
في الوقت الذي تبذل فيه الدولة جهوداً مضنية لتوطين القطاع الخاص، نجد أن «الراتب التقاعدي» حجر عثرة يعرقل هذه المسيرة، فالقانون الاتحادي رقم 7 لسنة 1999، وضع حداً أقصى للمعاش لا يتجاوز سقفه 50 ألف درهم، و5000 درهم حداً أدنى، ما اعتبره خبراء في الموارد البشرية وبرلمانيون سبباً في التأثير السلبي على قرار المواطن بقبول وظيفة خاصة، مهما بلغت إغراءاتها.
وقال مواطنون، إنهم تلقوا عروض عمل من شركات تابعة للقطاع الخاص، وهم على رأس عملهم في قطاعات حكومية، ورغم أنها تفوق ما يتلقونه من رواتب وامتيازات وظيفية، إلا أنهم آثروا البقاء في وظائفهم الأقل في الراتب، تحسباً لليوم الذي يحالون فيه إلى التقاعد.
وأكد خبراء أن الحل يتمثل في إطلاق الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية باقة تأمينية جديدة تزيد على 50 ألف درهم.
بينما رأى عضو في المجلس الوطني الاتحادي، أن «الإشكالية في الحد الأدنى للمعاش (5000 درهم)، إذ يطلب المواطن من وزارة تنمية المجتمع مبالغ تعويضية ليصل دخله إلى 10 آلاف درهم، ما يعد عبئاً إضافياً على الميزانية الاتحادية للحكومة.
وكانت الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية ذكرت، قبل شهرين، أنها تدرس تعديلاً يتيح رفع هذا الحد ليزيد على 50 ألف درهم شهرياً، لتشجيع المواطنين على العمل في هذا القطاع، وإزالة الفوارق بينه وبين القطاع الحكومي، الذي يبلغ الحد الأقصى لراتب الاشتراك فيه 300 ألف درهم شهرياً.
يتسبب في تراجع دخل الأسرة عند بلوغ الموظف سن الـ60
مواطنون: «تقاعدي الخاص» يحرمنا من مميزات «الحكومي»روى مواطنون عاملون في القطاع الحكومي لـ«الإمارات اليوم» قصص رفضهم عروضاً للعمل لدى شركات في القطاع الخاص في وظائف إدارية عليا ذات حوافز مالية اعتبروها مغرية، حسب وصفهم، لأسباب عدة، تتعلق بضعف الحوافز التقاعدية، وما تفرزه من تراجع في الدخل الإجمالي للأسرة.
وقال المواطن (ع.النعيمي)، الذي طلب نشر اسمه برموز، ويعمل حالياً في إحدى الدوائر الحكومية، إنه رفض عرضاً تقدمت به مؤسسة خاصة ليصبح رئيساً تنفيذياً مقابل 105 آلاف درهم، في حين أن راتبه الحكومي لا يتجاوز 70 ألفاً حالياً.
وأضاف: «كان العرض مقدماً من إحدى الشركات العالمية، والانتساب إليها يعد حلماً لأي باحث عن تطور مهني وإداري، والعرض كان مغرياً من حيث الراتب والامتيازات المكملة، حتى اكتشفت أن الحد الأقصى للراتب التقاعدي للمواطن العامل في القطاع الخاص 50 ألف درهم، ما سيؤثر في حال انتقالي للعمل الجديد على التزاماتي الأسرية عند بلوغ سن الـ60».
من جانبه، قال المواطن (ع. المازمي)، إن «قضاء مدة طويلة في العمل لدى القطاع الحكومي يرفع رصيد المواطن وحظوظه في الحصول على معاش تقاعدي مرتفع، كما أن من يعمل بين 30 و35 عاماً في الحكومة يستطيع أن يحصل على مكافآت إضافة تصل إلى 100% من راتبه الكامل لمدة عامين، بعدها يحصل على 80% من قيمة آخر راتب كان يتقاضاه».
وأضاف: «يأتي القطاع الخاص في آخر سلم الأولويات لدى المواطن في البحث عن فرصة عمل جديدة تحسن أوضاعه، لاسيما في ظل نظام تقاعدي يحرمه من مميزات مالية كبيرة».
