إحاطة ولد الشيخ أحمد: الصوت المستعار!

آراء

كانت كلمة مبعوث الأمم المتحدة في اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لأعضاء مجلس الأمن الأربعاء الماضي باهتة ورمادية ولا تحمل سوى معنى جديد واحد: إخلاء مسؤوليته الشخصية وتبرؤه من الفشل.

قال ولد الشيخ أحمد ما هو مُقال في الأصل، وكرر ما هو مكرور، ودوّر ما هو دائر، وذكّر بما لم يغب عن البال، ثم أمسك العصا من المنتصف وقذفها في الهواء!

تحدث مبعوث الأمم المتحدة عن الوضع الإنساني المتأزم في اليمن، وهذا ما يعرفه الجميع. وأفاض في شرح معاناة المدنيين وهذا ما يدركه الكل. لكنه لم يستطع ولو بجملة واحدة أن يبيّن لأعضاء مجلس الأمن والعالم الفرق بين الميليشيات المسلحة التي انتهكت السيادة اليمنية، والحكومة الشرعية. ولم يستطع ولو بإلماحة صغيرة أن يفرّق بين الجيوش النظامية التي تحترم عقائدها القتالية، والعصابات الخارجة عن القانون التي تقصف المدنيين بالصواريخ!

افتتح ولد الشيخ أحمد إحاطته لمجلس الأمن بالتالي:

«مناطق عدة في اليمن لا تزال تعاني من الغارات الجوية والعمليات العسكرية. كما ارتفع عدد الصواريخ التي أطلقت من دون تمييز على أراضي المملكة العربية السعودية. وزادت في الآونة الأخيرة حدة الأعمال القتالية وزاد معها الشحن الإقليمي، ما يهدد بتأخير انعقاد الجولة التالية من المحادثات».

وهو هنا يتحدث عن طرفين متنازعين على مسألة لم يحددها، ومتساويين أمام الشرعية الدولية، تسببا في معاناة الشعب اليمني. يتحدث عن الخاطف والمخطوف بنفس النغمة. ويضعهما معاً في قالب واحد ثم يقدمهما للعالم كمُكون واحد!

يساوي ولد الشيخ أحمد في هذه «البادئة» بين غارات قوى التحالف العربي التي تستهدف قواعد الحوثيين ومخازن أسلحتهم المسروقة من الجيش اليمني، وعمليات إطلاق الصواريخ العشوائية باتجاه الأراضي السعودية التي لا تفرق بين عسكري ومدني! يطلق المقارنة بعمومية فجّة وكأنه لا يعرف على أية شرعية دولية تستند هذه الغارات، وعلى أية انتهاكات سياسية وخروق شرعية تنطلق الصواريخ البالستية باتجاه السعودية؟!

ثم يلقي ولد الشيخ أحمد باللوم على حدة العمليات القتالية التي زادت من الشحن الإقليمي الذي تسبب في تأخير الجولة التالية من المحادثات! إيران ليست ملومة كما يعتقد ولد أحمد في عرقلة المفاوضات، وإنما الملوم «حدة» العمليات القتالية التي أثارت إيران وجعلتها تعرقل أي تحرك باتجاه الحل السلمي! ما إيران، وفق المبعوث الطيّب، إلاّ طرف طيّب يقلق من حدة العمليات القتالية ويفعل المستحيل للفت نظر العالم لها ولو كان ذلك بتأخير الجولة الجديدة من المفاوضات!

ثم يعود ولد الشيخ أحمد في جزء آخر من الإحاطة ويقول:

«لقد أشرت أكثر من مرة إلى الوجود المتزايد لمنظمات إرهابية في اليمن، الأمر الذي يشكل خطراً طويل الأمد على اليمن والمنطقة بعامة. فغياب الدولة عن مناطق عدة سهل انتشار هذه المجموعات. تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية منتشران حالياً في أنحاء عدة في البلاد. وقد وردت تقارير عن تزايد وجود «القاعدة» في مساحات واسعة في محافظة حضرموت وعن سيطرتها على المرفأ وحركة الملاحة وتجارة النفط غير القانونية. إن التقارير الواردة عن التعرض إلى المدنيين وعمليات الرجم وإعدام الجنود والمدنيين تدعو للقلق».

