«مدرسة قوية تساوي مجتمعاً قوياً»، هي العبارة التي يجب أن ترسخ في أذهان من يخططون لأن تكون دولهم رائدة في العالم. ولذلك متى ما اقتنعنا بذلك في العالم العربي، وعملنا على برامج وطنية واضحة المعالم بعيداً عن جعل المشاريع الوطنية تبدو تجارية خاصة. فنحن في الطريق الصحيح لبناء دولة وأمة قوية.
مخرجات المدارس اليوم في عالمنا العربي تعتبر متواضعة من حيث النوعية في العالم، لكون الأمر ليس مسألة ميزانيات خيالية تصرف على التعليم وهيئات وبنية تحتية حديثة فقط، بل هي منظومة متكاملة يخطط لها أبناء تلك الدول وفق معطيات ومصالح وأولويات وأهداف دولهم كجزء من السياسة الوطنية لتنميه مستدامة.
التعليم هو محرك الاقتصاد والتفوق المعرفي الأول، كما يسام بقوة في إيجاد حلول مستدامة للتحديات التي تواجهها المجتمعات، إلى جانب كونه الركيزة الأساسية لجعل الدول مقرات دائمة لجلب المواهب، وأبرز العقول والمهارات والاختراعات والمنتجات في العالم، ومن منطلق آخر، فإن النظم التعليمية التي لا تخرّج العلماء والمفكرين والباحثين ورجال الأعمال والمخترعين وأهم قيادات القطاعات الحيوية على المستوى الدولي، هي نظم تعليمية يجب أن نتوقف عندها، ونعيد حساباتنا في جدواها ومدى مساهمتها في الريادة والتفوق الرقمي وتنويع المصادر المتجددة لاستمرارية الحياة، وبالتالي يعد الطلاب والمعلمون على حد سواء في المنظومات التعليمية هم حجر الأساس لجعل الدول في مصاف الدول الأبرز في العالم، بما في ذلك الاختراعات والبحوث العلمية والتفوق التكنولوجي والتقني، فالمنظومة التعليمية ككل عبارة عن باحثين وعلماء ومفكرين ومتميزين في شتى مجالات الحياة، والمعلم يجب أن يعلم أن التعليم ليس مهمته الوحيدة من دون أن يسهم في قفزة معرفية نوعية، وينتج هو كذلك أهم الدراسات والأبحاث والاختراعات.
هل يجب أن تصبح المدارس تخصصية ومراكز بحث وتطوير مصغرة؟ وهل يجب أن تركز المراحل الأولى للتعليم على مهارات الحياة وآلية التفكير والأخلاق والمبادئ الإنسانية الأسمى وأن يصبح التلميذ مبدعاً ومبتكراً؟ ومتى سنسمع عن مدارس لكل المراحل بتعليم حصري يصب في تنمية القدرة على الاختراع وتحقيق السبق العلمي والبروز التكنولوجي والصناعي والاقتصادي والمالي والصحي والرياضي.. إلخ، ورسم السياسة التعليمية وفق بيانات كبرى تحلل وتصنّف وتدرس وتقيم للمساهمة في دعم صناعة المعلومات الاستثنائية واتخاذ القرار التنموي التعليمي، وذلك وفق أرقام ودراسات تعكس الواقع الميداني في المجتمع ككل والتوجهات المستقبلية الرئيسة في العالم.
أرى أن التلقين والتعليم التقليدي من معوقات تقدم الدول، والمرحلة الإعدادية والثانوية يجب أن تصمم وتدار كجزء من تصميم التخصصات الجامعية المستقبلية، وقد يبدأ بعض الطلبة مشاريعهم التي سوف يعملون فيها طوال حياتهم المهنية ويصبحون ملّاكاً وأرباب أعمال من سن مبكرة، وترتبط دراستهم الجامعية بالتعليم الجامعي التطبيقي، فتذهب الجامعة لأماكن العمل من خلال التقنيات الحديثة، ولتصبح مهنة باحث ومخترع ومفكر وصاحب الحلول الابتكارية والمبدع وقائد التحول الذكي، وغيرها من المهن والتخصصات المحورية في ترسانة المهن الاستراتيجية التي يحتاجها المجتمع، وبدلاً من أن تخرّج المدارس موظفين، تخرّج علماء وباحثين ومفكرين وأطباء ومهندسين، ورجال أعمال ومخترعين وفنانين وموظفين متخصصين في التخصصات العلمية والأدبية، على أن تربط المدارس ببنوك وطنية متخصصة في تمويل أفكار وأبحاث وصناعات الطلاب التي من الممكن أن تكون أساساً قوياً لبناء مجتمع تخصصي.
ومن المشين أن نسمع عن نسبة غير قليلة من خريجي الثانوية العامة في القطاع الخاص من ذوي النسب العالية للغاية، يفشلون في الحصول على درجات تعكس تفوقهم في المرحلة الثانوية عند إجرائهم اختبارات تحديد المستوى التخصصي، أو اختبارات القبول للجامعات المحلية والدولية، وهو مكمن خطر وتهديد وطني! وكيف نفسر هذا العدد الهائل من خريجي الثانوية العامة الحاصلين على نسب عالية في القطاع الخاص! من دون أن ننسى أن نظام الدرجات المطبق في عالمنا العربي هو نظام صمم ليخرّج موظفين يستلمون رواتبهم آخر الشهر، ومساهمته في قطاعات تفوق الأمم اليوم وغداً محبطة نسبياً!
المصدر: الاتحاد