ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

هل عاش الجاحظ طويلاً؟

الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠٢٤

كنت جالساً أتأمل الوجوه المارّة في ذلك الزقاق الحجري الضيق في جزيرة «كابري»، وهي عادة جميلة وأحبها كثيراً، مثل نوع من التأمل في الحياة ومجرياتها من خلال قراءة الوجوه، والشخوص العابرة، وفجأة ظهر لي وجه كأني أعرفه أو مختزن في قاع الذاكرة، فقلت: الجاحظ! دونما أي تفكير، هل الصور المكتوبة والتي نقلت لنا عبر كتب التاريخ والسير والحكايات على مر التاريخ، يمكنها أن تتحول إلى صور واقعية تمشي على الأرض؟ وهل هناك من حقيقة بشأن فلسفة التناسخ عبر الأزمان، وعبر الأرواح؟ لِمَ حين رأيت ذاك الرجل في عمره أمس، وفي ذلك الزقاق في كابري البحرية، البعيدة عن البصرة البحرية، قلت إنه الجاحظ، وأعتقد أنه يمكن أن يكون عائشاً عبر الأزمان في جلباب مختلف، وفي مهنة لا تمت بصلة لمهنته القديمة الكتابة والتدوين والحياة من خلال السخرية والظرف، والبحث عن المزحة والضحكة في كل وقت، فعاش فرحاً يحب المعرفة، باحثاً عن الجمال، دافناً تحت قدمية كل القبح الذي وهبته إياه الطبيعة وقسوة الحياة. توجد في كل مجتمع شخصيات مهمة وبارزة في كل مجالات الحياة، ويعدون أبطالاً، ويفخر بهم المجتمع والناس فيما بعد مماتهم، لأنهم يبرزون في الغياب وحين يتذكر الناس، ويصبحون مشهورين، خاصة المبدعين في العلوم والفنون والآداب، لأنهم يفيدون البشرية، ويرتقون بالحضارة الإنسانية، ويعيشون مع الناس في مختلف حياتهم، وعبر…

ذاكرة المدر.. ورقيم الطين

الأحد ٠٧ يوليو ٢٠٢٤

- مرة.. في أواخر الخمسين.. أول الستين كنا لا نعرف بلداً قاب قوسين أو أبعد من «العين» أو جفن العين لا نعرف بحراً، ولا سفراً، ولا ركوب السفين جاءنا من الساحل البعيد رجل مسكين قال لنا: إن لديهم زرعاً ونخلاً وعنباً وطلع تين وإنهم هناك يعرفون البحر، ويعشقون السفر، ويركبون السفين لكنه هنا.. هارب بكفنه، ساعياً لرزقه، آتياً كالزبين قلنا له: إننا هنا أهل، أبوابنا مشرّعة، وقلوبنا بيضاء، واللقمة نقسمها على اثنين اشتغل بتحدير النخل، وصنع السعف، وجلب الماء، وبناء بيوت الطين ثم باع واشترى، سافر ورجع، واعتزل ببيت جديد، أمين اتخذ غرفاً فوقها غرف، وصادق أفراداً من جيش الإنجليز، وما عاد ذاك المسكين كانت جيوبه عامرة، ودكاكينه فيها أوراق وأحمال وأرزاق كان يبيع القهوة والسكر والرز وأكياس الطحين ومرة.. في الليل، والوجوه أشباح زرقاء، عاجله نصل سكين مات «المسكين»... بين النخل.. وبيوت الطين! - لما كانت تلك البيوت الطينية على بساطة بنائها تختزن الدفء والعافية ورائحة الناس، واليوم صارت جدران بيوتنا ملساء، زجاج بلا فرح حاضر، وإسمنت يوحي بحزن رمادي بارد، وإن غاب عنها صوت الأب، وتبعته الأم حاملة عطرها وطيبها، أصبحت تضيق علينا بجدرانها، لذا ونّ شاعر يوماً ما، وقال متذكراً وَطَراً عليه مضى وسار: يطري عليّه الوقت لي سار وأذكر فريجن حوله بيوت برد الشتاء وزخّ أمطار…