إلى ذلك، عقد المواطن (س. العامري) مقارنة بين مستحقات المواطن الموظف في القطاع الحكومي ونظيره في القطاع الخاص، قائلاً: «لدي صديقان موظفان، أحدهما في إحدى شركات الطيران الوطنية، والآخر في بنك خاص، وهما متساويان عند بداية عملهما من حيث الرواتب، بينما بعد فترة، وتحديداً عند محاولات لضم الخدمة لدى هيئة المعاشات، وجدا أنهما يواجهان إشكالية، فموظف شركة الطيران أصبح عليه أن يسدد لهيئة المعاشات 20 ألف درهم شهرياً عن 120 شهراً لضم الخدمة عن 10 سنوات، بقيمة إجمالية تصل إلى 2.4 مليون درهم، بينما موظف البنك ترتب عليه أن يسدد ثلاثة ملايين و600 ألف درهم ليضم الخدمة، وفي معظم الأحوال فإن المواطنين لا يجدون سبيلاً لسداد هذه الأموال، وتالياً تضيع عليهم سنوات خدمة كان يمكن لهم الاحتفاظ بها إذا ما كانوا يعملون في قطاع حكومي».
من جانبه، قال (أ.علي) إنه يخطط لمشواره الوظيفي في القطاع الخاص، بعدما يتقاعد من عمله الحالي في القطاع الحكومي، موضحاً: «أتقاعد أولاً على النظام الحكومي، وبعدها أبحث عن عمل في مؤسسة خاصة، فهذا أفضل لي ولأسرتي، فوضع سقف للمعاش التقاعدي في القطاع الخاص غير منصف، إذا ما استحق موظف في الحكومة يحتسب من راتبه وامتيازاته المالية 97% ضمن الاشتراك، وآخر في القطاع الخاص لا يحتسب له سوى 40% من راتبه الإجمالي الذي يقيم وضعه بناء عليه».
وشرح أن «بدلات الهاتف واستهلاك الكهرباء والماء فقط، هي التي لا تدخل ضمن احتساب قيمة الاشتراك في معاش التقاعد للموظفين في القطاع الحكومي، ما يجعل نحو 97% من الراتب قابلاً للاحتساب، إذ يمكن أن تحتسب بدلات مثل الأثاث والمواصلات وغلاء المعيشة ضمن باقة الاشتراك، لترفع قيمة الاشتراك الشهري، وتالياً قيمة المعاش بعد التقاعد، وهي مميزات نفتقدها في القطاع الخاص، وتشكل وسيلة طاردة للمواطنين من العمل فيه».
• موظفون في «الخاص» يتقاضون 150 ألف درهم شهرياً وبعد التقاعد 50 ألفاً
خبراء: إطلاق باقة تأمينية جديدة أبرز الحلول
رأى خبراء في التقاعد، يمتلكون خبرة مهنية تناهز 15 عاماً، طلبوا عدم نشر أسمائهم، أن الحل الرئيس في إشكالية تحديد حد أقصى للمعاش للعاملين في القطاع الخاص، لا يتجاوز سقفه 50 ألف درهم، و5000 درهم حداً أدنى «يتمثل في إطلاق الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية باقة تأمينية جديدة تزيد على 50 ألف درهم، لاسيما في ظل قانون التقاعد الذي مضى عليه أكثر من 16 عاماً، بينما الأوضاع الاقتصادية تتغير بوتيرة سريعة».
واعتبروا أن «إحداث توازن بين المشترك والمتقاعد يمكن أن يكون سبيلاً للحصول على خدمة ترضي الجميع، فالمواطنون يطلبون تعديل أوضاعهم منذ فترة، وينبغي أن تستمع الهيئة إلى ملاحظاتهم، لأنها الوسيلة المثلى لوضع تصور للمسألة ينهي المشكلة كلياً».
وتابعوا: «بعض المواطنين الموظفين في القطاع الخاص يتقاضون رواتب تصل إلى 150 ألف درهم شهرياً، وعندما يحال أحدهم إلى التقاعد يتراجع دخله إلى الحد الأقصى المسموح به في هيئة المعاشات (50 ألف درهم)، ويكون عليه أن يتأقلم مع الوضع المالي الجديد، لذا فإن انخفاض الحد الأقصى للمعاش من شأنه أن يصرف نظر كثير من المواطنين عن العمل في القطاع الخاص».
وأشاروا إلى أن رفع سقف الحد الأقصى لمعاش المواطن في القطاع الخاص يسهم في تحقيق استراتيجية الحكومة في زيادة نسبة التوطين بهذا القطاع.
