كاتب عمود في صحيفة “يو إس إيه توداي” وCNN.com
بقلم: ديفيد أنديلمان
مقال حصري لموقع “هات بوست”
ترجمة “هتلان ميديا”
حتى قبل أن يصوت الكونغرس الأمريكي بأغلبية ساحقة لإسقاط “فيتو” الرئيس باراك أوباما على “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف إعلامياً باسم “جاستا”، ظهرت علامات الشعور بالندم، وبدأت الجهود لإصلاح ما اعتبره الكثيرون إجراءً كارثياً محتملاً.
وأشار بوب كوركر، السناتور الجمهوري عن ولاية تينيسي، والذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، أن أكثر من 20 سناتوراً من أعضاء المجلس يناقشون بالفعل “إصلاحات” للقانون الذي يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على التجارة والاستثمارات الأمريكية، بل وفي واقع الأمر المصالح الأمنية لأمريكا ومصالحها مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء والحلفاء الذين وجدوا أنفسهم فجأة تحت التهديد بسبب هذا الإجراء غير المسبوق.
كانت تلك هي المرة الأولى التي يسقط فيها الكونغرس “فيتو” رئاسي طوال سنوات حكم أوباما الثمانية، وجاء ذلك في أسوء توقيت ممكن في ظل مجموعة التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط التي تعد محورية لرخاء وأمن أمريكا.
يمنح قانون “جاستا” عائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية على برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية، الحق في مقاضاة الدول التي يعتقد أنها ساعدت الأشخاص الذين خططوا لتنفيذ هذه الأعمال. ويستهدف القانون المملكة العربية السعودية بصفة خاصة كهدف لعدد كبير من الدعاوى القضائية المتوقعة. واقترح محامو ضحايا الحادي عشر من سبتمبر أن يبدأوا في التحرك في أقرب فرصة، بدءاً من يوم الاثنين، لتعديل دعاواهم القضائية في المحكمة الجزئية للمنطقة الجنوبية بنيويورك لإضافة المملكة العربية السعودية لقائمة المتهمين، علماً بأن تلك الدعاوى القضائية المستمرة في المحاكم لما يقارب 15 عاماً، لم تشمل المملكة العربية السعودية على الإطلاق قبل ذلك، حيث نفى محامو المملكة التهمة واحتجوا كذلك بمدأ الحصانة السيادية الذي يحمي الحكومات من الملاحقة القانونية، إلا أن الكونغرس قام فجأة برفع تلك الحصانة الأسبوع الماضي.
ولكن السعودية لا تعدم الوسائل اللازمة للرد السريع والمباشر على ذلك القانون. يشير أحد الساسة إلى أن ترنت لوت، زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ، والذي يقود جهود جماعات الضغط في شركة “سكوير باتون بوغز” قد “أرسل بريداً إلكترونياً إلى أعضاء الإدارة التشريعية في مجلس الشيوخ محذراً من أن مشروع القانون يمكن أن يؤدي إلى أن تسحب دول أخرى أصولها من الولايات المتحدة، وترد على تلك الخطوة بقوانين تجيز إقامة الدعاوى ضد الإجراءات والأفعال التي تقوم بها الحكومة الأمريكية”.
في واقع الأمر، هناك مجموعة أكبر من التدابير المحتملة للرد على القانون؛ أولاً، هناك مسألة مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة العربية السعودية والكثير من حلفائها وأصدقائها السُنة في المنطقة. وقد شاركت كل من “جنرال إلكتريك”، و”داو للكيماويات”، و”بوينغ” و”شيفرون” في جهود هادئة لتشكيل مجموعات ضغط ضد قانون “جاستا” وضد الاعتراض على فيتو الرئيس. “شيفرون” كانت أول شركة نفط أمريكية تعمل في مجال التنقيب عن النفط وإنتاجه في المملكة، كما أن لكل من “بوينغ”، و”جنرال إلكتريك” و”داو” مصالح ضخمة هناك يمكن أن تتعرض للمصادرة أو المقاطعة. وقد برهنت المملكة العربية السعودية أن لديها القدرة على اتخاذ مثل هذه التدابير إذا وجدت نفسها محاطة بالضغوط، ولا زلنا نتذكر الحظر على النفط العربي عندما أطلقت المملكة العربية السعودية ودول أخرى في منظمة “أوبك” حظراً شبه كارثي على جميع مبيعات النفط إلى الولايات المتحدة رداً على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل في حرب أكتوبر 1973.
