كاتب سعودي
هي مأساة إنسانية بالغة الإيلام حين يقترن اليتم بالعذاب المفضي للموت. وهي مأساة تبلغ ذروتها حين يكون الضحية طفلا سلمته غربة الحياة إلى غربة الموت عبر طريق قصير ملأته أشباح الرعب، لا منقذ فيه ولا مسعف ولا معين.
كم هي قاسية هذه الحياة.
كم هي ظالمة.
كم هي متوحشة.
عندما يتجرع فيها طفل كـ«فيصل» رضعات العذاب منذ ولادته حتى وفاته.
لم يشم رائحة أمه ولم يشعر بدفء صدرها.
لم يهدهده أبوه ولم يحمله على يديه.
ضحية ولدت غريبة، وماتت غريبة.
تسلمتها يد قتلتها بدلا من أن تربت عليها وتحميها.
وتلقفها قلب قاس جرعها العذاب بدلا من إحاطتها بالحنان.
وتكفلت بها نفس مشوهة نكلت بها بدلا من مداواة الحرمان.
***
من نلوم أيها المجتمع المبجل؟
من يتحمل المسؤولية الرئيسية في تسليم فيصل إلى هذا المصير البشع؟
فيصل، اليتيم الذي فارق الحياة في عامه الخامس على يد كافله بعد تعذيب ممنهج مستمر، حطم عظامه، وهشم أعضاءه، وحرق جلده، وسحق جمجمته، وأذاب دماغه، من هو المذنب الحقيقي في قصته الموجعة؟
هل هو الكافل الفاعل؟
هل هي الجهة التي سلمته له؟
هل هو نظام حماية الطفل الذي نفتقده؟
هل هي الرعاية الاجتماعية الجيدة التي ما زالت غائبة، وما زلنا نبحث عنها؟
هل هي أولوياتنا المرتبكة في كثير من الأشياء؟
هل هي مشاعرنا وأحاسيسنا التي تتعثر في الارتقاء والسمو لتكون قادرة على استيعاب حرمة نفس الإنسان التي كرمها الله، وخصوصا عندما تكون هذه النفس قابعة في قاع الضعف؟
***
فيصل اليتيم الذي سلمته الشؤون الاجتماعية إلى شخص يتبناه، أليس في نظامها وضوابط عملها أن تعرف جيدا وتتأكد من سلامة القوى العقلية والنفسية لأي شخص يرغب في تبني طفل يتيم، كما هو حاصل في كل المجتمعات التي تحترم الإنسان والإنسانية؟
بعد أن أزهقت روح فيصل على يد كافله، أفاد المتخصصون أنه شخص سادي يتلذذ بالتعذيب ويتفنن فيه، ولكم أن تتخيلوا ماذا حدث لفيصل منذ تبنيه وعمره ستة أشهر إلى أن قضى وهو في السنة الخامسة.
أين كانت الجهة التي سلمته لقاتله خلال تلك المدة؟
أليست هناك متابعة لأوضاع الأطفال الذين تسلمهم للتبني؟
أليس من حتميات واجبها أن تتأكد من سلامتهم وحسن رعايتهم؟
أم أن المسألة في مفهومها هي التخلص من هؤلاء الأطفال فقط، وليس مهما أي مصير ينتظرهم.
كل الذنب الذي قتل فيصل بسببه هو «التبول اللا إرادي» الذي يعرف الناس حدوثه لدى الأطفال في مثل سن فيصل، ويعرف الأطباء أسبابه العضوية والنفسية، ويستطيعون علاجه. ولكن لأن لا أحد سأل عن أحوال فيصل أو تابعه، عالجه قاتله بالموت، لتصعد روحه إلى السماء وهي تكوينا بسؤالها: لماذا تركتموني وحيدا؟؟
المصدر: صحيفة عكاظ