رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي
تُعد منطقة العين واحتنا النابضة بالحياة، والتي تمتد حكايتها عبر العصور، مُجسدة بالإنجازات التي ابتكرها الإنسان الإماراتي الذي أبدع في استخدام نظام الري بالأفلاج، لمواجهة ندرة المياه وبث الحياة في الصحراء التي باتت اليوم شاهدة على ازدهار المنطقة عُمرانياً وحضارياً. ولا يزال هذا النظام يُمثل إرثنا المُتناقل بين الأجيال الذي نحميه ونشاركه مع العالم.
واليوم، ومن خلال إعادة افتتاح متحف العين، ندعو جميع أفراد المجتمع المحلي والزوار للاحتفاء بإرث ورؤية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أسس المتحف عام 1969، أي قبل عامين من قيام اتحاد دولتنا، لإيمانه بأهمية التراث، ودوره المحوري كركيزة أساسية في بناء مستقبلنا.
يعكس إنجازنا اليوم رؤية قيادتنا الرشيدة بالحفاظ على تراثنا الثقافي بشقيه المادي والمعنوي، وضمان استدامته وإتاحته أمام الجميع محلياً وعالمياً من أجل مشاركتهم ماضينا العريق، وتسليط الضوء على مشهدنا الثقافي المتطور والمتكيف مع المتغيرات العالمية، مُستمداً من أصالة ماضيه هذا المستقبل المزدهر. وعبر صالات عرضه ومُقتنياته، يُتيح متحف العين لزواره فرصة الاطلاع على البنية التحتية التي جعلت الاستقرار ممكناً، والأدوات والحرف التي أسهمت في نهضة المجتمعات، وتلاقي الأفكار وابتكار السلع. كما يوفر لزواره نافذة على حقيقة عالمية مفادها أنّ الحضارات تزدهر عندما تعامِل بيئتها وثقافتها كهبة مشتركة ومُتبادلة تُثري حياة الجميع.
تحمل مؤسساتنا الثقافية قصصاً عالمية وتبادلاً معرفياً عبر الحدود. تُلهم وتُعلم وتربط تراثنا بالعالم، هكذا يتحول الحفظ إلى مشاركة، عندما يصبح ماضينا قصة حيّة ملموسة يمكن للجميع تجربتها.
إعادة افتتاح متحف العين تُذكّرنا بتحمل مسؤوليات حيوية عدة. أولاً، الحفاظ على تراثنا. في عصر تتسارع فيه التغيرات وتتصاعد التحديات المناخية، تعلّمنا الأفلاج الاستدامة القائمة على المعرفة المحلية ورعاية المجتمع بروح مسؤولة. ولذلك، فإن حماية المواقع الأثرية، وصون العادات والتراث غير المادي، وتوثيق التراث، تصب جميعها في نفس الاتجاه، وتأتي في إطار المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً، وتعبيراً عن التزام مُوحد تجاه ثقافتنا وهويتنا.
ثانياً، التعليم بشغف. يجب أن يكون التراث متاحاً، وجاذباً، وذا صلة بحياتهم اليومية. لهذا، سنواصل الاستثمار في البحث، والبيانات المفتوحة، وبرامج التعلم، والأدوات التفسيرية التي تدعو كل طالب ومعلم وعائلة للمشاركة والتفاعل. تؤمن أبوظبي بأنّ الثقافة ركيزة أساسية للاقتصاد الإبداعي والتنمية المستدامة في خدمة المجتمع المحلي والعالمي. المتاحف هي فصول دراسية مفتوحة، ومقتنياتها هي مكتبات مُستخلصة من التجارب الإنسانية.
ثالثاً، عقد المزيد من الشراكات الاستراتيجية. إنّ الشراكات مع المتاحف الرائدة، والجامعات، والجهات العاملة في مجال حفظ التراث، والشبكات الثقافية، هي ما يحافظ على تدفق الأفكار والخبرات. الثقافة لا تتقلص من خلال المشاركة، بل تتضاعف قيمتها وتتسع آفاقها عندما تجد قصصنا المحلية صدى في المحادثات العالمية.
أخيراً، الإلهام بثقة. لا تُشكل إعادة افتتاح متحف العين محطة تاريخيّة تحتفي بالماضي فقط، بل هي منصة مفتوحة على ما يحمله المستقبل من فرص وأعمال جديدة وإبداعات ثقافية في مختلف المجالات، وانتماء مُستدام أصيل يُعزز ثقافتنا ويُبرز هويتنا. ما يُفرحنا اليوم وفي الغد، عندما يقف طفل في منطقة العين أمام قطعة أثرية مستخرجة من أرضنا ويسأل، «كيف عاش أسلافنا هنا؟»، نأمل أن تلهمه الإجابة لطرح سؤال آخر مليء بالطموح والثقة، «كيف يُمكنني الإسهام في أن نعيش هنا معاً غداً؟». ودوماً ما تُذكرنا الثقافة أنّها ليست مجرد انعكاس للماضي العريق، بل هي إرث إنساني حي ومُستدام.
لطالما ألهمت أبوظبي العالم بحكايتها عبر العصور وإنجازاتها الكبيرة، وسطرت قيم العطاء والتفاني، بدءاً من أفلاجها وصولاً إلى المنطقة الثقافية في السعديات التي تعد أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم. وبهذا، رسمت أبوظبي مساراً واضح المعالم يستشرف المستقبل، مُتخذة من المعرفة سبيلاً إلى القدرة والإمكانية لتحقيق المستحيل. واليوم، مع إعادة افتتاح متحف العين، يصبح ذلك المسار أكثر وضوحاً.
دعونا نسير فيه بتواضع وشغف بما ورثناه من أجدادنا، وبثقة مليئة بالإبداع والابتكار بينما نواصل المسيرة، وبكل فخر بما سنشاركه مع العالم، مُستلهمين معاً من إرثنا العريق في مسيرتنا نحو مستقبل أكثر ازدهاراً.
المصدر: الاتحاد
