صورة البطل في الدراما العربية القديمة الذي يدافع عن حق مهدور، أو يسعى لاستعادة حياة ناعمة نزعتها الظروف الاجتماعية منه كانت تلقى الإشفاق وتحظى بالتعاطف بين جمهور المتلقين قديماً، واليوم نشاهد في الكثير من الأعمال الدرامية ذلك البطل الذي يمارس أعمال البلطجة في الحارة بقوته الجسدية وألفاظه التي تجافي الذوق، وقدرته على الخروج على القانون، والاتجار في المخدرات، والعنف ضد المرأة، والعنف اللفظي.. صور كثيرة لنماذج في العديد من المسلسلات تجرح المشاهد وتشوه صورة المجتمع، هذه الصور أصبح لها حضورها القوي على الشاشة الصغيرة، وتتداول عبر فيديوهات قصيرة على «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي، ويقلدها بعض أفراد المجتمع في بعض الدول العربية.
فلا يزال مشهد الممثل المصري محمد رمضان الذي اقتص من أحد أعدائه في مسلسله «الأسطورة» الذي عرض في دراما رمضان الماضي، عالقاً بأذهان المشاهدين، حيث كان هناك شخص صور زوجته وترصد لها، ونشر صورها على مواقع الإنترنت، فانهال عليه البطل ضرباً وألبسه رداء لا يصلح إلا للنساء، الأمر الذي أصاب بعض المشاهدين بالصدمة، حتى أن البعض تأثر به في الواقع واتبعه كأسلوب عقاب في الشارع المصري، الذي طرحه المسلسل. وهذا المشهد الذي يعبر عن غياب القانون واللجوء للقوة الشخصية جزء من عشرات المشاهد التي تعبر عن نماذج ضارة لا تخدم المجتمع فهل يحاكم الجمهور دراما العنف في هذه الأيام، خاصة أن لها التأثير السلبي والسيئ على فئات المجتمع كافة؟.. ومن المسؤول عن انتشار مثل هذه الأعمال، المنتج الباحث عن الربح، أم المخرج الباحث عن الإثارة، أم الفنان الباحث عن الشهرة والانتشار..؟ تساؤلات تبحث عن إجابة وافية بعد أن تم وضع الجميع في قفص الاتهام، دون استثناء..!
من ضمن الممثلين الذين شاركوا في بطولة أحد الأعمال التي تناولت مشاهد عنف في سياقها الدرامي، الفنان الإماراتي حبيب غلوم في فيلم «المختارون»، ويقول: لم أكن مرتاحاً للمشاهد العنيفة التي ظهرت في هذا الفيلم خصوصاً أنني تأذيت منها عند مشاهدتها خلال العرض العالمي الأول في مهرجان «دبي السينمائي الدولي» في دورته الأخيرة، ولم أكن أحبذ أن يصنف الفيلم للفئة ما فوق «18 عاماً»، لاسيما أننا نريد فئة الشباب أن يشاهدوا مثل هذه الأعمال التي تسلط الضوء على حال المجتمعات العربية في المستقبل، لكنني بعد النظر بعمق لمادة هذا العمل وجدت أن هذه المشاهد جاءت في سياقها الدرامي، ولولاها لما وصلت للمتلقي بمعناها الدقيق، خصوصاً أنها عبرت عن وضع معيش وحالات نفسية قد تتعرض لها المجتمعات في الأعوام المقبلة.
ويلفت غلوم إلى أنه مع مقولة «الفن رسالة»، لأنه مرآة المجتمع، والصورة التي تعكس واقعه، لذلك يؤمن بشدة أن يتحرى الفنانون اختيار أعمالهم حتى لا تنعكس بصورة سلبية على فئات مهمة مثل الشباب والأطفال، ويرى أن موجة دراما العنف في المسلسلات أو السينما تخطت حدودها، لكونها تنمي ثقافة العنف على الرغم من أنه من المفترض أن يسهم الفنانون في تقديم محتوى درامي لائق، حتى لا تنتشر ظواهر العنف اللفظي والجسدي، ومن ثم تظهر صورة تاجر المخدرات على أنه بطل يستطيع الإفلات من العدالة، وكثير من هذه الصور المرفوضة اجتماعياً وخلقياً وإنسانياً.
لا للأحكام السريعة
يقول الفنان محمد رمضان: شعرت بالانزعاج من النقد الذي طالني في مسلسل «الأسطورة»، خصوصاً أن المشاهد التي وردت في هذا العمل مبررة، وأن بطل العمل نال جزاءه الطبيعي في النهاية، وإنني لا أحب أن يتمثل الشباب المشهد الذي أحدث ضجة والذي كنت أثأر فيه من أحد الأشخاص الذي انتهك خصوصيتي، ويشير إلى أنه لا يزال في بداية حياته الفنية، وأنه لا يجب إطلاق أحكام سريعة عليه، خصوصاً أن عمره 28 عاماً، وهو حريص على التنوع وأن أعماله القادمة ستحمل رسائل إيجابية للمجتمع، وأنه ينصح الشباب بأن يتخير الطريق الصحيح في الحياة، وأن يستفيدوا بشكل إيجابي من السلبيات والظواهر التي تسلط الدراما الضوء عليها، وأن يلجأ أفراد المجتمع إلى القانون لا القوة الشخصية حتى لا يكون مصيرهم مثل مصير بطل مسلسل «الأسطورة»، ويشير إلى أنه يحترم آراء النقاد والجمهور حول الأعمال التي احتوت على مشاهد عنف وقدمها في الآونة الأخيرة، وأنه يعلم جيداً أن الممثل يعد قدوة، لذلك فإنه من الممكن أن يتأثر الأشخاص بنجاح ممثل ما.