ثلاث دول على الأقل من الدول الأعضاء في “أوبك”: الإمارات العربية المتحدة، وقطر، إضافة إلى المملكة العربية السعودية، يؤثر عليها اتفاق “جاستا” بصورة مباشرة وملحة، فالدول الثلاث ذات أغلبية سنية ومتحالفة بشكل وثيق سياسياً واقتصادياً. وعلاوة على ذلك، تعد تلك الدول من أكبر عملاء صناعة السلاح الأمريكية، وهي أهداف مختارة للموردين البريطانيين، والفرنسيين وغيرهم في أوروبا من مصنعي الذخيرة والأسلحة من الطائرات المقاتلة المتطورة وحتى المدرعات الثقيلة، ولا يأملون سوى في انتهاز فرصة دخول تلك الأسواق لبيع منتجاتهم إلى القوات المسلحة في المنطقة في أعقاب أي مقاطعة من هذه الدول لمنافسيهم في الولايات المتحدة.
ولكن ما يسبب قدراً أكبر من القلق هي المعركة المشتركة ضد الدولة الإسلامية، فالسعودية قد لعبت دوراً مهماً في الضربات الجوية ضد “داعش”، وإذا ما تم تنفيذ هجوم بري واسع النطاق باستخدام قوات عربية، فمن المتوقع أن تلعب المملكة دوراً محورياً في ذلك. ولكن الجهود المبذولة لتحميل الحكومة السعودية المسؤولية عن هجمات سبتمبر الإرهابية لن يكون صداها جيداً في الرياض إذا تم استدعاء قواتها للمشاركة في الحرب البرية، خاصة مع انتشار القوات السعودية على عدة جبهات ومشاركتها في جهود مماثلة في اليمن.
وأخيرا، هناك مسألة الرد الاقتصادي وفق مبدأ المعاملة بالمثل، فرغم إنه من المؤكد إننا على أعتاب سنوات طويلة من عمليات التقاضي والاستئناف المعقدة، فمن غير المستبعد أن تكون هناك أحكام عديدة – من المحتمل أن تكون بمليارات الدولارات – ضد المملكة العربية السعودية، بصفتها المتهم الذي يمتلك القدر الأكبر من الأموال، في القضايا التي رفعتها عائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر. وسيكون في تلك الحالة الاستيلاء على الأصول والحسابات المصرفية السعودية في الولايات المتحدة الطريق المباشر لتلبية مطالبات التعويضات عن الأضرار التي تحكم بها المحكمة، وهو الأمر الذي يصيب الشركات الأمريكية التي لها مصالح ضخمة في المملكة العربية السعودية بالرعب.
إضافة إلى ما سبق، وكما أشار الرئيس أوباما في رسالته التي وجهها عندما استخدم “الفيتو” ضد القانون، إنه إذا اتخذت دولاً أجنبية تدابير مماثلة، فهناك العديد من نقاط الضعف تشمل الدبلوماسيين والجنود الأميركيين، والأصول الحكومية في الخارج، وسيتم استهداف المصالح الأمريكية والمواطنين الأمريكين في الكثير من الدول. في حين أن قانون “جاستا” قد يكون لبى متطلبات عائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن تداعياته، إذا لم يتم إصلاحه أو إلغاؤه، أكثر من أن تحصى.
دافيد أنديلمان، كاتب عمود في صحيفة “يو إس إيه توداي” وCNN.com ومراسل سابق لصحيفة نيويورك تايمز، وشبكة أخبار “سي بي إس” في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وهو مؤلف كتاب “سلام محطم: معاهدة فرساي 1919 والثمن الذي ندفعه اليوم. كما شارك في تأليف كتاب “الحرب العالمية الرابعة: الدبلوماسية والتجسس في عصر الإرهاب”. يمكن متابعته على تويتر عبر الحساب @DavidAndelman