدولي بإمكانية وقف تدهور الأراضي أولاً، وتعزيز الوعي العام حول الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التصحر من خلال خفض المخاطر التي تسببت بها تلك القضايا ثانياً، حفاظاً على الإنسان ومستقبله على هذا الكوكب واستدامته. وتحمل مشاركة الإمارات لأمانة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر التي تقود الاحتفال بهذا اليوم العالمي، دلالات عدة مفادها امتلاك الدولة سجلاً وتاريخاً حافلاً من الجهود لحماية الأراضي من حالة التدهور والتصحر التي شكّلت على مر السنين ركناً هاماً في نهجها لحماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وضمان استدامتها، الأمر الذي مكنها بجدارة من مشاركة المجتمع الدولي بهذا الاحتفال في دورته الجديدة والرامية من خلال الفعاليات، إلى التأكيد على استصلاح الأراضي وتحويلها إلى أراض سليمة، وتحقيق خمسة أهداف متمثلة في إبطاء عجلة تغير المناخ، وإبراز أهمية جهود تجديد خصوبة الأراضي القاحلة والتوعية بأهمية التنوع البيولوجي الذي يساهم في تعافي المناخ من خلال امتصاص الكربون الذي يؤدي احتباسه إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وتعزيز استعادة الأراضي بما يسهم في إضافة المرونة الاقتصادية وخلق فرص عمل ورفع الدخل وزيادة الأمن الغذائي وتوضيح الالتزامات الحالية المقدمة من أكثر من 100 دولة لاستعادة ما يقرب من مليار هكتار من الأراضي خلال العقد المقبل.

التزام وطني

كما تحمل المشاركة الإماراتية بالدورة الجديدة لهذا الاحتفال كذلك، مؤشرات عدة تؤكد الالتزام الوطني والأخلاقي بتحقيق التوازن بين حماية الأراضي من التدهور وضمان استدامة مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي بالقدر الذي يحقق التنمية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، ويحفظ توازنها ويضمن للأجيال القادمة حقوقها، حيث شكل تحقيق التوازن نهجاً رئيسياً قامت عليه الدولة منذ تأسيسها مطلع سبعينيات القرن الماضي.

مرحلة جديدة

إن دولة الإمارات مع انتهاء مدة استراتيجيتها الخاصة بمكافحة التصحر خلال العام الجاري، فإنها تعد نفسها لمرحلة جديدة مبنية على مسيرة الإنجازات المتفردة في هذا المجال والتي تحققت خلال العقود الخمسة الماضية – ولن تتوقف عند هذا الحد، وإنما تسعى إلى تكثيف جهودها للجم التصحر وتحيده عبر إطلاق العديد من المبادرات والبرامج الجديدة الخاصة بهذا الشأن- حيث أقرت منظومة تشريعية متكاملة تضمن حماية الأراضي واستصلاحها، وأطلقت العديد من البرامج والمبادرات والاستراتيجيات الوطنية، وهي عاقدة العزم اليوم على الاستمرار في مواكبة أفضل المتطلبات المستقبلية للأجيال الحالية والمقبلة عبر تعزيز جودة الحياة على أرضها، مع التركيز على بيئة مستدامة تدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل، وبما يدعم جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، بالإضافة إلى السير بخطى متسارعة لتحقيق الهدف رقم 15 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، والمتمثل في ضمان (الحياة على الأرض) والذي يركز على استعادة الأراضي والحفاظ على التنوع البيولوجي.

تحدي الطبيعة

رغم ما تعانيه بعض الدول من تدهور الأراضي والتصحر، وخاصة تلك التي تقع في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة، إلا أنّ دولة الإمارات باعتبارها تضم جزءاً من أراضي صحراء الربع الخالي وما يقارب الـ 80% من مساحتها صحراوية، فقد تحدت هذه الطبيعة وجعلت من الصحراء موئلاً جاذباً لكثير من الكائنات والمزروعات من خلال تحقيق العديد من الإنجازات المتفردة مثل إعادة تأهيل النظم البيئية وتحييد تدهور الأراضي، وتوظيف الذكاء الاصطناعي مثل الطائرات من دون طيار في مسح الأراضي وزراعة الأشجار المحلية والمحاصيل الرئيسية كالأرز، وتخضير الأرض ونشر الحدائق والمسطحات الخضراء على نطاق واسع، وزيادة عدد المحميات الطبيعية والوصول بها خلال العام الماضي إلى نحو 49 محمية على مستوى الدولة، ما يمثل 15.5% من إجمالي مساحة الدولة، إضافة إلى الأعداد المتزايدة من أشجار النخيل والأشجار الحرجية والمثمرة، وإنشاء السدود المساهمة بتوفير مياه الري للأراضي الزراعية، وتأسيس مراكز بحوث ومحطات تجارب تهتم بأنشطة البحث والتطوير في مجال مكافحة التصحر ومراقبة المتغيرات المناخية وغيرها الكثير.