التوازن مطلوب
ومن البديهي، أن نجاح أي عمل لا يتحقق إلا عندما تتسع جماهيريته ويكثر متابعوه على شاشات بعض وسائل الإعلام، ويظل بعض المنتجين والمخرجين في دائرة التساؤل: لماذا ساهموا في وجود أحداث عنيفة في الدراما؟ ولماذا سعى القائمون على هذه الأعمال على إنتاج هذا النوع من الدراما؟، وهل كان البحث عن الربح السريع هو الهدف الأول؟… هنا يقول المخرج المصري خالد يوسف: «الأعمال الدرامية التي تتضمن مشاهد عنف غير قادرة على ظاهرة بعينها في المجتمع لكن تأثر الجمهور بالمشاهد التي تحتوي على عنف لفظي أو جسدي وارد، ويلفت إلى أنه يتعين على المخرج أن يضع حسابات دقيقة للمشهد، بحيث يقدر وقع المشاهد التي قد تمثل صدمة لفئات معينة في المجتمع.
ويرى يوسف أن الدراما تحاول التقريب بين واقع المجتمع والمحتوى الفني المطروح، وهو ما يجعل السياقات تتعدد والأشكال التي يتم فيها المزج بين مشهد درامي مؤثر وآخر يعبر عن الواقع، وهو ما يتطلب دراسة المشهد نفسه وتقدير تأثيره على المجتمع، وما من شك في أن أي عمل فني لابد من أن يقدم رؤية، بحيث يظهر المخرج من خلاله سلبيات وإيجابيات، ويجعل المشاهد مشاركاً في الحدث ويتفاعل معه.
ويرى يوسف أن الفن في حد ذاته يحمل روحاً إنسانية عميقة، ثم يأتي دور تصوير المشاهد الأخرى بحرفية تامة، بحيث يكون فيها حالة من المزج تعبر بالمشاهد إلى بر الأمان وتجعله يصل إلى حالة من القناعة بأن هذا المشهد في سياقه تماماً، ويذكر أنه في أثناء الإضاءة على ظاهرة سلبية مثل إدمان المخدرات مثلاً في الدراما فإن لابد من إحداث توازنات في أثناء تصوير المشاهد الخاصة بهذه الظاهرة وتحديد الفئات المستهدفة، ومن ثم توخي الحذر خصوصاً أن هناك فئات مختلفة من الجمهور تشاهد الأعمال الدرامية والفنية بوجه عام.
فقدان المصداقية
يقول المنتج الإماراتي عامر سالمين المري: تعودنا في قاعات السينما على مشاهدة أحداث عنيفة في سياق بعض الأفلام، وكان ذلك مقبولاً نظراً لأن السينما محكومة بقوانينها وأن الجمهور هو صاحب الاختيار في دخول قاعاتها أو الإحجام عن مشاهدة بعض الأفلام، حتى الجرأة في الأعمال كانت وليدة الأعمال السينمائية ولاتزال، لكن الشاشة الصغيرة موجودة في كل بيت ويشاهدها جميع الأعمار، ومن هنا تكمن المسؤولية في إطار رسالة الفن التي تحمل في مضمونها الإيجابية.
ويشير المري إلى أن العنف الحالي في الأعمال الدرامية بمباركة بعض الفنانين والقائمين على الأعمال التلفزيونية يؤثر في تغيير الثقافة العامة للمشاهد ويطرح جدلاً مجتمعياً وفنياً واسعاً، فلم تعد الدراما العربية تعمل على تسليط الضوء على القضايا ذات الطابع الاجتماعي بقدر ما تعمل على تدني المحتوى بحثاً عن تحقيق أرباح، مشيراً إلى أن التفكير بهذا المنطق يفقد الشاشة الصغيرة مصداقيتها ويؤشر إلى دراما تحتوي على قدر كبير من مشاهد العنف الجسدي واللفظي، وليس من المنطقي أن يسعى الفنان إلى تحقيق شهرة على حساب المجتمع، لأن هذا المنحى سيؤدي في النهاية إلى خلق مشاهد عنف في الأعمال الدرامية مضرة بالواقع الاجتماعي.
خطوط حمراء
ويفضل الفنان السوري قصي خولي المشاركة في أعمال تطرح جدلاً فنياً عندما تعالج قضايا اجتماعية، لكنه ليس مع المشاهد العنيفة في الدراما التي تتخطى الخطوط الحمراء، خصوصاً أنه يؤمن بأن العلاقة بين الفنان على الشاشة والجمهور على أرض الواقع يجب أن تكون مبنية على تقدير كل طرف للآخر، لافتاً إلى أنه لا يجب أن تكون الدراما بمعزل عن الواقع بحيث تصور حالة المجتمع، وهو ما قدمه في بعض المسلسلات السورية التي ناقشت قضايا شديدة الارتباط بواقع المجتمع السوري في هذه المرحلة والمجتمع العربي بوجه عام، مثل «الولادة من الخاصرة» و«أرواح عارية»، وغيرها من الأعمال الدرامية التي سلطت الضوء على الفساد الاجتماعي وغياب العدالة، وما تركته الثورات العربية من مآس في محيطنا.
ويؤكد قصي أن الفن رسالة إنسانية وأن الفنان يجب أن يعيش أعماله وهو مؤمن بأنه فرد من أفراد المجتمع، لافتاً إلى أنه مع مناقشة القضايا المهمة في العالم العربي من دون خلق حالة من العنف المفتعل، بما يؤثر سلباً في فئات واسعة من المشاهدين وخاصة الشرائح الاجتماعية الهشة.
تقليد موظف
ويذكر ماجد المصري أن توظيف مشاهد العنف مهم جداً حتى يتقبلها الجمهور بحيث لا تكون مجرد ترويج أو تقليد لنوعية من الأعمال التي قد تكسب مشاهدين مثل الأطفال والشباب لكنها لا تخدم المجتمع، خصوصاً أن العنف اللفظي سهل التداول على ألسنة المشاهدين، لذا فإنه من الضروري أن يتم توظيف أي مشهد حتى لا يتأثر الجيل الحالي بأي عنف درامي ينعكس بالسلب عليه، لافتاً إلى أن التقليد نفسه يجب أن يكون في مصلحة العمل الفني والمشاهد معاً.
