د. عبدالواحد الحميد
د. عبدالواحد الحميد
كاتب ومفكر سعودي

إلى متى العبث بأرواح المعلمات..!؟

آراء

في لقطة فيديو مؤثرة وثَّقها مواطن ونشرتها صحيفة عاجل الإليكترونية، شاهدنا حافلة لنقل معلمات تنطلق بجنون بين مدينة سكاكا ومركز عذفاء بسرعة لا تقل عن 200 كيلو متر في الساعة.. ومن أجل دقة التوثيق قام المواطن بتصوير عدَّاد سرعة سيارته التي تَتَتَّبع الحافلة وثبَّته على 180 كيلو متراً وحاول اللحاق بالحافلة دون جدوى!!

لا نستغرب، بعد ذلك، أن نقرأ كل يوم في الصحف عن حوادث مأساوية على الطرق تتسبب في وفاة الكثير من المعلمات طالما أن مثل هذا السائق الأرعن لا يرى بأساً في قيادة حافلة مكتظة بالمعلمات بهذه السرعة الجنونية عبر طرق لا تتوفر فيها أحياناً إرشادات السلامة ولا الصيانة الضرورية لأنها طرق تخترق صحاري رملية وتكون أحياناً مزدحمة بسيارات النقل القادمة والمغادرة!

وفيَّات المعلمات، للأسف، لم تحرّك ساكناً لدى الجهات المسؤولة التي تملك الحل للتصدي لهذه المآسي الإنسانية المروعة.. فالنقل المدرسي، سواء نقل الطلاب والطالبات أو نقل المعلمات، هو في أسوأ حال!.. فالحد الأدنى هو أن يكون السائقون على درجة من النضج والوعي والمعرفة بأصول قيادة الحافلات العامة.. فمن المعروف أن هناك شروطاً لا بد أن تتوفر في كل شخص تُناط به مهمة قيادة حافلات النقل العام.. أما عندنا فيمكن لأي عامل وافد لم يسبق له قيادة حافلة في بلاده أو حتى «هاي لوكس» صغيرة أن يمارس وظيفة سائق عام!!.. وقد أصبح نشاط النقل العام مستباحاً وصار بوسع أي شخص يملك «جمس» متهالكاً موديل الثمانينيات أو التسعينيات أن يتعاقد مع معلمات وينقلهن (وأكاد أقول يقتلهن!) عبر مئات الكيلومترات من الطرق الصحراوية الخطيرة!

هذه الفوضى العارمة يصعب تصور حدوثها حتى في بلد شديد التخلف من تلك البلدان التي يقع معظم سكانها تحت خط الفقر، فكيف يمكن أن تقع لدينا ونحن البلد الذي أنعم الله عليه بالثروة وبكل مقومات البنية الأساسية التي يجب أن تضمن بيئة عمل مريحة ومحترمة ومتحضرة للمعلمات ولغير المعلمات.

كل الذين تقع لهم حوادث على الطرق يستحقون التعاطف، لكن النساء اللاتي تقع لهن مثل هذه الحوادث المأساوية هن اللاتي لا يكفي فقط أن نتعاطف معهن ونحزن من أجلهن، بل يجب أيضاً أن نلوم أنفسنا من أجلهن وأن نشعر بتأنيب الضمير تجاههن؛ فلا نحن سمحنا لهن بقيادة سياراتهن ولا نحن وفرنا من يقود لهن السيارات بعقلانية وتحضُّر وتقدير للروح الإنسانية.. ولهذا سيستمر هذا النزيف المروّع، بكل أسف، إلى أن تنهض الأجهزة ذات العلاقة بواجباتها.

المصدر: الجزيرة
http://www.al-jazirah.com/2014/20141206/ln36.htm