علاقات صغيرة بحجم الدنيا

الإثنين ٠١ يوليو ٢٠٢٤

هناك من العلاقات الإنسانية تبدأ بطريقة بسيطة ثم تكبر، وتتعمق حد أن تصبح بقدر الدنيا، وحد أن تكون شيئاً قريباً من علاقة الرحم والدم، لا يمكننا أن نحدد أفقاً أو عمقاً للعلاقات الإنسانية التي تتطور مع الزمن والعواطف، ومن بين تلك العلاقات، علاقة العمالة البسيطة مع العائلة، وكيف يكبرون سوياً، وقد لا يفترقون إلا في الوداع الأخير. ولعل الأجيال الجديدة هي من كوَّنت علاقة من نوع آخر ومختلفة عن علاقاتنا نحن الجيل الماضي، علاقة تشكلت من وجود الشغالات الهنديات والفليبينيات والإندونيسيات والإثيوبيات في البيوت، وملازمتهن الدائمة لأولادنا، واحتلالهن لحيز ليس بالبسيط في حياتهم، خاصة في الصغر، حيث تتشكل العلاقات والعواطف والوشائج الاجتماعية، بعض هذه العلاقات تكبر حتى تشيخ الشغالة في البيت، ويكبر الأولاد، ويصعب عليهم فراقها أو تمتد العلاقة لبلادها ومدينتها وتظل موصولة بالهبات والعطايا وحتى الزيارات بعد أن تترك خدمتها وتعود لبلادها. وخلال الخمس والعشرين سنة الماضية، ظهرت كثير من القصص للشغالات، فليس كلهن سيئات وعديمات الإنسانية، بل هناك قصص من واقع حياة الناس الحقيقية، تجلى فيها الوفاء من الجانبين، وظهر الجميل والإحسان من قبل هؤلاء الصغار الذين تربوا في كنف الشغالات، وغدون بمثابة أمهات بديلات أو أمهات رديفات، فكم من ولد، حينما أنهى دراسته الجامعية، تذكر تلك الشغالة التي رعته واهتمت به، وكانت تحاظيه وتحمله على خاصرتها، فكان…

من يسبق.. الحظ أم التوفيق؟

الإثنين ٢٤ يونيو ٢٠٢٤

لا تعتبروه سؤالاً فلسفياً، ولا تحسبوه على الغيبيات أو تربطوا الحظ أو التوفيق بمشيئة القدر، بقدر ما هو سؤال بسيط وعميق في الوقت نفسه، ونريد أن نعرف معنييهما، ونعرّفهما، ونتتبع انثيالاتهما، لكن حقيقة.. السؤال كان مبعثه شخص جميل في «السوشيال ميديا»، ومن القليلين الذين يكونون خفافاً ظرافاً، يقدمون المتعة والضحكة والفائدة، وإن كان تحدث عن شيء شخصي، فهو للعبرة، والدفع نحو محبة الحياة، والإيجابية التي يتمتع بها، ونفسه الطيبة نحو الجميع، ومن أجل الجميع، الكثير منكم يعرفه، فمتابعوه يزيدون على 750 ألف متابع، لا تملك حين يطل إلا أن يسرق منك ضحكة وأقلها ابتسامة، إنه القبول الذي يحظى به أناس عن ناس، ذاك الشخص الجميل هو «محمد البلوشي» والذي يُعرف بـ «ونّسني»، وهو شخصية روائية بحق، حكايته تحتاج لكتابة حكايات، تعب على نفسه، ومن أجل نفسه، ومتصالح مع نفسه، فهو أنيق جداً على طريقته، ولديه حمى الشراء والتملك المنفرد للأشياء، وهو رجل أعمال، ويقدم محتوى بسيطاً، لكنه نافع للمتابع، ودافع نحو الطاقة الإيجابية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان في هذه الحياة، إن أراد أن يعيشها كيفما يشتهيها، بعيداً عن تعقيداتها، وعقدها الاجتماعية، وما يفرضه عليك الآخرون كضغوط لا تحتاجها لكي تكون أنت كما أنت! في إحدى لقاءاته طُرح عليه سؤال، وتباطأ في الإجابة، وغيّر الإجابة بعد تردد، أيهما كان…

في «هالحر»