بعيداً عن التقليد
ويورد الفنان الإماراتي عبد الله زيد، أن المجتمعات العربية تعيش في الوقت الراهن توترات بسبب الكثير من الأحداث التي تعيشها بعض الدول الشقيقة، مشيراً إلى أنه من المفترض في ظل هذه الأحداث أن تتجه الدراما إلى تخفيف مستويات العنف في المحتوى الدرامي، مؤكداً أن الفن في محتواه رسالة إنسانية هادفة يجب أن تصل إلى المشاهد بعيداً عن إبراز مشاهد عنف، ومن خلال معالجة غير مبالغ فيها، ويضيف الدراما هي الوجه الآخر للمجتمع، لذلك يجب أن تتبنى مظاهر إيجابية وقضايا تمس الشارع العربي من دون أن تجرح، وبهذا تتواصل الرسالة الإنسانية في محيط الدراما العربية بعيداً عن التقليد والبحث عن الربح دون الاستناد إلى قيم الحق والعدل.
ربح سريع
ولا يخفي المنتج علي المرزوقي أن المبادئ هي التي يجب أن تسود في الأعمال الدرامية خصوصاً أن المنتجين لا يضعون أموالهم في أعمال تجلب الخسارة، وعلى الرغم من ذلك فإن الخسارة المادية من الممكن أن تعوض بعكس الخسارة المعنوية، ويشير إلى أن الممثل يحصل على أجره من جراء المشاركة في أي عمل، لكن الذي لديه مبادئ ينظر إلى قيمة العمل أولاً ومدى أهميته ومستوى الإيجابية التي من الممكن أن يتركها بين المتابعين، مبيناً أن العمل الدرامي النافع أو الذي يصدر العنف هو حصيلة تعاون بين المنتج والمخرج والممثل، وعن نفسي لا تستهويني دراما العنف ولن أنتج أعمالاً على هذه الشاكلة.
ويرى المرزوقي أن البحث عن الربح السريع هو الذي شكل دراما العنف في المجتمعات، وجعل الكثيرين من المنتجين والمخرجين والفنانين يبحثون عن أعمال سريعة التأثير في المجتمع، فتشكلت دراما العنف بصورة غير مسبوقة في بعض الأعمال خصوصاً أن منتجي هذه الأعمال وجدوا أنها تلقى قبولاً وتحقق إيرادات، لذا لابد من التحذير من هذا النوع من الأعمال التي لا يمكن أن تقدم للمجتمع شيئاً بقدر ما تضع الجيل الجديد أمام إشكاليات جديدة من العنف.
هزيمة للقيم
ولا يخفي الممثل الإماراتي الشاب حمد الكبيسي تخوفه من تفشي ظاهرة دراما العنف لكونها شديدة التأثير في فئات المجتمع كافة، فضلاً عن أنها تحقق للفنانين شهرة، وتروج لهم عبر الشاشة الفضية والذهبية، لافتاً إلى أن الأرباح السريعة التي تحققها مثل هذه الأعمال، ليست سوى هزيمة حقيقية لقيم مجتمعية راسخة، لاسيما أن فئة الشباب والأطفال، هما الأكثر تضرراً، وهما أيضاً الفئتان الأكثر استقطاباً من قبل صناع الدراما، ويذكر أنه لم يشارك في أعمال من هذا النوع باستثناء مسلسلات بدوية تتحدث عن شخصيات واقعية وتسرد سيرة قريبة من الواقع، موضحاً أن المعارك التي دارت أثناء تصوير بعض المشاهد لم تكن تظهر أي نوع من العنف أو القسوة، وكانت متماسكة مع سياقها الدرامي للأحداث التاريخية. ويؤكد الكبيسي أن الفن رسالة سلام للمجتمع، ولا يصح مطلقاً أن يتحدث الفنان عن هذه الرسالة لوسائل الإعلام في حين أنه لا يطبق مضامينها وأهدافها وقيمها في واقعه العملي، فالفن من وجهة نظره ليس سلعة تباع لمن يدفع أكثر، ويرى الكبيسي أن موجة دراما العنف، إنما تعبر عن تقليد أعمى لمحتويات درامية غربية لا تمثل واقعنا الاجتماعي الذي يجب أن تتم مناقشة قضاياه بصدق وشفافية بعيداً عن التأثر بقيم المجتمعات الغربية، التي لا تتشابه مع قيمنا.
حوادث مؤسفة
وتؤمن الفنانة البحرينية شيماء سبت بأن دراما العنف من الممكن أن تؤدي إلى حوادث مؤسفة داخل المجتمع العربي، خصوصاً بعد عرضها على المشاهد، بما يتنافى مع رسالة الفن، مؤكدة أنها على الصعيد الشخصي لا تمانع الظهور ضمن أعمال تحمل نقداً لبعض الممارسات غير المنطقية في المجتمع بهدف توعية الجمهور مثل مسلسل «سيلفي» الذي عرض في الموسمين الماضيين خلال شهر رمضان، مع الممثل السعودي ناصر القصبي، لافتة إلى أن مثل هذه الأعمال وإن احتوت على مشاهد صادمة للجمهور، لكنها تعبر عن الواقع وتضيء في الوقت نفسه على قضايا إنسانية مهمة، تدعو الجمهور إلى أن يقتدي بالسلوكيات المقبولة ونبذ غيرها.
