جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

إخوان السعودية: الرؤى والاستتار

آراء

جاءت تغريدة سلمان العودة عن حلم يشي بسرعة انتهاء سلطة السيسي عودة لافتة إلى فضاء الأحلام والرؤى التي وظفها «الإخوان» من أجل تدعيم شرعية مرسي وإلباسه عباءة قدسية فضفاضة، ما يعبر عن حالة انتكاس وانحسار تعصف برؤى الجماعة والمساندين، واستحضارا حزينا لفرحة باستحواذ السلطة وعودة الخلافة الإسلامية المرتقبة لم تدم طويلا.

هذه التغريدة من السعودي العودة، تحديدا، تعلن حالة ارتباك واضح وأن الزخم الشعبي الميداني إلى تراجع فلابد من دفعات معنوية تستحضر الأحلام لإحياء الأمل، خصوصاً أن ثقافة الأحلام هي الأكثر رواجاً وقبولاً لدى الكوادر. وهي المنطق الفعلي الذي يستندون إليه لمجابهة الانكسارات والفشل. ويبدو أنها أضحت التكتيك الوحيد الذي سيعيد الهاربين إلى حظيرة الجماعة بعد ذوبان جميع التعهدات والالتزامات، وتبخر القيادات ودعوات الصمود.

الرجوع إلى الرؤى يعني الدخول في نفق الانتظار مرة أخرى، ومحاولة لملمة الجراح وحث الصغار على الصبر والانتظار؛ إذ صبر السابقون أكثر من ثمانين عاما حتى حان وقت القطاف المبتور. وهي تؤكد أن التابعين يرهنون أنفسهم وأحلامهم لهذه الطروحات ويتشبثون بها دلالة على فقدانهم الاستقلالية وتغييب المنطق والعقل.

يمكن القول إن مرحلة ما بعد مرسي ستشهد نشوء خطاب مراوغ لا يعلن الانتماء الواضح وإنما يستند إلى تمرير رسائل غير مباشرة تكون صلة رحم بين المنتمين وتشد أزرهم؛ ليبقوا على يقينهم المتصدع ولإعادة البناء دون انكشاف ظاهر. هذه الملامح لا يمكن تجاهلها في تغريدات السعوديين، على الأقل، الذين صدمتهم الخيبة فأصبح منطقهم الأساسي: لست إخوانيا ولكن.. ثم تتوالى مبررات التعاطف مع الجماعة من منطلقات حقوقية وإنسانية ومزاعم احترام وجهات النظر الأخرى في مراوغة جلية كانت هي السمة الأغلب على خطاب الجماعة باستثناء فترة التماع السلطة التي كشفت وجوهاً كثيرة وفضحت انتماءات مستترة ظنت أن الطريق بدأ والمسيرة انطلقت.

مأزق الإخوان السعوديين صعب بعد سقوط مرسي؛ فهم الوحيدون الذين لم يكشفوا يوماً انتماءهم، وإنما استتروا تحت مظلة العمل الإسلامي وربما أقسم بعضهم، في موقف ما، إنه ليس من الإخوان. أما اليوم وبعد أن تساقطت الأقنعة وتعالت الهتافات وغردت النشوة؛ فلم يعد ثمة إخفاء يلجأ إليه، وأصبح البحث عن تبريرات هو الطاغي على التغريدات التي ظلت المجال الأساسي لهم، وميدان حركتهم الأبرز، فمنهم من احتفظ ببعض مسؤولية فاستمر في طريقه؛ لأن العودة مستحيلة، ومنهم من بقي يراوغ ويمارس التذاكي محاولاً الخروج بأقل الخسائر دون براءة حقيقية من الانتماء الإخواني.

شكراً مرسي لأنه جعل منصة التباين والاختلاف ظاهرة، واستدعى كل الأصوات فلم يبق ساكتاً، وأصبح السعوديون لا يرهقون أنفسهم في اكتشاف الإخواني منهم؛ لأنه أعلى منهم صوتا وأكثر بروزا.

وشكرا مرسي لأنه أسهم، دون قصد، في توعية كثيرين فأدركوا الفرق بين الروح الإسلامية الصرفة والروح الحزبية، ولأنه فك الالتباس المزمن فجعل الأمور واضحة نقية.

السعوديون اليوم مختلفون، ولعل جانباً من التعليقات على تغريدة العودة تؤكد أن ما مضى انقضى، وأنهم اليوم يعرفون مواقعهم جيداً، وأن من كان مضللاً فقد استنار، ومن كان جاهلاً فقد علم وعرف.

كان إخوان السعودية مستترين طوال عقود، أما الآن فهم حزب ظاهر شأنهم شأن رفاقهم في دول الخليج الأخرى؛ ففقدوا امتيازهم الأصيل.

المصدر: صحيفة الشرق