كاسترو.. ملهم الثوار ومقاوم كبير للقوة الأمريكية

أخبار

نجح القدر أخيراً، في ما لم تنجح فيه أكثر من 600 محاولة اغتيال دبّرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، (سي آي ايه)، ضدّ الزعيم الكوبي، فيدل كاسترو. ففي يوم الجمعة، 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، غيَّب الأجل هذا الزعيم الثوري الكبير، عن عمر ناهز 90 عاماً.

رحل، كاسترو، ولكن الدولة التي بناها في الباحة الخلفية للولايات المتحدة، باقية بعده. لقد تحدّى قوة امريكا بعظمتها طوال حياته، وتحوّل إلى رمز لنضال الشعوب المضطهدة في كثير من بقاع العالم.

وُلد كاسترو لأب ثري يملك مزارع لقصب السكر. نشأ في مزرعة والده في شرق كوبا، جنباً إلى جنب مع عمّال هايتي الفقراء- وشهد بأم عينه الإجحاف الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانونه. وفي الثامنة من عمره، أرسِل إلى مدرسة داخلية صارمة في سنتياغو.. ثم إلى مدرسة يسوعية، فكان تلميذاً لامعاً، لفت أنظار معلميه..

في عام 1945، درس كاسترو القانون في جامعة هافانا. وقد وجد إحساسه بالظلم، وميله إلى التمرّد بيئة خصبة للنموّ في الجامعة. خاض غمار النشاط السياسي الطلابي. ولفت الانتباه على الصعيد الوطني، بكلمة كاريزمية تنتقد الحكومة. وفي عام 1947، انضم إلى حزب الشعب الكوبي، وأعجِب بزعيمه، تشيباس، وبرسالته الاشتراكية الشعبية في العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.

زواج مبكر

تزوّج كاسترو زميلته في الدراسة، ميرثا دياز دي مونيز، وهي ابنة سياسي كوبي بارز. ولم تكن عائلتها مرتاحة لتوجهاته السياسية الراديكالية. وفي العام التالي أنجبا ابنهما «انخيل فيديليتو». وقد تعرّض زواجهما للتوتر لأن عائلة ميرثا كانت على صلة قوية مع فولجينسيو باتيستا، الجنرال العسكري القوي والرئيس السابق.

أصبح ثورياً

بدأ كاسترو دراسة أفكار كارل ماركس أثناء سعيه إلى العثور على حل لمشاكل كوبا المستعصية. وفي عام 1952، ترشح لعضوية الكونغرس الكوبي، كعضو مستقل. ولكن خططه في مارس/‏آذار من ذلك العام، باءت بخيبة الأمل، حيث استولى باتيستا على السلطة من جديد في انقلاب عسكري. وإذ رأى كاسترو عشرات من رفاقه الأقربين يُقتلون على يد النظام القمعي، فقد إيمانه بالديمقراطية، وقرر السير في طريق الثورة المسلحة.

الهجوم على ثكنة مونكادا

في عام 1952 شكل كاسترو وشقيقه الأصغر راؤول منظمة ثورية سرّية وبدأ التدريب العسكري. وفي العام التالي قاد كاسترو هبّة ضدّ باتيستا. قام نحو 140 متمرداً بمهاجمة حامية اتحادية في مونكادا في سانتياغو. كانوا أقلّ عدداً وأجبروا على التراجع. وتمّ إعدام العديد من المتمردين، ولكن الأخوين كاسترو أودِعا السجن. وعندما حوّل باتيستا محاكمة كاسترو إلى مشهد إعلامي، استغل كاسترو المناسبة لمهاجمة النظام في خطابه الشهير المعروف باسم «التاريخ سوف يبرّئ ساحتي». وعلى الرغم من أنه قد حكم بالسجن 15 عاماً، فإن كلماته وجدت صدىً عميقاً في نفوس الشعب الكوبي.

المكسيك واللقاء مع غيفارا

في صفقة عفو، أفرج باتيستا عن معارضين سياسيين من بينهم الأخوان كاسترو، بعد سجن دام 22 شهراً.

كانت كوبا قد غدت مرتعاً للسياح الأمريكيين الأغنياء والمافيا، بينما كان العديد من الكوبيين يقارعون الفقر المدقع. هرب الأخَوان كاسترو إلى المكسيك، حيث التقيا الطبيب الأرجنتيني الشاب، ارنستو تشي غيفارا. قام كاسترو وغيفارا وراؤول و80 متمرداً آخر بتشكيل «حركة 26 يوليو/‏ تموز» التي أخذت اسمها من تاريخ الهجوم على ثكنات مونكادا. وفي عام 1956، استقل كاسترو ورجاله متن اليخت «غرانْما» المحمّل بالأسلحة والإمدادات متجهين إلى كوبا.

الثورة الكوبية

هبط كاسترو في كوبا في 2 ديسمبر/‏ كانون الأول 1956، مع 80 متمرداً، عازمين على الثورة. وإذ اصطدموا بكمين نصبه رجال باتيستا، أرغموا على الفرار إلى الجبال.