الإثنين ١٠ يونيو ٢٠٢٤

- بصراحة الواحد ما يعرف شو يمكن يكتب في هالحر، لو يغطسونك في «بالدي» بارد، ما ظهرت منك جملة مفيدة أو يمكن إعرابها أو تسعف الناس في هذا الحر واللغط والصهد. - تصور في هالحر تكون ماشياً ملتمساً برودة «المول»، ويتم يتلقاك بائعو العطور التقليد، اللابدين في كل زاوية، ويريدون ينشقونك من عطورهم في هذا الحر الواهي. - في هالحر تصور «يبنجر» بك «تاير» السيارة الساعة ثلاث إلا ثلث عند الميناء، وفي زحمة شاحنات، والناقلات التي تفح هواء ودخان في الوقت نفسه. - في هالحر يصادفك شخص متلبس بالكذب الخفيّ، ولا تعرفه أصلاً، لتعرف مشاكله، ويطلب منك في تلك القائلة، وفي كتمة مواقف السيارات، المنعدم فيها الأكسجين، مع رائحة احتراق عجلات السيارات على تلك الأرضية المنزلقة، ويتجرأ ذلك السائل في هذا الحر، في الموقف الغلط أن يلمح إلى قرض. - في هالحر، وأنت تفكر بالهروب أو السفر لجهة فيها لو مهيبّة باردة وقت الضحى، وتأتيك مكالمات لا تسأل عن صحتك، ولا عن مشاريعك، ولا ما هي ظروفك في هذا الحر، وتبدأ بالشكوى ... تلك التي عليها أقساط مدارس متأخرة، والذي ما دفع إيجار الشقة من خمسة أشهر، وآخر أنهوا عقد عمله هذا الصيف، وأنت في حالة ضرب وقسمة وجمع وطرح للهروب بأي طريقة من هالحر. - في هالحر يمكن أن…

الشرف تاج الرجال والمواقف والأوطان

الإثنين ٠٣ يونيو ٢٠٢٤

- لا أدري لِمَ بعض المغرضين حين يكرهون الآخر، يكرهونه لمزاياه، لا لعيوبه، وهو أمر يناقض الطبيعة الإنسانية العادية، لأن الذي يكرهك لعيوبك قد تحترمه، وتعذره، وتقدر رأيه، لكن المبغض والكاره لك، لمزاياك، لا لعيوبك، فهذا تجتمع فيه صفات الحاقد الحاسد المبغض المكره، الغيور، إلى ما هنالك من صفات الذم، والكره للمزايا أمر ينطبق على الإمارات في كل الحالات، هناك فئات من الناس، وجماعات يكرهونها لجميل مزاياها، لا لعيوبها، لأنهم بحثوا عن العيوب، فاتعبتهم، فاتجهوا لأي شيء جميل فيها وتفعله، وهو كثير لا يعد ولا يحصى فعابوه، وحولوه إلى ما تكن نفوسهم من غل وحقد وحسد وبغض! - دولتنا فيها كل يوم خبر مفرح ويبعث على السعادة، ويزيد من طاقة الإنسان الإيجابية نحو مزيد من الإبداع، وصنع المختلف والمتميز، ويبشر بأن بلدنا تخطو خطواتها الواثقة دون الالتفات للوراء، ودون سماع نباح المسعورين، ومن يستصغرون همم الرجال، ويسخرون من حجم الدول، وهي كبيرة في نظر أبنائها والعالم، لذا الإمارات ذاهبة تتبع أحلامها، وخلف آمالها، تسندها قيادة آمنت بطريق التفوق، واستهدت طريق الخير، بعيداً عن الخطابات التي تشبعك كلاماً، وتخذلك عند الحصاد، وليبق أولئك المسعورون يتمنون الفشل قبل النجاح للآخرين، لأنهم يجترون هزائمهم وفشلهم وحدهم، وليضحكوا تندراً اليوم قليلاً، كما فعل قوم نوح، فغداً يبكون كثيراً، ولا منجي من الغرق إلا بالإصرار…