وهنا يريد ولد أحمد أن يبعث للعالم برسالتين غير مباشرتين. الأولى تقول إن جماعة الحوثي ليست تنظيماً إرهابياً. والثانية تتمثل في أن العمليات العسكرية لقوى التحالف في اليمن ساهمت في تمدد وجود تنظيم القاعدة وتنظيم «داعش»، وإنه بات لزاماً على العالم أن يتحرك لوقف انتشار هذه المجموعات من خلال مراجعة التدخل السعودي العربي وإعادة تقييمه أممياً!

ولد الشيخ أحمد لا يرى أن ميليشيات الحوثي وصالح جماعات إرهابية حتى ولو كانت تحمل السلاح على الدولة! هي من وجهة نظره داخلة في نزاع مسلح مع طرف آخر حول قضايا محلية لا يحق للعالم أن يتدخل فيها إلا بتوفير طاولات نقاش في المدن الأوروبية، المدينة تلو الأخرى! يقول ولد أحمد إن الإرهاب في اليمن حالياً محصور فقط في القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وما هذا إلا بسبب غياب قبضة الدولة، ولا ندري أي دولة يعني السيد إسماعيل، الدولة التي كانت قائمة قبل أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤ وباعتراف دول العالم كافة، أو الدولة التي قامت بعد هذا التاريخ واعترفت بها إيران والسيد حسن نصرالله زعيم دولة «حزب الله» في شمال إسرائيل.

وفي آخر إحاطته لمجلس الأمن، يقول المبعوث الأممي:

«إن النزاع في اليمن سياسي. ولا يمكن للحل إلا أن يكون سياسياً. وحده مسار السلام سيؤمن مسقبلاً آمناً وسالماً للبلاد ولليمنيين. لقد برهن هذا الشعب الكريم في ما سبق مراراً على قدرته على تقديم التنازلات وبذل التضحيات من أجل الحفاظ على وحدة بلاده.

علينا أن نعمل معاً لنساعد اليمن على استعادة مبادئ التسوية. فهذا هو الطريق الوحيد للتوصل إلى وقف لإطلاق النار يقضي على العنف ويساعد في بناء مسار للسلام يجمع اليمنيين بكامل أطيافهم ويفسح لهم المجال للعمل معاً من أجل مستقبل أفضل لهم ولليمن».

ولا نعرف بالضبط من أوحى لولد الشيخ أحمد بهذه الفكرة العبقرية؟! ولا ندري من الذي أوصل له هذا الاستنتاج غير المسبوق!

أصبحت الحلول السياسية والنهايات السلمية في الآونة الأخيرة بمثابة التمائم التي يلبسها كل من يريد أن يضفي رعايته على اشتباك عالمي ما! وولد الشيخ أحمد ليس استثناء من هذه النزعة التي ترصد الأحداث من خارج الدائرة!

يذهب الطوباوي الموريتاني إلى السلمية وينادي بشق طريق صالح لمسير عنزة غاندي، وكأنه لا يعرف تاريخ الحوثي! يتحدث عن «نزاع سياسي» وكأنه لم يشهد سقوط المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى تحت قوة السلاح غير الشرعي الذي تحمله ميليشيات الحوثي وصالح! عن أي نزاع سياسي يتحدث ولد الشيخ أحمد؟!

كان الأجدر به وهو الذي خبر الصراع في اليمن أن يدعو أعضاء مجلس الأمن إلى القيام بدورهم الأخلاقي في تطبيق القرارات الأممية وبخاصة القرار ٢٢١٦، وأن يخففوا قليلاً من العبء الذي تتحمله السعودية وشقيقاتها من أجل إنفاذ قرارات الشرعية الدولية.

وكان الأجدر به أن يحدد للعالم ما هو الفرق بين المكون الشرعي والمكون غير الشرعي، وأن يشرح لأعضاء مجلس الأمن أسباب انتهاكات ميليشيات الحوثي وصالح المتكررة للهدنات الإنسانية!

كان الأجدر بولد الشيخ أحمد أن يتحدث بصوته الذي نعرفه، لا أن يلبس صوتاً لا نعرف من أين استعاره؟!

المدصر: صحيفة الحياة