عبد الله الشمري
عبد الله الشمري
عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية

إيران من أربكان إلى أردوغان

آراء

نسجت طهران منذ الثورة الايرانية عام 1979م علاقات متميزة مع حركات الإسلام السياسي التركي وخاصة مع رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، وفي بداية فبراير 1997م مولت إيران احتفالية ضخمة قُرب أنقرة وبحضور السفير الايراني لاحياء ليلة القدس، وأُطلقت فيها شعارات ثورية فأنزل الجيش التركي بعض دباباته مُستعرضا، وفي 28 فبراير 1997م صدرت قرارات مجلس الأمن القومي والتي تضمنت 18 مادة كانت بمثابة إعلان نهاية لحياة اربكان السياسية واجباره على الاستقالة، وبعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في 18 نوفمبر ٢٠٠٢م اتجهت العلاقات التركية الايرانية للمزيد من الدفء والفهم المشترك، واستمرت هذه العلاقات تتطور ووصلت أوجها السياسي في رعاية تركيا مع البرازيل لاتفاق طهران في مايو ٢٠١٠م، ثم التصويت التركي في مجلس الأمن ضد قرار يفرض عقوبات على إيران.

مع بدء الأزمة السورية حصل اختلاف في وجهات النظر بين البلدين، إلا أن الحقائق تؤكد أن واقع العلاقات لم يتأثر كثيرا، ففي لقاء مع السفير الإيراني /علي رضا بيكديلي مع صحيفة «حريت»، في 4 نوفمبر 2013م أكد على أن العلاقات الإيرانية-التركية عميقة ومتجذرة إلى حد أنها لا يمكن أن تتأثر بسوريا، ولا تقف عندها، بل لها إطارات واسعة وشدد على أن التواصل السياسي لم ينقطع، ووصف السفير العلاقات على المستوى الاستخباري بأنها جيدة جدا.. وفي المستوى اللازم الذي يجب أن تكون عليه العلاقات بين دولتين شقيقتين وجارتين قويتين، وأكد وجود تعاون استخباري بشأن إنقاذ الطيارين التركيين في لبنان وقبلها فيما يتعلق بالايرانيين الذين كانوا مختطفين بسوريا.

التغيير الذي حصل في إيران بعد انتخاب د حسن روحاني رئيسا مثل عذرا نفسيا للحكومة التركية للتقرب من طهران ولو على حساب المبادئ، وهذا أمر مُستغرب خاصة وأن رئيس الوزراء التركي ضحى بعلاقاته ومصالح تركيا الاقتصادية مع القاهرة والرياض وأبو ظبي احتجاجا على ما حدث في مصر.

توقيت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي إلى طهران في 28 يناير كان توقيتا سيئا لتركيا في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء أكبر أزمة داخلية تواجه تركيا منذ عقد بعد انفجار قضية الفساد في 17 ديسمبر 2013م، ولعل الغريب أن الشخصية الأولى هو رجل أعمال ايراني متجنس حديثا ومع ذلك لم يرد اسم إيران حتى اللحظة رغم أن سياسيين أتراكا أتهموا (دولا شقيقة) بمحاولة اسقاط الحكومة التركية!

ياليت أن لزيارة أردوغان ثمنا مُغريا، فأهم نتائج الزيارة هي (انه تم وصفه بأنه دُمية في يد إسرائيل) والفشل في التوصل لإتفاق بشأن سعر الغاز بل وفرض إيران تشكيل لجنة أمنية مشتركة لرصد نشاط الجماعات المسلحة في سوريا! فالايرانيون أبلغوا أردوغان -حسب ما صرح للصحفيين أثناء عودته- «أنه ومن خلال محادثاتي مع المسؤولين الإيرانيين فان إيران لديها موقف محدد وهو أن بشار الأسد لا يمكن أن يرحل من دون القضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا» ورد أردوغان عليهم «بأن هذه الجماعات الإرهابية لم تكن موجودة في سوريا منذ ثلاثة أعوام، بل هي ظهرت مع الأسد. ولذا يجب أن تقوم حكومة تستند إلى إرادة الشعب، على أن تقوم هذه الحكومة بمحاربة الجماعات المسلحة وأن تعد البلاد للانتخابات في أسرع وقت». وأضاف أردوغان للصحفيين أنه (لا يستطيع القول بأنه أقنع الإيرانيين بهذا الاقتراح) وأنه (ترك هذا الاقتراح لموظفي الخارجية والاستخبارات في البلدين كي يعملوا عليه سويًا من خلال التطورات على الأرض والمعلومات التي يحصل عليها كل طرف).

لا يمكن إنكار وجود لوبي إيراني داخل الحزب الحاكم، وهو يدعم استمرار علاقات خاصة مع إيران وتقديم كل التنازلات على حساب المبادئ التركية المعلنة، لكن أن يصل الأمر الى إنشاء (مجلس تعاون عالٍ) مع طهران في وقت تدعم فيه إيران نظام الاسد فهذا أمر صعب تفسيره أخلاقيا وبراجماتيا!

ختاما، إيران كانت السبب الأول في وضع نهاية للحياة السياسية لأربكان فهل يتكرر نفس السيناريو استنادا على المقولة «لكل ياووز عثماني، شاه إسماعيل صفوي»، فالذين أسسوا هذه المعادلة قبل مئات السنين، موجودون اليوم.. فهل يحذر اصدقاؤنا الاتراك؟

المصدر: اليوم السعودية