إلى العالم الأول.. هذا «قائد» يعني ما يقول

آراء

مساء الثلثاء الماضي كنت مدعواً على العشاء عند صديق، بصحبة نخبة من رجال الأعمال والاقتصاديين ومسؤولين حكوميين وأعضاء في مجلس الشورى، وقلة من الإعلاميين أنا منهم، ولأن المضيف فرض علينا اتباع قواعد «تشاتام هاوس» منتدى الحوار اللندني الشهير، فسأستعرض بعض ما قيل في الحوار المنظم، الذي سبق العشاء، من دون ذكر أسماء المتحاورين، ومن قال ماذا؟

ومن الطبيعي أن يسيطر على الحديث الخبر العظيم، الذي أعلنه ولي العهد بعد ظهر اليوم نفسه، بإطلاق مشروع «نيوم» العملاق في منطقة تبوك، والمشروع عبارة عن إنشاء مدينة بحجم دولة صغيرة تقع على أحد أهم طرق التجارة العالمية، سيضخ فيها ما لا يقل عن 500 بليون دولار، لتكون حاضناً للاستثمار والابتكار والإنتاج في مجالات الطاقة والمياه والنقل والتقنية الحيوية والغذاء والصناعات المتقدمة والإعلام والترفيه والعلوم التقنية والرقمية، وبالجملة فإنه مشروع متجاوز لكل ما يطرح اليوم إلى صناعات المستقبل، حيث الذكاء الاصطناعي والروبوت وتقنية النانو وإنترنت الأشياء والنقل ذاتي الحركة، ويمتاز المشروع بأنه سيؤسس من الصفر، ليس لاستيعاب هذه التقنيات فحسب، بل وإنتاجها وتسويقها للعالم.

ضيف اللقاء، وهو من رجال الأعمال العصاميين الذين بدؤوا من الصفر في ريادة الأعمال، في مجال الطباعة ثم صناعة البلاستيك، منذ أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، أي قبل أن تكون هناك خطط للتنمية أو وزارة للصناعة، هذا الضيف جاء مباشرة من قاعة المنتدى، لينقل إلينا جانباً مما لم نره على شاشات التلفزيون، كان متفائلاً بعصر جديد يعرف هو تماماً أنه لأولاده أكثر مما هو له، وتحدث بإعجاب عن الطريقة التي أدار بها ولي العهد دفة الحديث، وما أضافه المستثمرون الآخرون المشاركون في الجلسة، ومنهم رئيس «سوفت بنك»، ورئيس شركة «بلاكستون» عن الإمكانات الهائلة التي يحملها المشروع، وكيف أنه أتى في الوقت المناسب وفي المكان المناسب.

مضيفنا الكريم كان يريد أن يربط بين تجربة الضيف الريادية وبين رؤية المملكة 2030، والدور المؤمل لرجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية في تنفيذ برامج الرؤية، إلا أن دخول هذا العنصر الجديد أربك الحسابات، فتشعب الحديث وتحول في معظمه إلى دور القطاع الخاص المحلي في مشروع «نيوم» تحديداً، وهل هذا القطاع مستعد بالفعل للدخول في رؤية متقدمة كهذه؟ وهو القطاع الأقل قدرة على المغامرة – كما قال بعض المتحاورين – لأنه كان يعتمد في الأساس على ما تنفذه الحكومة من مشاريع، وعلى توافر الطاقة الرخيصة وسهولة استقدام الأيدي العاملة الرخيصة، وليس على ميزة تنافسية خاصة باقتصادنا الوطني.

أحد الحضور من رجال الأعمال الشباب دافع بحماسة عن القطاع الخاص، مؤكداً أنه كان على الدوام شريكاً في التنمية والبناء، وقال إن الشكوى الحالية تتلخص في القلق من كساد الأعمال وعدم وضوح الدور المطلوب من القطاع الخاص، وطالب بفتح قناة بين صندوق الاستثمارات العامة، الذي يقوم بأدوار كبرى في هذا الحراك المستقبلي، وبين رجال الأعمال، وكان محقاً في كل ما قال، عدا في ما يتعلق بالكساد، الذي هو وقتي بسبب انخفاض أسعار النفط وعمليات التحول الوطني الممهدة للرؤية، والتي ينتظر أن تأتي بقواعد جديدة للنشاط الاقتصادي لا تكون الحكومة فيه هي المحرك الوحيد.

مشروع «نيوم» هو واحد من العناوين العريضة لمشاريع الرؤية، التي ستضع المملكة في قلب الحراك العالمي المتقدم، ومثل مشاريع «القديّة» الترفيهي، و«البحر الأحمر» السياحي والثقافي، فإن «نيوم» يأتي ليرفع المعايير في ما يجب أن نقوم به، لكي نصل إلى المستقبل، والفرصة المهيأة الآن هي في وجود هذا القائد الشاب الذي يريد أن يأخذنا إلى العالم الأول، ومن استمع لحديثه الواثق لا يداخله الشك في أنه يعني ما يقول.

المصدر: الحياة