وقال أحد الخبراء: «طلبت الهيئة العامة للمعاشات رأيي في وقت سابق في هذا الأمر، وأجريت دراسة مقارنة على أنظمة تقاعد القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي، والدول الاسكندنافية، لاعتبارات تتعلق بتقدم أنظمة التقاعد هناك، ووضعت توصيات تستند إلى مميزات النموذج الكويتي لتقاعد موظفي القطاع الأهلي (الذي يشبه نظام القطاع الخاص في الإمارات)، لكن من دون جدوى». مضيفاً: «الأمر يحتاج إلى تشكيل لجنة قانونية من داخل هيئة المعاشات وخارجها لتدرس الأمر، كونه يخص قطاعاً عريضاً من فئات المجتمع، وأعتقد أنها ستصل إلى توصيات مهمة».
أقصى «تقاعدي الحكومي» 300 ألف درهم.. و«الخاص» 50 ألفاً
أكدت الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية أن «المساواة في الالتزامات والمنافع بين المشتركين والمتقاعدين من القطاعين الحكومي والخاص محل اهتمام من قبل مجلس إدارة الهيئة، ومن بينها إزالة التفرقة في الحد الأقصى لراتب حساب الاشتراك التي يقررها قانون المعاشات المعمول به حالياً، أما بخصوص تاريخ إقرار ذلك، فإنه مرتبط بإقرار تعديلات القانون من الجهات المختصة».
جاء ذلك رداً على سؤال لـ«الإمارات اليوم» حول آخر مستجدات مسودة تعديل القانون رقم 7 لسنة 1999، التي تتضمن رفع الحد الأقصى لراتب الاشتراك في القطاع الخاص ليزيد على 50 ألف درهم شهرياً، لتشجيع المواطنين على العمل في القطاع، وإزالة الفوارق بينه وبين القطاع الحكومي، خصوصاً أن الحد الأقصى في القطاع الحكومي يصل فيه راتب الاشتراك إلى 300 ألف درهم.
وكانت الهيئة ذكرت، خلال مؤتمر صحافي عقد أخيراً، أن «مسودة مشروع تعديل القانون الاتحادي رقم (7) لسنة 1999، تتضمن رفع الحد الأقصى لراتب الاشتراك في القطاع الخاص، ليزيد على 50 ألف درهم شهرياً، لتشجيع المواطنين على العمل في القطاع الخاص، وإزالة الفوارق بينه وبين القطاع الحكومي، الذي يبلغ الحد الأقصى لراتب الاشتراك فيه 300 ألف درهم شهرياً».
وقال مدير عام الهيئة بالإنابة، محمد سيف الهاملي، خلال المؤتمر، إن «التعديلات على قانون المعاشات تهدف إلى تقريب المزايا والحقوق الممنوحة للمواطنين العاملين في مختلف القطاعات، الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، وتشجيعهم على البقاء على رأس العمل أطول فترة ممكنة، والاستفادة من الكوادر الوطنية من خلال وجودها في العمل».
مدير عام الهيئة بالإنابة: محمد سيف الهاملي.
أكد خبير الموارد البشرية والتوطين، الرئيس التنفيذي لشركة «سام للاستشارات»، صقر أحمد المازمي، أن «السياسة الحالية لنظام المعاشات لا تحتوي على أنظمة مرنة تضمن نقل الموظف من قطاع حكومي إلى قطاع خاص والعكس، ويضطر المواطن إلى شراء مدد لضم الخدمة، كما أن الحد الأقصى للمعاش الحكومي 300 ألف درهم، بينما في القطاع الخاص لا يزيد على 50 ألف درهم فقط، وهي مسألة كفيلة بعدم استقطاب كفاءات». ودعا إلى «توحيد سقف الحد الأقصى للمعاش التقاعدي للمواطنين في القطاع الخاص، أسوة بالحكومي، والسماح بالتنقل بين القطاعين بدلاً من اضطرار الموظف الحكومي إلى تقديم استقالته».
وأشار المازمي إلى أن «وضع سقف للمعاش التقاعدي من شأنه أن يسهم في طرد الكفاءات من القطاع الخاص، وأنا أعرف حالات كثيرة لمواطنين رفضوا الانضمام إلى وظائف ذات مميزات مغرية لهذا السبب، في حين أن زيادة أعداد المواطنين في هذا القطاع من شأنها أن تفتح مجالاً لغيرهم من المواطنين»
المصدر: الإمارات اليوم