كاتب سعودي معروف بالكتابة الساخرة
عكس ما يريد أن يصوِّره «البعض الأبعض»؛ فإن الدين كان ولا يزال وسيظل أهم دافع للإبداع لاسيما في الفنون الإنسانية! فمازالت آثار مسارح الإغريق شاهقةً شاهدةً على عناية القوم بالمسرح عنايتهم بأهم الطقوس الدينية!
أما الكنيسة فهي أم المسرح، وفي رحمها تغذى على الموسيقى -روح التراتيل الإنجيلية- والرهبان هم من ابتدع النوتة الموسيقية وطورها! ومعادلها الفني في الثقافة الإسلامية هو علامات «التجويد»/ العلم الذي كان له أكبر الأثر في تطوير «المقامات» التي وضع قواعدها «الخليل بن أحمد» على «التفعيلة»(الجملة الموسيقية) في «علم العَرُوض»!
أما فن «المدائح النبوية» فلولاه لربما انقطع دابر «الطرب» غناءً وموسيقى وحرفةً! حيث ازدهر هذا الفن في القرن السابع الهجري، في ظل تردِّي المجتمعات العربية والإسلامية سياسياً واقتصادياً وفكرياً! وفي هذه الحال ينكفئ التاريخ على ذاته باحثاً عن «رمزٍ» يعينه على الصمود والتشبث بالتفاؤل في مواجهة الواقع المرير! وهل عرفت الدنيا رمزاً أعظم من نبينا/ محمد، فداه كل من يحارب الحياة باسمه -صلى الله عليه وسلم- وباسم دينه؟
ومن حسن حظ الفن (شعراً وغناءً وموسيقى) أن تزدهر «المدائح النبوية» في حضن الطرق الصوفية بعيداً عن «تسييس الدين» و«تديين السياسة»: فالصوفية هي الفرقة الوحيدة التي شغلها ترويض وتطهير نفوس أفرادها ومريديهم عن تكفير وتفسيق وجدال غيرها من الفرق الإسلامية؛ فاتفقت بقية الفرق على دَرْوَشَتِها المسالمة، بعد أن أَمِنَ الساسة جانبها؛ حين زهدت في أبسط معطيات الدنيا من مطعم ومشرب وملبس، فكيف بالكرسي «اسم الله علينا»؟
هنالك وجد الفن بيئة نقيةً يمارس فيها نفسه بهدوء وعزلة وانطلاق، بعد أن ظل -منذ الدولة الأُموية- «منافقاً» يحتمي بقصور الوجهاء والأمراء الذين يستمتعون به ليلاً، ويحرمون الناس منه نهاراً، رافعين فزَّاعة تحريمه دينياً!
ولأن الفنون جنون: فقد تسرب إلى النقاء الفني الصوفي كثيرٌ من التلوث الفكري و«العقدي»؛ بل أصبح كثيرٌ منه -زمن الحملات الصليبية- نوعاً من المخدِّرات التي تشغل الناس عن مواجهة عدوهم؛ وهو ما دفع «ابن تيمية» لتحريم ذلك الغناء فقط وليس مطلق الغناء (انظر المجلد 22 من فتاوى ابن تيمية وهو بعنوان: «التصوف»)!
أما المدائح النبوية فكانت ومازالت معين الفن الموسيقي الشرقي الذي لا ينضب!
المصدر: صحيفة الشرق