كان 77

الثلاثاء ٢٨ مايو ٢٠٢٤

- يحمل الكثير من الناس ذكريات جميلة وممتعة عن كان المدينة، وكان المهرجان السينمائي، وكان الاحتفائية السنوية الفنية حيث تختلط الأزياء بالأفلام بالباحثين عن الشهرة بفنون المكياج والمجوهرات وصائدي اللقطات الفوتوغرافية، تلك الاحتفالية التي تمتد لأسبوعين حين تتقاطر على هذه المدينة، التي تنفجر أسعارها، نجوم العالم من مشاهير الفن السابع من الجهات الأربع. - هناك الكثير مما يقال عن مهرجان كان السينمائي الذي يخلق جدلاً كل عام، ويطرح فكراً إنسانياً عميقاً في هذا التجمع السينمائي الفني والفكري الإبداعي، ويخلق حالة مستنيرة لكل المشاركين والحضور وجمهوره المتابع البعيد، مهرجان كان السينمائي بلغ هذا العام من عمره 77 سنة، وما زال شاباً متجدداً، ويقرأ المستقبل للإنسان، ويوثق حضارته. - احتفاء بالمخرج المتجدد «فرانسيس فورد كابولا» الفائز مرتين بجائزة السعفة الذهبية، وخمس مرات بجائزة الأوسكار، صانع ملحمة «العراب» الثلاثية، وهو في منتصف الثمانين من عمره، بعرضه لفيلمه الجديد التجريبي «ميغا لو بوليس Megalopolis» الذي بلغت تكلفة إنتاجه قرابة 120 مليون دولار، ومدته ساعتان و18 دقيقة، واستغرق إنتاجه 40 عاماً، توقف مع أحداث سبتمبر الشهيرة، ويتحدث الفيلم بطريقة فانتازية عن تدمير مدينة ترمز لنيويورك، ليقوم بإعادة إعمارها بطريقة أخرى مثالية وفاضلة، مهندس معماري يجسد دوره الممثل «آدم درايفر»، عُدّ هذا الفيلم أفقاً آخر جديداً في عالم سينما الغد. - الممثل والمنتج والمخرج «كيفن كوستنر»…

«العين» كحلها الأسود والإثمد وصباحها بنفسجي

الأحد ٢٦ مايو ٢٠٢٤

- لم يكن بالأمس الفرح بنفسجياً، كان مزهواً بلون علم الإمارات، كان نشيداً جميلاً بمثابة فرح عارم للجميع، أبْرد القلوب، وأسعد النفوس، وجعل الدموع تترقرق في المآقي والعيون، جاء فرح الأمس تتويجاً لانتصارات سابقة وأعمال زاهرة متواصلة، كان فرح الأمس شأن النجاحات الأخرى التي يفرحنا ظهورها وتألقها في سماء بلادي. - بالأمس كان للجميع حق الفرح، هذا الفرح الذي يمكن أن يصنعه فرد أو يمنحه فريق أو تحظى بشرفه مدينة جميلة مثل العين، هو فرح من تلك الأفراح الجماعية التي تسمح الأيام بها، وتعطينا طعمها سكراً في الفم، فرح الأمس كان بطعم قهوتنا المعمولة للتو، بطعم هيلها وزعفرانها، بطعم حديث مَنْ زلتها وصبّتها، أخت الرجال، هو فرح من هذه الأفراح التي تشبه الغيمة المظللة، المحملة، الشرود بأغانينا وآمالنا وأحلامنا المؤجلة، ومسحة لحزن طاف علينا شهراً بطوله. - هو فرح يشبه رائحة أول تباشير النخل في مساء ممطر، معطّر، يشبه ضحكة القلب التي تأتي هكذا عفوية وبسيطة على وجه رجل نحبه، ونعضّده، وجهه وجه الخير، ومقدمه السماحة والبشارة، نتوج بفعله وأفعاله عمائم رؤوسنا.. خمسة لعيون «أبو خالد» الغالي. - فرحنا بالأمس.. يشبه امرأة نعشقها حدّ الوله، تحتل القلب، وتسكن الرأس، وحدها التي يمكن أن نناديها بـالغالية أو ماء العين والنظر. - هذا الفرح الذي كان بالأمس يشبه لهفة العائدين المسافرين أشهراً…