وتشير سبت إلى أنها ليست مع الدراما العنيفة التي تصاعدت وتيرتها في الفترة الأخيرة في المنطقة العربية بوجه عام، والتي احتوت على قضايا ذات طابع جنائي على غرار الاتجار في المخدرات، والإدمان وتهريب الأسلحة والبلطجة والخروج على القانون، ومن ثم وجود الكثير من المشاهد العنيفة التي من الطبيعي أن تظهر استياء لدى بعض المتلقين، لكون أنها من الممكن أن يقلدها بعض الفئات من المشاهدين وهو ما يسهم في تأصيل ظواهر مرفوضة في المجتمع، وترى سبت أن الفنان له دور في تقليص مثل هذه الظواهر من خلال الإحجام عن المشاركة في مثل هذه الأعمال التي قد تجرح الذوق العام.
مسؤولية صناع الدراما
ويقول المخرج المصري محمد رزق: هناك عبء كبير يقع على صناع الدراما في العالم العربي، خصوصاً أن ظاهرة محاكاة مشاهد «الدراما العنيفة» تصاعدت في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة وهو يعد تقليداً صريحاً للمحتويات الغربية والعالمية التي لا تقدم أعمالا تخدم المجتمع بقدر ما تبحث عن جذب المشاهد بكل الطرق، ويرى أن المجتمعات العربية في الوقت الراهن تعيش حالة خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية والظروف الاقتصادية التي تشهدها مما يتطلب من صناع الدراما وبخاصة المنتجون والمخرجون والممثلون أن يقلصوا مشاهد العنف بحيث لا يتعمدون تسليط الضوء على القضايا ذات الطابع الجنائي مثل الاتجار في المخدرات والإدمان وتهريب الأسلحة والخروج على القانون، بما يتضمن مشاهد العنف الجسدي واللفظي وهو ما يؤكد أن هناك فئات مستهدفة لاسيما الشباب والأطفال.
مجرد تقليد
يؤكد المخرج أحمد زين، أن العديد من الأعمال الدرامية التي احتوت على مشاهد عنف والتي عرضت على شاشات بعض وسائل الإعلام، ليست تعبر بالضرورة عن واقع المجتمع، لافتاً إلى أن بعضها كان مجرد تقليد لدراما أخرى غير عربية، ويرى أن العنف الذي تشهده بعض الأعمال الفنية الغربية يلقى رواجاً بين الجمهور في مختلف أنحاء العالم، وهو ما جعل بعض صناع الدراما العربية يتجهون إلى هذا النوع من الأعمال التي ظهر بعضها في إطار تمثيلي مثير مثل وجود أشخاص يمارسون العنف، أو يقعون ضحية، وفي النهاية يتأثر سلبياً الأطفال والمراهقين والشباب، ويشير إلى أن بعض هذه الفئات قد يتأثر بشكل لافت فيكرر ألفاظاً عنيفة أو يحاول تقليد البطل بصورة فجة، وهو ما يلقي بظلال سلبية على المجتمع، ويرى زين أن من الضروري أن يتم توظيف دراما العنف بحيث تكون مشاهدها خفيفة وألا يسلط الضوء عليها بهذه الصورة فضلاً عن توجيه رسائل للمجتمع تحثه على عدم التمثيل بالشخصيات السلبية، وهو ما يبرز دور المنتج والمخرج والممثل أيضاً حتى يكون العمل في النهاية صورة للخير، وباعث على انتهاج السلوكيات المحمودة والمرغوبة في المجتمع.
المحتوى الدرامي
يقول عبدالرحيم البطيح رئيس مكتب العلاقات الحكومية والدولية المتحدث الرسمي باسم «أبوظبي الإعلام»، إنه منذ أن نشأت الدراما العربية وهي تحدث أثرها المباشر في الجمهور لأنها تعكس واقع المجتمعات وتناقش ظواهر إيجابية وسلبية في الوقت نفسه، لافتاً إلى أن تصاعد ظاهرة محاكاة مشاهد الدراما العنيفة في بعض بلدان الشرق الأوسط يطرح جدلاً فنياً واسعاً نظراً لأن مشاهد العنف التي طرحت في الفترة الأخيرة من عنف لفظي وجسدي على شاشات الفضائيات يظهر بجلاء تدني مستوى المحتوى الدرامي في مثل هذه الأعمال التي قد يحظى بعضها بجماهيرية، نظراً لاعتمادها على استثارة فئات معينة من الجمهور، لكنها في النهاية لاقت انتقاداً واسعاً من النقاد الفنيين والمثقفين، لأن مثل هذه الأعمال تستقطب الشباب والمراهقين والأطفال وهي الفئات الأقل خبرة ونضجاً في الحياة، لذا فلابد أن يتم التصدي لهذه الظواهر الدرامية العنيفة عبر تنمية الوعي لدى أبناء المجتمع، حتى لا تنتشر حوادث على غرار تقليد أبطال الدراما خصوصاً أن بعض المشاهد أظهر فيها هؤلاء الأبطال الاعتماد على أنفسهم في مواجهة مشكلاتهم وفق النص المكتوب دون الرجوع إلى القانون الذي يتساوى أمامه الجميع، ويؤكد أن بعض المشاهد العنيفة في هذه الأعمال كانت صورة من أعمال غربية لا تتناسب مع طبيعة وفكر وثقافات وعادات وتقاليد أبناء المنطقة العربية.
