قمة بوتين وشي.. مواجهة عدو مشترك

أخبار

الحراك الذي يشهده العالم ممثلاً بأقوى دوله، ينطوي على نذر شؤم لدى البعض، لكنه قد يحمل في طياته بوادر تسويات على أكثر من جبهة ساخنة جغرافياً أو سياسياً، وما يرتبط بها من تدافع لضمان مصالح الكبار الاقتصادية التي هي لب الخلافات.

الحقيقة أن القمم الثلاث التي أبرمت بتسهيلات التقنية الافتراضية خلال الأسابيع القليلة الماضية، سواء بين الزعيم الصيني شي جي بينج ونظيره الأمريكي جو بايدن، أو بين الأخير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأخيراً بين الزعيمين الروسي والصيني، لها مدلولاتها التي تتبدى عبر قرارات متلاحقة لدى هذا الطرف أو ذاك، في إطار يوحي بانقسام العالم عملياً إلى معسكرين غربي تقوده الولايات المتحدة وشرقي كانت تتوزع قيادته بين كل من الصين وروسيا قبل القمة الأخيرة، وربما تتوحد بعدها.

وقد اختارت وسائل الإعلام الروسية إطلاق مصطلح «الظهير للظهير» على قمة شي وبوتين وهو مصطلح يحمل الكثير من الدلالات حول شعور كلا البلدين بأهمية توحيد رؤيتهما الاستراتيجية تحسباً لما يضمره الأعداء المفترضون.

وما يعزز الشعور بضرورة الحذر تلك التحالفات التي تظهر بين الحين والآخر لتوحي بوجود نار تحت رمادها مثل اتفاقية «اوكوس» والرباعية الأمنية «كواد» وغيرها.

فقد صار مسمى المحيط الهادي لصيقاً بالمحيط الهندي في أدبيات الخطاب الغربي سواء في الولايات المتحدة التي خصصت أكثر من 300 مليون دولار في موازنة البنتاجون هذا العام من أجل دعم تحركاتها في المنطقة.

من هنا يمكن فهم رؤية كل من بكين وموسكو لدواعي عقد القمة وتحليل مخرجاتها حيث أكد الزعيمان ضرورة تمتين التحالف بين بلديهما في شراكة باتت مصيرية لضمان أمن البلدين ومعهما أمن وسلام العالم، في مواجهة الخطط الأمريكية التي تدَعي واشنطن أنها حاجة ماسة لردع الروس في أوروبا وردع الصين في المحيطين الهادي والهندي.

علاقات نموذجية

وبغض النظر عن برامج التعاون العسكري المشتركة على الأرض وفي الفضاء، أكد الرئيس الروسي في مستهل المباحثات الافتراضية مع نظيره الصيني أن العلاقات بين البلدين تعتبر نموذجاً حقيقياً للعلاقات بين الدول في القرن الحادي والعشرين. ولفت بوتين إلى أنه في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، زادت نسبة التبادل التجاري بين البلدين بمقدار 31% لتصل إلى 123 مليار دولار، وتم تحطيم الرقم القياسي لهذا التبادل لما قبل الجائحة عام 2019، وسوف يصل إلى 200 مليار دولار في المستقبل القريب.

وذكر المكتب الصحفي للكرملين، أن المباحثات تناولت نتائج العمل المشترك لتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة وأولويات التعاون في المستقبل، بالإضافة إلى تبادل الآراء بشأن الملفات الدولية والإقليمية الملحة.

وقد وصف نيكولاي ميزيفيتش، رئيس الرابطة الروسية لدراسات البلطيق والخبير في «منتدى فالداي الدولي»، المباحثات الافتراضية بأنها نقلة نوعية في تطوير العمل المشترك وخطط المواجهة مع العدو المشترك الافتراضي وتعزيز فرص الأمن والسلام العالميين. وأضاف: «ما لاحظناه في مؤتمر الفيديو يشير بشكل مقنع إلى أن محاولات خصومنا لإحداث شرخ في العلاقات بين روسيا والصين لم تؤد إلى النتيجة المرجوة».