تحييد التدهور

مع هذه الإنجازات وبينما تحاول دول العالم مكافحة تصحر أراضيها، استطاعت دولة الإمارات بجدارة تحويل أجزاء من أراضيها الصحراوية إلى مساحات خضراء على الرغم من الصعوبات الكثيرة المتمثلة في جوهرها بالظروف المناخية كدرجات الحرارة العالية وارتفاع معدلات الرطوبة وانخفاض معدلات تساقط الأمطار وغيرها، وخير دليل على ذلك نجاحها بفضل الجهود والمبادرات منذ تأسيسها في التماشي مع تعريف التحييد (تحييد أثر تدهور الأراضي) الوارد في «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»، والذي يصف التحييد بأنه: «حالة تكون فيها كمية ونوعية الموارد الأرضية اللازمة لدعم وظائف النظام الإيكولوجي وخدماته وتعزيز الأمن الغذائي، مستقرتين أو تتزايدان في نطاقات زمنية ومكانية ضمن نظم إيكولوجية محددة».

فارس الصحراء

تعيش الإمارات منذ تأسيسها نهضة زراعية وبيئية أسفرت عن زيادة مساحة الغطاء النباتي من غابات مزروعة ومزارع وحدائق وملايين الأشجار والنباتات التي تنتشر وسط الأراضي الصحراوية، وتقف شاهداً على الجهد المبذول وعظمة الإنجاز الذي تحقق بفضل الاهتمام بالبيئة الذي بدأه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» والذي لقب بـ «فارس الصحراء»، وبفضل سياسته الحكيمة تحولت مساحات واسعة صحراوية قاحلة إلى غابات وانتشرت المسطحات الخضراء في خضم الصحاري، وهذه الإنجازات هي الترجمة الفعلية لاستعادة الأراضي المتدهورة ومكافحة التصحر، إضافة لتحويل الأراضي القاحلة إلى خصبة وفق الأسلوب الإماراتي، أي تحويل مساحات من الصحراء القاحلة إلى بقع خضراء، وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، فإن التعريف المعتمد للتصحر هو «تردي الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة نتيجة عوامل مختلفة، من بينها الاختلافات المناخية والأنشطة البشرية»، بينما قمنا في الإمارات بما هو أكثر من ذلك.

مبادرات وخطط

تبنت الدولة الكثير من المبادرات والخطط الخاصة بمكافحة التصحر، منها تطبيق تقنيات الإدارة المستدامة للأراضي، وتنويع الإنتاج وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة والحد من التعرية، وتنفيذ مشاريع حماية الغطاء النباتي الطبيعي حول التجمعات السكانية والمباني، وإنشاء الأحزمة الخضراء حول المدن والمنشآت الاقتصادية وعلى جوانب الطرق، مع الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة في الري، وتنفيذ برامج تشجع على استخدام المياه بكفاءة، وترشيد استخدامها في زراعة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية القليلة والمقاومة للجفاف والملوحة، ووضع خطط لتعميم تطبيق أساليب الري الحديث وتنظيم الري للتقليل من عمليات التبخر، وتعزيز استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في ري الحدائق وبعض المجالات الصناعية.

تحدي كورونا

وفقاً لمشاركة دولة الإمارات بهذه المناسبة العالمية تحت شعار استصلاح، أرض، تعافي.. أرض سليمة لإعادة البناء على نحو أفضل»، فإنها تحمل معاني أخرى تشمل النجاح الفائق للدولة في التعامل وتحدي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، والقدرة على تحقيق التوازن المنشود بين النمو والحفاظ على الأراضي من التدهور، ضماناً لبيئة خضراء نظيفة وآمنة ومساهمة في توفير الرخاء والرفاهية والصحة والاستقرار والسعادة للأجيال الحالية والقادمة، وتأكيداً على دورها الرائد في التصدي لمشكلة التصحر والذي ترجم على أرض الواقع بسياسات وإجراءات عملية أسهمت خلال العقود الماضية في تطويق آثار تلك المشكلة، والحد من تداعياتها البيئية الضارة.

الأطر التشريعية

لقد عملت الدولة على تعزيز الأطر التشريعية ووضع خطط وبرامج للتصدي لانجراف التربة وتملحها واستنزاف المياه الجوفية وارتفاع نسبة ملوحتها وزحف الرمال وتغير استخدامات الأراضي والرعي الجائر والتكثيف الزراعي، حيث أصدرت مجموعة مهمة من التشريعات مثل قانون حماية البيئة وتنميتها، وقانون الحجر الزراعي، وقرار مجلس الوزراء بشأن الزراعة المجتمعية وزراعة النباتات المحلية والمحافظة على الطبيعة وقانون المدخلات والمنتجات العضوية، وقانون تنظيم إنتاج واستيراد وتداول الأسمدة والمحسنات الزراعية، وقانون الأصناف النباتية الجديدة، وقانون الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة.

استراتيجيات وطنية

من الاستراتيجيات الوطنية التي اعتمدتها الدولة بما يضمن مواءمة مستهدفات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر، الاستراتيجية الوطنية للمحافظة على الموارد المائية التي تستهدف الحد من استنزاف المياه الجوفية وتملحها وتبني أنماط زراعية مستدامة، كالزراعة المائية والعضوية وتعزيز الاهتمام بزراعة النباتات المحلية والمحاصيل المقاومة للملوحة، واستراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء الداعمة لسياسات التخطيط العمراني، والاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي الساعية إلى تحسين حالة التنوع عن طريق حماية الموائل والأنواع والتنوع الوراثي وتأهيل الأنظمة البيئية المتدهورة، وخفض الضغوط على النظم البيئية البرية والبحرية.

المصدر: الاتحاد