بدأ كاسترو وحفنة من الناجين، بمن فيهم شقيقه راؤول كاسترو وتشي غيفارا، حملتهم المسلحة. كانت كوبا قد غدت أكثر فساداً وإمعاناً في عدم المساواة في ظل باتيستا، وقام كاسترو بتجنيد العديد من الكوبيين لقضيته، وخاصة من الفقراء في المناطق الريفية. فاز كاسترو في سلسلة من المناوشات العسكرية، وسيطر على مساحات واسعة من البلاد. وفي عام 1958، شن هجوماً واسع النطاق على المدن الكبرى. فرّ باتيستا من كوبا، وفي يناير/‏ كانون الثاني 1959، دخل كاسترو هافانا دخول الأبطال.

زعيم بلا منازع

أصبح كاسترو زعيم كوبا الثوري كان يملك سيطرة قوية وغامضة على الشعب الكوبي، وقد احتفظ بالسلطة في قبضته القوية.

سيطر كاسترو على وسائل الإعلام وأجرى محاكمات علنية لأعضاء سابقين في نظام باتيستا. وقام بتأميم التجارة والصناعة وأدخل التعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية للشعب الكوبي. وفي عام 1960، استولى على المزارع والمصانع التي تملكها الولايات المتحدة، مما أثار غضب واشنطن ودفعها إلى فرض حظر اقتصادي على كوبا. ولكن ذلك لم يُسفر إلاّ عن دفع كوبا نحو مزيد من الاقتراب من عدوّ امريكا في الحرب الباردة، الاتحاد السوفييتي. ووقّع كاسترو معاهدة مع الاتحاد السوفييتي لمبادلة السكر في الجزيرة بالنفط.

حملة لمحو الأمية

في عام 1960، قال كاسترو في خطاب أمام الأمم المتحدة، إنه سوف يقضي على الأمية في كوبا في غضون سنة واحدة.

وبدأ كاسترو حملة تطوعية واسعة النطاق وتطوّع 100 ألف من المساعدين الشبان تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و19 سنة، إلى جانب المعلمين وعمّال المصانع لتعليم الآخرين كيفية القراءة. واستخدم كاسترو هذه العملية لتعزيز الوحدة في جميع أنحاء البلاد كانت نسبة معرفة القراءة والكتابة، أعلى في المدن، فانتقل كثير من الناس إلى المناطق الريفية . وقد جعل النصوص الدعائية جزءاً من المواد التعليمية. وفي غضون سنة واحدة، تم تعليم 700 ألف شخص كيف يقرأون. ونجحت الحملة في خفض نسبة الأمية من 23% إلى 4%.

خليج الخنازير

دبرت الولايات المتحدة خطة لإطاحة كاسترو. في عام 1961، شن 1560 منفياً كوبياً، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قد درّبتهم وموّلتهم، غزواً لخليج الخنازير.

فشل الغزو فشلاً ذريعاً. كان الغزاة يأملون في الحصول على الدعم المحلي لقضيتهم، ولكن ذلك لم يتحقق. تولّى كاسترو المسؤولية الشخصية عن العملية الدفاعية، وفي غضون ثلاثة أيام، انتصر في المعركة. قُتل أكثر من 100 من الغزاة، وأُسِر 1189 آخرون.

أزمة الصواريخ الكوبية

خشي كاسترو من غزو أمريكي وشيك فقام بتوقيع اتفاق سِرّي مع الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف لبناء سلسلة من الصواريخ النووية في كوبا.

وهدّد الرئيس كينيدي الاتحاد السوفييتي بالهجوم إذا لم تتمَّ إزالة الصواريخ من الجزيرة. وحبس العالم أنفاسه تحسّباً من بدء حرب نووية. وبعد 13 يوماً من التوتر، تمّ الاتفاق على إزالة الأسلحة من كوبا مقابل إزالة الأسلحة الأمريكية من تركيا.

شوكة في خاصرة أمريكا

كان كاسترو يرى نفسه زعيماً للشعوب المضطهدة في جميع أنحاء العالم. ساعد في تدريب القوات المناهضة للتمييز العنصري في جنوب إفريقيا. وأرسل قوات الى الانظمة الاشتراكية في أنغولا، وإثيوبيا واليمن. انهيار الاتحاد السوفييتي

ألقى انهيار الاتحاد السوفييتي كوبا في حالة من الفوضى. ولكن كاسترو كان مُصرّاً على أن كوبا سوف تتجاوز المحنة. وفي عام 1999 تولى حليف كاسترو، هوغو شافيز زمام السلطة في فنزويلا، وفي عام 2000 وقّع كاسترو اتفاقاً مع شافيز ترسل كوبا بموجبه الأطباء إلى فنزويلا، مقابل النفط.

محطات رئيسية في مسيرة كاسترو

1926- ولد في مقاطعة أورينت في جنوب شرقي كوبا.

1953- أودِع السجن بعد قيادة انتفاضة غير ناجحة ضد نظام باتيستا.

1955- أطلق سراحه من السجن بموجب صفقة عفو.

1956- مع غيفارا بدأ حرب عصابات ضدّ الحكومة.

1959- هزم باتيستا، وتقلد منصب رئيس وزراء كوبا.

1961- صدّ غزو خليج الخنازير الذي قام به منفيون كوبيون، بتدبير من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، سي آي إيه.

1962- أثار أزمة الصواريخ الكوبية بالموافقة نشر صواريخ نووية سوفيتية في كوبا.

1976- تم انتخابه رئيساً من قِبل الجمعية الوطنية الكوبية.

2006- سلّم مقاليد السلطة لأخيه راؤول، بسبب اعتلال صحته، وتنازل عن الرئاسة بعد ذلك بعامين.

المصدر: الخليج