لم يتأخر د. سليمان موسى الجاسم عن خوض غمار العمل ضمن أي من الميادين التنموية المجتمعية في دولة الإمارات، منذ البدايات، وذلك مهما تنوعت وتمايزت، وخاصة مع انطلاقة اتحاد دولة الإمارات وشروع مسيرة التحديث والتطوير.. إذ اقتدى في هذا النهج من إيمانه العميق بأن الإسهام في مسيرة بناء الوطن ونهضته، يقتضي التفاني في العطاء في الحقول والمهام كافة، سواء الفكرية منها أو الثقافية أو الدبلوماسية أو الأكاديمية أو الاقتصادية أو الإدارية.
ما غادره المكان بثيماته وملامحه المتنوعة، يوماً. فأينما حل أو اتجه واشتغل، بقي يغازله مكون التراث وتوليفة عاداتنا وتقاليدنا وسمات الجمال في المجتمع الإماراتي، بموازاة تطلعه إلى التطوير، وهو في هذا الشأن، استمر مهموماً بضرورة عملنا على ابتداع وصفة مزج ذكي بين تراثنا وعناصر التحديث، تحفظ خصوصية الهوية الإماراتية وتواكب مسارات التقدم:
اتسمت الحياة في مجتمع دولة الإمارات، قديماً، بكونها صعبة وتحمل تحديات كثيرة في العيش والأمن والتنقل والتعليم والصحة، ولكنها كانت، أيضاً، مفعمة بمفردات الجمال، الحياتية والقيمية.
ومؤكد أن موروثنا الشعبي، المتمثل في مكون التقاليد والأهازيج والرقصات الشعبية والأغاني والمسرحيات والقصص، بمثابة الجذور التي تعزز هويتنا ونعتز بها، لذا نحتاج إلى صونها.
ولا شك في أن حضور التراث وترسيخ التحديث، شيئان يجب أن يتلازما في واقعنا، لنستطيع مسايرة التطور العصري وحفظ الموروث وإعادة تقديمه للأجيال القادمة، بوجهة ومنحى يتماشيان مع التحديث ومتطلبات العصر.
ملح الحياة
حكايات كثيرة في جعبة الجاسم لونت بمضامين مشواره الحياتي العملي، إلا أن وقعاً ورنيناً عذباً للثقافة من بينها تتبينه الأبرز لديه ربما، وخاصة أنه يرى الثقافة أوثق التحاماً بثيم المكان والخازنة الأمينة لروحه وأبجدياته:
عملت في الحقل الدبلوماسي منذ سنة 1972، وسوى ذلك الكثير. وواكب هذا خوضي، مبكراً، العمل في الحقل الثقافي. ولم تكن تتوافر، حينها، وخاصة في الساحل الشرقي بالدولة، أية برامج أو فعاليات ثقافية بحكم العامل الجغرافي والمكاني، بجانب عدم وجود وسائل اتصال تلفزيوني أو إعلامية أخرى.
ولكننا حققنا، وبتوجيه من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، نجاحات مهمة، إذ بدأتُ، حين كنت رئيساً لديوان سموه، بصحبة مجموعة مهتمين، في تنظيم مواسم ثقافية متنوعة. كما أسسنا مسرح الفجيرة القومي الذي أخذ يؤدي دوراً ثقافياً متميزاً.
أنا على قناعة تامة بأن الثقافة هي ملح الحياة ومن دونها لن تستطيع أن تعيش.. ويجب أن نستفيد ونفيد ونؤثر ونتفاعل مع الثقافات العالمية الأخرى.
عاشق «أبو الفنون»
لا يفارقه الحنين إلى المسرح. ولم تفلح مسؤولياته العملية التي بعدت عن عوالم «أبو الفنون»، خلال مراحل شتى، في أن تضعف شغفه به، وهو الذي كتب أعمالاً مسرحية في البواكير، وتعلق به بشدة:
نعم. أحن كثيراً إلى المسرح والكتابة المسرحية. وكانت لدي تجربتان متواضعتان في الكتابة المسرحية: سبعة / صفر، غلط في غلط. إن المسرح طالما مثّل ورسخ كجزء من حياتنا اليومية في الإمارات. كنت متابعاً جيداً لساحة العمل المسرحي وللمهرجانات المسرحية، محلياً وعربياً. لكن، أيضاً، أنا لست في جفاء حالياً، مع أبي الفنون، وإنما أكتفي بمراقبة حراكه.
وأنتوي، عندما تسمح ظروفي، أن أعود لأكتب مسرحيات. سأكتب عملاً أكثر نضجاً، ولن أتوقف عن الكتابة، بإذن الله، مقتدياً بصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الكاتب المسرحي والمثقف.
مكانة رفيعةمقومات كثيرة يؤمن عضو بعثة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، سابقاً، أنها ركيزة قطع الدولة أشواط تميز يشار إليها بالبنان، أدهشت معها كثيراً من الدول، ويأتي في المقدمة، حسب توصيفه، تعمق فلسفة التمسك بالمعرفة والمحبة والتفكير القريب من الطبيعة والمتعلق بالجمال.
إن رسوخ فلسفة عيش وتعاطٍ قوامها المحبة والجمال وعشق المعرفة بالإمارات، ركيزة لما وصلته الدولة من مستويات ارتقاء رفيعة. فالثقافة والتعليم والتنمية والتنوير المجتمعي أقانيم حاضرة بقوة، بل طاغية، في توجهات التنمية المجتمعية منذ تأسيس الدولة.
وأنتج هذا التفكير الإيجابي البناء لأبنائنا وتعمق التطور والانفتاح بمجتمعنا. وهكذا تعزز تمكن الإمارات من إرساء دعائم مستقبل تنويري متحرر من القيود.
وبالطبع، أغنى ذلك، إسهام مناهجنا ومؤسساتنا الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني في تكوين صورة الاعتدال والوسطية والتسامح، بعيداً عن التشدد والأيديولوجيا المتشددة. وكذا دعم وسائل إعلامنا ومنابرنا الثقافية هذا التوجه المعتدل والوسطي، بجانب دور سياسات الحكومة وقناعة الشعب الذي أضحى ناضجاً في فهمه.
المصدر: البيان