عن تأثير لقطات العنف الدرامي في المسلسلات على الجمهور، يقول عبدالرحمن يوسف: «عشنا سنوات طويلة نشاهد التلفزيون نتأثر بما يقدمه من دراما تعبر عن واقع المجتمعات، تناقش القضايا الإنسانية، وتضع الحلول في إطار فلسفة الخير والشر، دون أن تجرح، تمس ولا تفتعل العنف، تظهر البطل في ثوبه الإنساني المحض، أما اليوم فتتجه دراما العنف في المجتمعات العربية إلى تشويه القيم، وتذبح بشكل غير مباشر روح التقاليد، لافتاً إلى أنه لا يمكن أن يكون «البلطجي» هو نموذج لتحقيق العدل في المجتمع، لأن هناك قانوناً يحكم الناس هو الذي يجب أن يسود، لأن مثل هذه الأعمال التي تتلون بها الشاشة الصغيرة تصيب في مقتل، وتحول المُشاهد إلى شخصية متأثرة ببطل تصوره هذه المسلسلات في صورة المدافع عن غيره بما يستطيع، دون معالجة القضايا في إطارها الواعي والأخلاقي، وهو ما يجعل من الواقع الدرامي صورة مدمرة لمنظومة القيم والأخلاق، ومن هنا تكمن الخطورة، ويشير يوسف إلى أن هناك أعمالاً درامية جيدة لا تتبدل في محتواها وهو ما يجعلها تعيش، ويبحث عنها المشاهد مهما تقادمت.
عنف لفظي
ولا يخفي محمد مصطفى تألمه من متابعة بعض الأعمال الدرامية التي تبث على المحطات الفضائية العربية التي تتناول قصصاً غريبة بحيث يتداول على لسان أبطالها ألفاظاً تخدش الحياة، وتترك أثراً مدوياً في الجمهور الذي يعجبه أحياناً لفظاً «مسجوعاً» لكن دلالته خطيرة ولا تتماشى مع الذوق العام، ويشير إلى أن بعض فئات المجتمع في العالم العربي تتخذ من العنف اللفظي أسلوب تعامل مع الآخر، وهو ما يجعل الأعمال الدرامية التي تؤصل لثقافة غير مرغوب فيها في محيطنا تهيمن في صفوف الشباب، والمراهقين، والأطفال، وبعض الطبقات التي لا تمتلك الثقافة الكافية لكي تدرأ عن نفسها تداول مثل هذه الألفاظ التي أصبحت تسري في المجتمع سريان النار في الهشيم، مبيناً أن الواقع الدرامي لا يراعي المراهقين والأطفال وبعض الرجال والنساء من الجمهور الذين تنقصهم الرؤية، وتغريهم مثل هذه الألفاظ التي من الممكن مع مرور الأيام أن تكون جزءاً من لغة الشارع، إذ لم تعد عبارة «+18» أو «هذا العمل قد يحتوي على مشاهد لا تناسب الصغار»، حكراً على الأعمال السينمائية بل أصحبت أيضاً تنطبق على الأعمال الدرامية.
بواعث الشر
ويتساءل حسن الشرابي (مغربي)، أين هي الدراما النظيفة التي تدعو إلى قيم الجمال وتعالج القضايا الاجتماعية في إطار أخلاقي وإنساني، بحيث تعلي قيم الخير في النهاية على بواعث الشر، بدلاً من معالجة القضايا الحالية بأسلوب فج بدعوى أن «الجرأة» تكسب مثل هذه الأعمال مصداقيتها، ويلفت الشرابي إلى أن الواقع الدرامي يعاني أزمة حقيقية في فقر المعالجة الفنية، وهو ما ينعكس سلباً على الجمهور الذي تتعدد أراؤه تجاه مثل هذه الأعمال، فمنهم من يرفض تقليد أي سلوك لا يتماشى مع تقاليد المجتمعات العربية، ومنهم من يقلد بشكل أعمى لمجرد أن البطل أو البطلة نموذجه المتعاطف انتهج تصرفاً ما، وهو ما يضع صناع الدراما في موقف المتهم، مشيراً إلى أنه يظل الغرض من انتشار مشاهد العنف في الدراما بهذه الكثافة أمراً غير واضح، ولا يمكن الاقتناع بكل ما يتشدق به بعض المنتجين والمخرجين بأن هذه المشاهد تأتي في سياق القصة، وأنها يجب أن تكون واقعية حتى تجذب المشاهد، مؤكداً أن الخطورة تكون أكثر في حال استمرت مثل هذه الموجة من المسلسلات التي تبدو أنها تجارية ربحية أكثر تبتعد عن مناقشة قضايا مجتمعية تمس الجمهور في المقام الأول.
بطل خرافي
وتورد سارة أبو الناس (طبيبة)، وتتابع الكثير من الأعمال الدرامية بكثافة، أنها تعرفت بمحض المصادفة إلى عدد من نجوم الفن القدامي وهو ما جعلها تقترب من أجيال تحتفظ لنفسها بالقيمة الحقيقية لأعمالهم الفنية، ودورها في ترسيخ قيم المجتمع، وتشير إلى أنها تشعر بالصدمة في هذه الأيام من موجة العنف الدرامي الذي يبرز صورة البطل في شكل خرافي أقوى بكثير من قدرات البشر الطبيعيين، وأنه قادر على العيش في المجتمع بمنطق شريعة الغاب الذين لا يقهرون عادة، فضلاً عن مشاهد عنف كان من الصعب أن تطرح أصلاً في الدراما العربية، لكنها اليوم موجودة وأثرها خطير، فقد تدعو إلى محاكاتها على أرض الواقع خصوصاً العنف الجسدي والخروج على القانون، فضلاً عن كل أشكال العنف التي لا تعالج قضايا اجتماعية بقدر ما ترسخ لقيم العنف في المجتمع، وترى أن ترسيخ ثقافة العنف عبر الدراما يساعد حدوث تصدع في بنية المجتمع على أساس أن الداما مرآة عاكسة لواقع المجتمعات.
غير منطقية
وتبين غالية النعيمي (أم لثلاثة أولاد)، أنها أصبحت تخشى على أبنائها من مشاهدة بعض المسلسلات الدرامية التي تذاع خصوصاً في المواسم التي تتنافس فيها مثل هذه الإنتاجات، لأنها ترسم صوراً غير منطقية للحياة العامة وطبيعة الناس في مجتمعاتهم، ومن ثم معالجة قضاياهم بصورة تجافي التقاليد والعادات الأصيلة، مبينة أن التلفزيون ضيف في كل بيت، وأنه لا غنى عنه ومن الصعب التحكم في الأبناء وإرغامهم على عدم المشاهدة، وتشير إلى أنها تبذل جهداً كبيراً من أجل إصلاح ما أفسدته هذه النوعية من الأعمال في عقول الأبناء.