ويأتي التقارب الروسي الصيني كرد طبيعي على الإجراءات الغربية ومحاولات التدخل المستمرة في الشؤون الداخلية لروسيا والصين، عبر شماعة حقوق الإنسان وشعارات الديمقراطية، التي زادت من عمق أواصر التعاون بين البلدين اقتصادياً وعسكرياً، حيث يجريان منذ العام 2012 مناورات عسكرية مشتركة وتدريبات برية وبحرية وجوية، ويرى الكثير من الخبراء الغربيين الأكثر واقعية، أن سياسة الغرب نفسه هي التي تدفع باتجاه هذا الاستقطاب، وبأن الولايات المتحدة وحلفاءها، هم من دفع البلدين الجارين للقيام بما يمليه الرد على سياسة الردع والتهديدات والعقوبات والتدخل في الشؤون الداخلية.

وحملت كلمات الترحيب التي تبادلها الزعيمان مع التلويح بالأيدي، الكثير من الإشارات الإيجابية حول توافق البلدين على أهم القضايا الملحة وهو ما أكدته التسريبات حول أعمال القمة. ويبدو أن الزعيمين استكشفا الأفكار والوسائل المحتملة للتعاون ضد الولايات المتحدة على «خطي المواجهة» في تايوان وأوكرانيا.

وفي كلمته الافتتاحية، أشار شي إلى أن العلاقات الصينية الروسية صمدت أمام محن الأوقات المضطربة وأظهرت حيوية جديدة. وقد أكد وقوف الصين إلى جانب روسيا في مطالبها المتعلقة بضمانات مؤكدة رسمية حول عدم توسع حلف الناتو بالقرب من حدود روسيا.

أما إعلان بوتين عن حضوره حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في الصين فيأتي في إطار المجاملات السياسية التي تؤكد وقوف روسيا إلى جانب الصين في وجه حملات تسييس الرياضة واستغلال الألعاب الأولمبية لتشديد الحصار على الصين.

والحقيقة أن العلاقة التاريخية بين البلدين التي تعرضت في الماضي لعدد من الانتكاسات على خلفيات عقائدية، لكنها شهدت منعطفاً لافتاً منذ صعود الصين نحو الذروة عام 2010 واعتمادها على مصادر الطاقة الروسية، الأمر الذي استدعى الحفاظ على علاقات متوازنة معها. إلا أن التنسيق بين البلدين بات أكثر رسوخاً في السنوات الأخيرة، حيث أبدت الصين وروسيا تضامنهما ضد الولايات المتحدة في عدد من القضايا الرئيسية. وسبق أن اتفقا في قمة يونيو(حزيران) 2019، على الرد المشترك من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني؛ وفي مؤتمر عبر الهاتف في أواخر أغسطس/آب الماضي 2021، فعلوا الشيء نفسه بالنسبة لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

تحالف عسكري

وقد استدعت المستجدات المزيد من التشاور وتبادل وجهات النظر حول مجموعة واسعة من القضايا التي تعرضت لها القمة الأخيرة بما في ذلك استجابتهم لقمة الديمقراطية، والوضع في أوكرانيا وقضية تايوان، التي تنظر إليها الصين باعتبارها قضية سيادية.

ونقلت شينخوا عن شي قوله «يجب بذل الجهود لرفض أعمال الهيمنة بحزم ودحض عقلية الحرب الباردة تحت ستار«التعددية» و«سيادة القانون».

نذكر هنا بأنه بعد وقت قصير من إجراء الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تدريبات الأسلحة الاستراتيجية التي أطلقت عليها اسم«جلوبال ثاندر»، عقد وزيرا الدفاع الصيني والروسي اجتماعاً عبر الفيديو في 23 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث توصلا إلى اتفاق لتكثيف تعاونهما العسكري. وقد فسر المراقبون تلك الخطوة على أنها بداية تحالف عسكري معلن.

المصدر: الخليج