متفرقات

الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠٢٤

- ليس أشد من الحزن الجماعي حين يصيب بلداً أو يلقي بثقله على مكان وأناس، جالباً الحزن الجماعي، قد يكون هذا الحزن الجماعي نتيجة عارض أو كارثة أو مما تسببه الطبيعة في تقلباتها، وساعات غضبها كما يفسره الناس، فيعم الحزن الأرجاء، مثل ثقل سحابة سوداء تحجب زرقة السماء، هكذا عشنا تفاصيل سقوط مروحية الرئيس الإيراني ومرافقيه من وزراء وعسكريين ومسؤولين طوال يومين، وكان العالم يتابع آخر مستجدات الأخبار من إيران، ليستوعب ما حدث، وكيف حدث.. كل العزاء والمواساة للشعب الإيراني في مصابهم الجلل، وحزنهم الجماعي. - كل الشكر والتقدير وجميل العرفان لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، حاكم الشارقة، على تبني فكرة إنشاء قاعة تخص الثقافة العربية في واحدة من أعرق جامعات العالم، جامعة الفارابي في «المآتا» العاصمة القديمة والتاريخية لكازاخستان، هذه الجامعة التي عمرها نحو الثمانين عاماً، وتحمل اسم واحد من علماء المسلمين الذي خلدته الحضارة الإنسانية، في هذه الجامعة العريقة، هناك قاعات كبرى للدارسين والباحثين والطلبة تخدم ثقافات عديدة في العالم مثل قاعة غاندي للثقافة الهندية، والقاعة الكورية والقاعة الفارسية والقاعة التركية، وكان ما ينقصها قاعة تخدم الثقافة العربية التي يحبونها ولهم صلات عميقة معها، فقام سموه كعاداته الجميلة ومبادراته الكثيرة، والتي تفرح النفس، وتعطيك طاقة إيجابية لسنوات للأمام، بتجهيزها وإعدادها لاستقبال…

ربَيّع بن ياقوت

الأحد ١٩ مايو ٢٠٢٤

لعله آخر الشعراء الفكاهيين الذين يضحكونك بكلامهم الجميل، ويجعلونك تبتسم في وجه أشعارهم، بعد ما سبقه قبل سنوات رحيل صديقه الشاعر «راشد بن طناف»، وغاب العرّاب بعده «حمد خليفة بوشهاب»، وبالأمس غادرنا شاعر محبوب، ظريف، وبسمة على القلب، ودمه أخف من ماء الورد «ربَيّع بن ياقوت بن جوهر النعيمي» مودعاً مدينته، وإماراته، ومحبيه الكثر من أجيال مختلفة، نساء ورجال وصغار، لأنه كان يجمع الكثير على قصيدته الساخرة الماكرة الضاحكة، والتي تبرّد الجوف وتحيي الفؤاد، لذا ذاع اسمه على كل لسان في الوطن وخارجه، ولد في عجمان عام 1928م، وتوفي عن عمر يناهز 96 عاماً، اشتهر بلقب «فاكهة الشعر الشعر الشعبي»، عاش قرابة الثلاثين عاماً من فترات شبابه المبكر في الكويت متنقلاً بين مهن شاقة، ولا تنتمي للشعر، بعدها عاد إلى الإمارات قبيل قيام الاتحاد، وعمل في المسرح مع صديقه الشاعر والممثل «سلطان بن حمد الشامسي» والذي عرف لاحقاً بـ «سلطان الشاعر»، لقد قدمت مدرسة عجمان الشعرية، والتي تعد ظاهرة في الحراك الثقافي في الإمارات الكثير من شعراء النبط المميزين على طوال القرن الماضي، وهم كثر، ومميزون في الإنتاج والإبداع والتنوع الثقافي. ولعل برنامج مجلس الشعراء الذي كان يبثه تلفزيون دبي أيام الأبيض والأسود في أواخر الستينيات، أكسب الإمارات شعراء كباراً، فقامت بينهم المرادات والمساجلات، وأغنى الساحة الشعرية، ولاحقاً في تلفزيون…

استئجار «الشو»!