ضمير فني
أما النقد الفني فيمثل دوراً مهماً في تحليل موجة العنف الدرامي التي انتشرت في العالم العربي في المواسم الماضية، خاصة أن الدراما تبقى قوى ناعمة يحكمها الضمير الفني، وفي هذا السياق، يقول الناقد المصري صلاح فضل: الكارثة التي لا يدركها صناع الثقافة والإعلام، على وجه الخصوص أن مصدر الُمشاهد هو الأعمال الفنية الأميركية، وخصوصاً في السينما، وأحسب أن هذه الموجة ليس متأثرة بالطوفان الدرامي الأميركي العنيف فحسب إنما تمثل جانباً من الأوضاع في كثير من الدول التي هبت فيها الثورات بنزاعاتها الفوضوية، فأثر ذلك على المستوى الدرامي، خصوصاً في تناول قضايا الإرهابيين، وتجارة المخدرات واستخدام القوى، دون مراعاة جوانب الجمال التي هي أساس الضمير الفني والوعي الإنساني.
ويشير إلى أن هناك نماذج من الكتاب الذين أفرزهم الجيل الماضي مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، وغيرهما، كانت لديهما رؤية فنية وإنسانية، ما شكل موجة من الإبداع المتحضر، كما شاهدنا أعمالا درامية لكتاب مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس محمد عبد الحليم عبد الله، ونحن في حاجة إلى وجود كتاب يتشكل لديهم الوعي بأهمية الدراما في المستقبل، إذ إن تغيير هذه النظرة من خلال نقد الأعمال الفنية بصورة واضحة سوف يساعد المخرج والمنتج والممثل والكاتب على تقديم أعمال تبرز إنجازات البيئة العربية ولا تنزلق إلى التقليد الغربي، لأن وجه التنافس ليس في محله، بحيث يتم إنتاج أعمال درامية ترقى إلى تمثيل الإنسان العربي، وأعتقد أن الأمل موجود بتغيير هذه الصورة في المستقبل لأن الدراما قوى ناعمة ويجب أن يحكمها الضمير الإنساني.
أثر سلبي
ويورد الناقد والمخرج سعيد سالمين المري، أن العنف يولد عنفاً، إذ بعد عرض مسلسل درامي يحتوى على مشاهد عنف ضد المرأة أو الطفل، أو يكرس لظواهر السرقة و«البلطجة» والعنف اللفظي فإن فئات عديدة داخل بعض المجتمعات تتجاوب معه، بما يتناسب مع التكوين الشخصي للمتلقي والبيئة المحيطة به، التي قد يغلب عليها تشجيعاً لارتياد أفعال خارجة على القانون، موضحاً أن الدراما قوى ناعمة تظل أحد عوامل انتشار العنف المجتمعي من خلال إرساء قواعد التحفيز بما يتوافق مع التنشئة الاجتماعية والظروف الاقتصادية والدوافع النفسية لدى المشاهد، ويشير سالمين إلى أن مشاهد العنف موجودة بصورة ما في السينما الأميركية، وما يحدث اليوم هو نوع من التقليد الذي ينساق وراءه بعض المخرجين والمنتجين من دون تقدير النتائج، ومن ثم تؤثر على قيم وتقاليد مجتمعاتنا العربية المنطبعة بالأساس على سلم أخلاقي متوارث.
ويذكر أن هذه المشاهد العالقة في الذاكرة استطاعت أن تجذب الجمهور وتحقق الأرباح في الوقت نفسه، لكنها لم تعالج قضايا العنف من منظور فني تتوافق فيه الرؤية القويمة لبوتقة العمل الجماعي المؤلفة من المنتجين والمخرجين والممثلين، ويشير إلى أنه قدم نماذج لا تكرس لظاهرة الخوف أو العنف في فيلم «ساير الجنة» الذي حصد الكثير من الجوائز المحلية والعالمية، بحيث لا يحرج المجتمع ولا يخدش الحياء، ولا يشجع على العنف، رغم أن بعض المشاهد تمثل صدمة للجمهور لكنها صدمة محببة لا تترك الأثر السلبي في النفوس.
مخاطبة العقول
ويؤمن الناقد الإماراتي منصور الظاهري، أن الأعمال الدرامية تناقش قضايا المجتمع وتصور حالات نادرة تحدث في الواقع، وفي ظل العنف الدرامي الذي شهدته الأعمال الدرامية في الفترة الأخيرة، فإنه يتعين على صناع الدراما من منتجين ومخرجين تغيير خريطتهم الفنية، فالوقت الراهن لا يحتاج إلى تجسيد مشاهد تكرس للعنف المجتمعي وتؤدي إلى تغيير في الذائقة الفنية، ويشير إلى أنه شخصياً يناقش في أعماله الفنية قضايا تخص الجريمة مثل المخدرات والعنف ضد بعض فئات المجتمع، لكن المشاهد دائماً تأتي في سياقها الدرامي ومن دون أن تحدث تلك الصدمة المخيفة وتدعو إلى أن يقلدها أفراد المجتمع، خصوصاً أنه دائماً يحاول أن يرصد في نهاية هذه الأعمال أهمية أن يكون الفرد إيجابياً وقادراً على تجاوز الأزمة، ويلفت إلى أن الأعمال التي شهدتها الساحة الفنية واشتملت على مشاهد عنف صادمة كان بعضها بهدف التجارة دون النظر إلى السلبيات التي ترتبت بالفعل على واقع المشاهد، ويرى أن المتلقي مستقبل جيد وبخاصة فئة الأطفال والمراهقين، وأن الدراما تدخل إلى كل بيت وتخاطب العقول لذا يجب أن يحكمها الضمير كونها قوى مؤثرة.
