هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

إعاقة … مُستقبل

آراء

تقطع فتيات في عمر الزهور 30 كم مشياً على الأقدام ذهاباً وإياباً، من مركز طلالا ببلقرن، إلى عفراء، حيث تقع المدرسة الثانوية للبنات، في معاناة يومية يُسلك فيها طريق في منتهى الوعورة لا يسلمن من غباره وخشونته في حرارة الصيف، ولا من الصقيع و برودة ووحل الطريق في الشتاء، حاملين حقائبهن على أكتافهن وظهورهن في مشوار شاق إلى أن استنزِفت طاقاتهن وصبرهن، فامتنعن الفتيات عن الذهاب للمدرسة في ردة فعل طبيعية بعد أن دك المشوار أجسامهن في ظل غياب مستمر للمواصلات المدرسية، وكان قد سبق و(طالبت) الفتيات وأولياء أمورهن أكثر من مرة من إدارة تعليم بيشة بضرورة افتتاح ثانوية بنات أسوة بثانوية البنين الموجودة في نفس المركز، ولا أدري لماذا يجب على الطلاب أن يطالبوا بحقهم في وجود مدرسة من إدارات التعليم في المناطق التي في الأساس من أقل واجباتها أن تكون لديها خطة مسبقة عما ينقص كل منطقة تعليمية، وبدلاً من التحقيق في التقصير والتقاعس والإهمال الذي أخر بناء مدرسة للبنات هناك، تم تشويه المشكلة لتأخذ صبغة سياسة باتهام بعض أولياء الأمور بتحريض الفتيات على الإضراب، لتقرر شرطة بلقرن إيقاف ولي أمر إحدى الطالبات واتهامه بكل سهولة بالتحريض على التظاهر، فقط لأنه (طالب) مُسبقاً بتوفير خدمات بلدية وصحية بسيطة لمركز طلالا كبقية الأهالي، بالإضافة إلى المدرسة، ومع أن هذا الطلب يُعد حقاً مشروعاً تكفله الدولة لأي مواطن، إلا أن المبالغة في ردة فعل الجهات الأمنية على هذه النوعية من المشكلات، تشوش على القضية الرئيسة التي تدين إدارة التعليم ومركز المنطقة التي شحت فيها الخدمات بأنواعها وضغطت على الرعية من المواطنين كباراً وصغاراً، وتدين أيضاً الجهات الحكومية التابعة لها التي أهملتها دون متابعة أوتفتيش، ويبقى الآن على الوزارة في الرياض القيام بواجبها!!

ومن تهمة التحريض والإضراب من طلالا ببلقرن، إلى أبها بتهمة التحريض على التظاهر في جامعة الملك خالد، وفي قرار أشبه بالقرارات العسكرية تم فصل خمس طالبات (نهائياً) بتهمة (التسبب في إعاقة العملية التعليمية وتعريض الطالبات والموظفات وأعضاء هيئة التدريس لمخاطر أمنية وصحية واجتماعية)! تهمة طويلة أكبر من حقيقة ماحدث وصرحت به مُسبقا الجامعة، حين تجمعت مجموعة من طالبات كلية التربية للبنات (للمطالبة) بتغيير أسلوب الاختبارات والخروج من النمط التقليدي والأسئلة المقالية الطولية التي لا تُقيم المستوى ولا ترقى لفكر وثقافة هذا الجيل من الشباب، ومن باب الفضول وحب الاستطلاع تجمهرت بعض طالبات الكلية حولهن، مثل ما يتجمهر عابرو الطرق السريعة حول أي حادث، فاستدعتهن إدارة الكلية، واستمعت لهُن، بعد أن أكدت حق المناقشة والحوار والمطالبة ولكن ليس عن طريق التجمهر، واعتبرت اللجنة الأكاديمية في الجامعة بعد ما سمته (دراسة ماحدث) بأن ما بدر من تصرف بعضهن كان لا يليق بطالبات الجامعة، لذلك أتت نتيجة تلك الدراسة بـ(الحُكم …إعدام) وتطبيق عقوبة الفصل النهائي لقهر الفتيات أولاً والقضاء عليهن نفسياً وسحق طموحاتهن وأحلامهن واغتيال مستقبلهن تماماً، كنت أتمنى مع كثير غيري أن تتناول الجامعة هذا الأمر بحكمة أكبر بأساليب تربوية هادفة بدلاً من الطريقة العسكرية وبعيداً عن التُهم السياسية لتعظيم وتكبير حجم الخطأ!

حرية التعبير والتعليم من حقوق الإنسان التي لا يحق لأحد مصادرتها، لو لم تكن الخدمات المقدمة تشكو من خلل لما طالبت الناس بها، وفي رأيي ما قامت به إدارة الجامعة يعد فشلا في الوصول الي حل أكاديمي وتربوي لبناء وتصحيح سلوكيات الطالبة حين تُخطئ، كما يتناقض هذا القرار مع الحقوق التي كفلها وأقرها النظام الأساسي للحكم، حيث تنص المادة 26 منه على أن (تحمي الدولة حقوق الإنسان، وفق الشريعة الإسلامية)، وما تفعله أغلب المؤسسات التعليمية في بلدنا فقط مبالغة في نص لوائح العقوبات التعليمية ولا تفكر في صياغة لوائح تقويمية أو أساليب مبتكرة للعلاج، بتطوير مثلاً عقوبات بديلة على حجم المخالفة، لأن تغليظ العقوبة على أمر بسيط يوجد مزيداً من الضغينة و يشحن صدور الطلبة وأهاليهم ويفقدهم الثقة في مستقبل التعليم المحلي الذي يبحثون فيه عن نافذة ترفع عنهم خيبة الأمل والاحباط الذي انتابهم منه منذ عقود، أبسط أمر أن تُدفع الطالبة على إنهاء ساعات في خدمة المجتمع، أو إنهاء دورات إجبارية تساعد على (التنمية الفكرية أو تتناول تطوير الذات و الارتقاء العقلي أو حتى كيفية التعامل مع الآخرين) بدلا من البتر والتجريد من حق امتلاك طرف صناعي يُعين على تجاوز إعاقة المستقبل التي تسببت به هذه المرة الجامعة!

المصدر: صحيفة الشرق