الثلاثاء ١٤ مايو ٢٠٢٤

أصبحت لدينا تجارة رابحة، وموضة رائجة، تلك التي تختص بصناعة «الشو» أو البهرجة الإعلامية أو فن الفُرجة أو تسويق توافه الأشياء وروادها، في الزمان السابق كانت موجودة على نطاق ضيق، وبأجر رخيص، والاعتماد على «الكومبارس» وهم ممثلون بالفطرة، لا حظ لهم، لكنهم يتقنون أدوارهم كأحسن ما يكون الإتقان في صناعة فن «الشو»، وتمجيد النجم، وإبراز أهميته في عيون البسطاء، وكان من يطلب ذلك العمل الإعلامي المبهرج في الأساس الفنانون والفنانات، خاصة النجوم، ورجال السياسة، وخاصة المترشحون لانتخابات الوجاهة، فتجد النجم والفنانة والسياسي الطامح إذا ما حضر أحدهم مناسبة استأجر فرقة تعمل له اللازم من متطلبات «الشو»؛ سيارة فاخرة سوداء مظلمة، وأربعة أشخاص يفتحون بابها، ويظلون مثل جوقة حرس الاستقبال حتى يترجل النجم أو الفنانة أو السياسي الصغير منها، بتقديم الرجل التي ترتدي حذاء لامعاً مع بنطال مكوي بعناية فائقة أو كعب مذهل بفستان مشقوق يظهر جزءاً من تلك الساق الأنثوية التي «تَلِقّ»، ثم يعتدل ويزرر معقمة الجاكيت أو تضع الشال على كتفيها باعتدال أو يرفع السياسي، الذي لم يبلغ الحلم بعد، بتشابك يديه دليل القوة والاتحاد واللُحمة الوطنية، لينتشر «كومبارس الشو» من الأمام والخلف والجانبين، واثنان يفرشان الطريق، واثنان يمنعان الاقتراب، وثلاثة من المندسين في صفوف الجماهير المحتشدة يصيحون باسمه أو بلقبها الذي عرفت به فنياً، أو بشعاره السياسي المنفوخ،…

عجائزي الطيبات مثل وردة -2

الأحد ١٢ مايو ٢٠٢٤

متعة السفر مع العجائز تكتشفها بعد انقضاء السفر وتوديعهن، عبر حديثهن المتكرر عنه كلما التقيت بهن أو بإحداهن، أول هذه السفرات كانت قبل قرابة الأربعين عاماً، حينما حجّجت عجائزي مرتين، أيامها كان الحج مختلفاً، والمشقة أكبر، والمجاهدة أعظم، والاهتمام الصحي، والظروف المعيشية أقل، لا فنادق فاخرة، ولا رحلات منتظمة، ولا مطارات بهذا الاتساع والخدمات مثل اليوم، انضممت أنا وعجائزي الست، الوالدة والخالة والجارة، وتلك الأم البديلة التي أرضعتك وأشبعتك، وعجوز تقرب للأب، وأوصاك بها خيراً، وعجوز حلفت أنها ألقمتني من صدرها حينما كنت أزغّ؛ لأن أمي ذهبت للنخل، واستبطأتها، غير أن أمي لا تذكر هذه القصة بالذات، المهم سجلنا في إحدى حملات الحج برفقة كبيرة من الأهل والأصدقاء والمعارف، هذه الرفقة من الشواب والعجائز تجد فيها الفَرِح والمتجهم، الكريم والبخيل، السمحة والحنّانة، العفوية والمنّانة، وكعادة جماعتنا في حجهم أو تمتعهم، في جدهم أو هزلهم، يصبغون الأشياء بصبغتهم وطابعهم، ولا تخلو من بسمة وضحكة آخر الليل، فهم يتنازعون على أقل القليل، ويحلفون بالطلاق في الحج، و«يرفجون» بحياة الغالين في صحن المسجد النبوي، لا تمضي الأمور دون تعليق مضحك منهم، فالرز الذي يقدمه مقاول الحج، حلف واحد منهم أنه مثل «عيش الأمير» في الخمسينيات، أما النساء فيصفنه بأنه عيش «كرّدَه»، وأنه مثل «نفيعة البقر»، ومرة أراد مقاول الحج المسكين أن يحسن اليهم،…