سلوك متطرف
يقول الدكتور معن الطائي: لم يعد يخفى على أحد التأثير الكبير الذي تمارسه الأعمال الفنية الدرامية في المتلقي بغض النظر عن جنسه أو عمره، حيث تلعب الدراما التلفزيونية دوراً كبيراً في إعادة صياغة الأفكار والمعتقدات العامة، كما أنها ترسخ وبشكل غير مباشر أنماطاً سلوكية معينة من خلال اعتمادها على عنصر الإبهار البصري وما يرافقه من انطباعات مبنية على الإثارة والتشويق. وقد شكل انتشار القنوات التلفزيونية الواسع وامتداد ساعات البث المتواصل، وتطور إمكانية المشاهدة من على الإنترنت وعبر مختلف أنواع الشاشات الإلكترونية عاملاً مضافاً لمدى ذلك التأثير إلى الحد الذي دفع بعض مراكز الأبحاث إلى وصفه بـ«القوة الناعمة». ويشير إلى أنه من أكثر الإشكاليات التي ترافق مثل تلك الظواهر الثقافية البصرية التنوع والاختلافات بين ثقافة العمل الفني وبيئته الاجتماعية والبيئة المحلية، وخصوصاً أن معظم تلك الأعمال الفنية الدرامية قد تقدم حالات سلوكية متطرفة ومرفوضة مجتمعياً من أجل زيادة الإثارة، وبالتالي ارتفاع نسبة المشاهدة. ويرى الكثير من علماء النفس، أن تلك الحالات المتطرفة قد تصبح محددات أو موجهات سلوكية لدى العديد من المشاهدين. ولعل هذا ما يفسر انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة والمخدرات والأنماط السلوكية المدانة اجتماعياً في ثقافتنا المحلية، وهو ما يجعل المشاهد العنيفة أو السلوكيات المنحرفة التي تجسدها تلك الأعمال الدرامية هي المعيار السلوكي الذي يوجه وعي المتلقي في حياته اليومية وتعاملاته الاجتماعية.
صورة ذهنية
ويبين البروفيسور الصادق رابح عميد الإعلام في كلية الإمارات للتكنولوجيا، أن التلفزيون صورة من أدوات الثقافة المساندة للمجتمع، فإنه فهو يقدم محتويات درامية تعبر بشكل ما عن طبيعة مشكلات موجودة بصورة ما، وربما تكون المعالجة واعية أو غير واعية، لكن الدراما العنيفة بوجه عام ليست محكاً رئيسياً لتأصيل العنف في المجتمع، وأن تأثر بعض المتابعين لها بالمشاهد العنيفة ومن ثم محاولة تقليدها في واقع الحياة لا يعني أنها توجه للعنف بالكلية، لكن من المؤكد أن الصورة الذهنية التي تظل عالقة في وجدان المشاهد قد تحدث أثراً إيجابياً عبر التفريغ النفسي من خلال مشاهدة العنف أو أثراً سلبياً، وهو ما يتجلى في المحاكاة التي تعبر عن جوانب النقص في شخصية المتلقي، فيلجأ لتعويض الضعف بإظهار نوع من القسوة المفرطة، مشيراً إلى أنه في الغالب تكون هناك دوافع لوجود مثل هذا اللون الدرامي بعضها يتعلق بالاستقرار السياسي والآخر بحدة الأزمات المالية التي تجعل بعض المسلسلات تنتج بشكل تجاري محض. ويورد أنه على الرغم من ذلك فإن بعض هذه الأعمال تظهر العلاقة غير المتكافئة بين أفراد المجتمع، في نسيج العائلة الواحدة، وبين طيات أبناء شارع واحد، أو بناية واحدة، ويرى أن المحتوى الدرامي العنيف يعد صورة من صور الواقع، لكن طريقة المعالجة تختلف من عمل إلى آخر، فمنها المقبول الموافق للعادات والتقاليد، ومنها ما هو ضار بطبيعة المجتمع، ويرخي عليه بواعث من التأثر الشديد، فالتنشئة الاجتماعية والتعليم الجيد والبناء الفكري لأفراد المجتمع جزء من مواجهة ظواهر عنف يبرزها التلفزيون في أعماله الدرامية العربية التي تدخل إلى كل بيت، والإعلام بوجه عام له دور في عملية التوعية وهو شريك أساسي في بناء تنمية السلوكيات الجيدة.
أطفال ومراهقون
أصدرت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري في تونس بيانًا، في يوليو 2015، أكدت فيه أن بعض الأعمال الدرامية جاءت محملة بنسبة كبيرة من العنف بجميع أنواعه، وهو ما من شأنه التأثير سلباً على فئات واسعة من المشاهدين وخاصة الشرائح الاجتماعية الهشة، خاصة من الأطفال والمراهقين، وقد أشارت صحف جزائرية في عام 2012 إلى أن عدد الأطفال الذين أقدموا، خلال فترة قصيرة، على الانتحار بالطريقة التي عرضها أحد المشاهد في الحلقة الأخيرة للمسلسل الكرتوني الشهير «المحقق كونان» وصل إلى نحو 15 طفلا في مختلف أنحاء البلاد.
