أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية
تحدثت هذه المقالة سابقاً عن الناتج الوطني للسعادة «Gross National Happiness»، الذي بدأ في «بوتان» في أوائل سبعينات القرن الماضي، وانتشر أخيراً في كثير من دول الغرب، بل وتفرغت معاهد ومراكز دراسات متخصصة لقياس مؤشر السعادة، وتصنيف الأمم بناء على هذا المعيار.
ويقيس مؤشر السعادة أشياء غير نقدية مثل جودة البيئة، وثقافة المجتمع، ومستوى التعليم، وحتى كيفية استمتاع الناس بأوقات فراغهم، وهي مقاييس تتطلب قياساً غير نقدي، يقوم على المقابلة والتقصي، وسؤال الناس المعنيين بالقياس.
وكان من أكبر المؤيدين لقياس هذا المؤشر مرشح الرئاسة الأميركي الشهير السيناتور روبرت كينيدي، الذي اغتيل في لوس آنجلوس في أوائل حزيران (يونيو) 1968، إذ اعترض على مؤشر الناتج المحلي الإجمالي GDP الذي يستخدمه الاقتصاديون، وفضل عليه ما يسمى بالناتج المحلي للسعادة. وقال كينيدي إن «الناتج المحلي لا يقيس صحة أطفالنا ولا جودة تعليمهم ولا أوقات فرحتهم حينما يلعبون، ولا جودة نظام القضاء، ولا متعة الشعر، ولا طول حياتنا الزوجية»، قبل أن يختم بقوله: «إنه يقيس كل شيء، ما عدا ما يجعل الحياة جميلة وتستحق أن تعيش من أجلها».
بالطبع لو تجاوزنا وصف كينيدي الحالم للسعادة، وتوقفنا مع المؤشرات التي يبنى عليها مؤشر السعادة، وهي – كما ذكر – جودة البيئة وثقافة المجتمع ومستوى التعليم وكيفية استمتاع الناس بأوقات فراغهم وغيرها من الأمور، فالأكيد أن عالمنا العربي سيكون في النصف السفلي من القائمة، فالبيئة آخر الاهتمامات، والجهود التي تبذل من أجلها خجلى ومستحية، وفي ما يخص التعليم، فالعرب في ذيل القائمة ولا فخر، وعن ثقافة المجتمع، فهي ضعيفة تبعاً لتخلف التعليم، وأما استمتاع الناس بأوقات فراغهم، فالأمر لا يخلو من سوق تذرعها الناس، أو مقهى يتقابلون عليه لبث همومهم المعيشية بين أدخنة النارجيلة وأقداح القهوة المرة، وهو ما يعني أن العالم العربي الذي هو خارج منحنى السعادة ينتمي ضمنياً لمؤشر اللاسعادة أو عدم السعادة Gross National Unhappiness، إن جاز التعبير والوصف الأخير يستخدم في بعض الصحف الغربية في تغطياتها عن الفقر والفقراء، كما استخدم في بحث علمي درس لغز عدم سعادة الفرنسيين، وركز أكثر على الجانب الثقافي.
اقتصادياً، قال بحث عنوانه: «A Test for the Convexity of Human Well-Being over the Life Cycle»، قام به أستاذ الاقتصاد في جامعة ماستريخت البلجيكية «برت فان لانديجم»، ونشرت نتيجته «التلغراف» اللندنية قبل عامين، إن منحنى السعادة يشبه شكل حرف اليو الإنكليزية «U»، إذ وجد لاندجم أن معدل رضا الناس على ما يحصلون عليه في حياتهم سرعان ما يسوء بعد تجاوزهم فترة المراهقة ودخولهم معترك الحياة، ولا يتعدل معدل الرضا مرة أخرى حتى يجاوز الإنسان سن الـ60 عاماً، ويكون اكتسب الخبرة اللازمة لمواجهة شظف الحياة ومشاقها، أو ربما أصبح أكثر قناعة وقبولاً بما قسم له.
وهو ما يعني أن منحنى عدم السعادة وليس السعادة، هو المسيطر على الإنسان في فترات حياته المنتجة، بين 20 و60 عاماً، فيما تتركز مرحلة السعادة في مرحلة الطفولة والمراهقة في العشرينات، وفي أواخر العمر بعد الـ60، إذ يكون الشخص أقل طموحاً، وشبه قانع مستكف بما حصل عليه.
ختاماً السعادة أو نقيضها تنبع من داخل الإنسان واعتقاده وإيمانه، إلا أن جودة الحياة بنوعيها المادي والمعنوي من العوامل التي تزيد أو تنقص هذا المعدل.
فالملاحظ أن من يتسنم مؤشرات السعادة إجمالاً مواطنو الدول الغربية الغنية، وهو ما يعني ضمناً ارتباط مؤشرات السعادة بالتطور والتنمية، فكلما تحسنت التنمية، وزادت الدخول الفردية، كلما زاد مؤشر السعادة على مستوى الأمة والعكس بالعكس.
المصدر: الحياة