رؤية هادفة
يذكر المخرج ناصر التميمي، أنه في فيلم «قطرة دم» الذي قدم فيه مشاهد خاصة عن الشعوذة والدجل لم يعمد مطلقاً إلى إحداث صدمات للجمهور، وأنه قدم في النهاية قيماً إيجابية، ويلفت إلى أن دراما العنف بمعناها الواسع تحرص على كسب المشاهد لكنها تعجز عن إحداث تأثير إيجابي، مع أنه من المفترض أن تعمل على الحيلولة دون وقوع المزيد من العنف تأصيلاً لمبدأ سيادة القانون، وأن من يخرج عليه فهو تحت المساءلة. ويشير إلى أن منتجي هذا النوع من الدراما ركزوا على أنشطة إجرامية وصدّروا بعضها للمجتمع والكثير من الأعمال لم تنجح في إحداث توازن بين كم المشاهد المطروحة والمعالجة الصحيحة التي تعطي في النهاية منتجاً يخدم بنية العمل ولا يضع المشاهد تحت تأثير لقطات تنطبع في الذاكرة، وتؤثر بشكل مباشر في بعض أفراد المجتمع بما لا يخدم القضايا الاجتماعية، حيث إن التركيز على سلبيات العنف الأسري ضد المرأة والطفل دون وضع الحلول الإيجابية يؤشر إلى تكريس استمرار أعمال عنف ضدهما، ويبين أن التقليد يسوق بعض صناع الدراما إلى البحث عن مضامين تحقق مشاهدة كبيرة وربحاً وفيراً، لافتاً إلى ضرورة الاهتمام بالرؤية الفنية الهادفة، حتى لا تتحول الأعمال الدرامية إلى بواعث تشكل خطراً على المشاهد وبعض فئات المجتمع.
محاكاة الواقع
يذكر الناقد الفني طارق الشناوي أن الدراما العربية تتمتع بزخم كبير، خصوصاً في المواسم الخاصة بها والتي تصل فيها المنافسة إلى ذروتها وهو ما يخلق حالة من القلق عند الكثير من صناع الدراما، وهو ما أفرز طرح قصص فيها إثارة وتشويق ومواقف صادمة، بحيث تجعل الجمهور يتعلق بمسلسل ما عن غيره، وهو ما أفرزته بعض مشاهد العنف التي تابعها المشاهد في الآونة الأخيرة، والتي سبب بعضها صدمة، ومثل هذه الأعمال تتأثر بها الفئات الأقل نضجاً في المجتمع، مشيراً إلى أن العنف اللفظي والعنف الجسدي وأدوار «البلطجة» كانت مواد ثرية في بعض الأعمال، وفي الوقت نفسه مارس بعض أفراد المجتمع هذا النوع من العنف على سبيل التقليد ليس إلا، إذ إن هناك بعض المشاهدين الذين لا يفرقون بين محتوى الهدف بمناقشة قضية لها جذورها في المجتمع، وبين العمل نفسه على أنه صورة يجب محاكاتها في الواقع، ويؤكد أنه ليس ضد تصوير مشاهد عنف في الأعمال الدرامية إذا تم توظيفها بشكل جيد، وعلينا أن نفرق بين الأعمال الفنية التي هدفها الرئيس النجاح تجارياً، وتلك التي تحمل قيمة حقيقية للدراما وللمشاهد.
من الشاشة إلى الواقع
تُعد حادثة تقليد مشهد في المسلسل المصري «الأسطورة»، بإحدى المحافظات المصرية عرض في منتصف عام 2016، نموذجاً صارخاً لتأثير الدراما على مستوى العنف المجتمعي، حيث أجبر مواطنون رجلاً على ارتداء ملابس نسائية، وتصوير مقطع فيديو له، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب خلافات شخصية، كما أن بعض مواقع التواصل ربطت بين انتحار السوري جابر البكر، المشتبه به في محاولة تفجير إحدى محطات القطار في ألمانيا في زنزانته في أكتوبر 2016، وبين المسلسل الأميركي «هوملاند» الذي أشار إلى أحداث مشابهة.
سلوكيات المشاهد
يورد البرفيسور حمزة دودين أستاذ القياس النفسي في جامعة الإمارات أن مشاهد العنف التي بثت عبر الفضائيات العربية شكلت موجة من دراما القلق لدى الجمهور الذي تأثر بعضه سلوكياً بالمشاهد التي فيها خروج عن العادات والتقاليد، وهو ما يسبب نوعاً من التوحد السلوكي مع أبطال هذه المشاهد، ومن ثم تقليدهم في أفعالهم التي تجافي الذوق وتخرج عن العرف نظراً لأنها اعتمدت على تقنيات فيها إبهار شديد للجمهور، ويشير إلى أن المراهقين هم أكثر الفئات تضرراً، وكذلك الأشخاص الذين لديهم ميول إجرامية، مؤكداً أن مشاهد العنف التي بثت في بعض الأعمال الدرامية عملت على إيذاء النفس، وهو ما ينعكس سلباً على أفراد المجتمع ويرسخ لدوافع التقليد الأعمى.
عنف وإرهاب
نمط جديد بدأ يظهر في الأفكار التي تحتويها المشاهد الدرامية العنيفة يتمثل في تقليدها على أرض الواقع مثل لجوء بعض الأفراد إلى التنظيمات الإرهابية للحصول على تمويل للقيام بأعمال عنف وإرهاب سواء داخل دولهم أو في دول أخرى. وقد بدا ذلك جلياً في إعلان السلطات الألمانية، في 2 يناير 2017، عن إلقاء القبض على لاجئ سوري يُشتبه في أنه كان يخطط للحصول على أموال من إحدى التنظيمات الإرهابية وشراء شاحنة لشن هجوم مشابه لحادث الدهس الذي تم تنفيذه في برلين.
العنف والمرأة
احتوت بعض الأعمال الدرامية على كم كبير من مشاهد العنف ضد بعض الفئات المجتمعية، وهو ما بدأت اتجاهات عديدة في التحذير منه، على غرار لجنة رصد دراما رمضان التي شكلتها لجنة الإعلام بالمجلس القومي للمرأة في مصر، والتي أصدرت تقريرًا في يوليو 2016، كشفت فيه أن المرأة تعرضت في المسلسلات التي عرضت في هذا الشهر إلى نحو 1607 مشاهد للعنف.
المصدر:الاتحاد