رضوان السيد
رضوان السيد
عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي

إيران والمسار الذي لا يتغير

آراء

لقد تردد المالكي، لكن «حزب الله» لا يستطيع التردد. ولن يمضي شهر أو شهران حتى نرى كلَ «فيلق القدس» يقاتل ضد الشعب السوري بمفرده بعد انكفاء كتائب الأسد أو اختفائها. لقد أمر خامنئي قبل شهرين الجنرال سليماني قائد «فيلق القدس»، وحسن نصرالله قائد فيالق «حزب الله»، باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع سقوط نظام الأسد. وقد نظّم نصرالله وسليماني الأمر فيما بينهما، وعلى أي الجبهات على كل منهما أن يقاتل. والخطة أن تدخل كتائب «فيلق القدس» ومتطوعيها العراقيين من ناحية الحدود العراقية مع سوريا، بينما يدخل «حزب الله» من ناحيتي الزبداني والهرمل. وهذا أمر جديد غير الأمر الأول، والذي اقتضى وجود مجموعات صغيرة ومتوسطة في عدة مواقع في سوريا: ساعة لصون المقدسات (الشيعية أو التي صارت كذلك!)، وساعة لإزعاج تركيا ومواجهتها بنواحي حلب وشمال سوريا، وساعة لحماية اللبنانيين الشيعة في سوريا؛ وساعة لحراسة نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان. هناك الآن قيادة واحدة مستقلة عن الأسد وعسكره هي عند الجنرال سليماني، وهو الذي يوزع المهام. و«حزب الله» لا يستطيع في أقصى الحدود أن «يخصّص» للجبهة السورية كلِّها أكثر من عشرة آلاف مقاتل. ولأن تقديرات سليماني أن «حفظ» النظام بدمشق (في المعركة القادمة)، وحفظه الآن في حمص والقصير والساحل، يحتاج إلى ثلاثين ألف مقاتل مع أسلحتهم المتوسطة والثقيلة، فإن شهر مايو لن ينقضي إلا وفي سوريا ثلاثون ألفاً من المقاتلين التابعين لإيران. وقبل ثلاثة أشهر هدد الأميركيون المالكي، وطلبوا منه منع الطائرات الإيرانية التي تحمل أسلحة إلى سوريا من التحليق فوق العراق. إنما بعد شهر ونصف الشهر عادت الرحلات الإيرانية على أشدها، ناقلةً أسلحةً ومقاتلين من طهران والأهواز ودونما تفتيش. ومن جهة ثانية؛ فإن سليماني يرسل متطوعين عراقيين بالمئات بحجة حماية الأماكن المقدسة، وهو يعطي المجموعات أسماء جديدة أو قديمة مثل «السيدة زينب» أو «أبو الفضل العباس» أو «عصائب أهل الحقّ» أو «حزب الله -العراق». إنما المشكلة أن أكثر هؤلاء غير مدربين على القتال، وإنما كانوا يمارسون أعمالا تفجيريةً واغتيالات بالعراق وليس أكثر. ولذا فقد كان هناك تفكير قبل الاضطرار لاستخدام الإيرانيين بالآلاف، في أن يجري استخدام عسكريين عراقيين في سوريا، لكن «القائد العام» (أي المالكي) تردد حتى الآن، وشكا أنه لا يستطيع المساعدة بأكثر من المال والسلاح والمتطوعين، وليس بالجيش العراقي!

لماذا هذا الإصرار الإيراني على حفظ النظام السوري؟ عند الإيرانيين تحليل عبر عنه عشرات من أركان النظام خلال عامي 2012 و2013، وهذا التحليل مؤداه أن سقوط نظام الأسد، يعني بالتأكيد انتهاء تجربة «حزب الله» باعتباره ذراعاً إيرانية، وقد يعني أيضاً المزيد من تزعزع النظام في العراق والذي تسيطر فيه إيران حتى على الموارد المالية! وقد بالغ بعض رجالات الحرس الثوري بالقول: إن سقوط المحور الذي قلْبُهُ سوريا الأسد قد يعني أيضاً تزعزُعاً أو سقوطاً للنظام الإيراني ذاته! وبالطبع ففي ذلك مبالغة إذا أخذنا القول على ظاهره. لكنها لا تعود كذلك إذا نظرنا لتحولات النظام الإيراني بعد الغزو الأميركي للعراق. فقد جاء ابن خامنئي والحرس الثوري بأحمدي نجاد لكي يسيطر الحرس ورجالاته على كل شيء. والجنرال سليماني مسؤول عن سياسات الحرس الأمنية والعسكرية في المشرق العربي. وفي عام 2011 وعندما اختلف نجاد مع المرشد وابنه ومع سليماني، لأسباب لا تزال غامضة، حصل أن استُدعي سليماني إلى طهران بحجة المحاسبة على بعض ما أَنفق على «حزب الله» والأنصار الآخرين في العالم العربي، ويومها قال إنه ما أَنفق قرشاً إلاّ بأمر المرشد، وهي أسرار لن يبوح بها ولو قطعوا عنقه، لكنه إن أُصيب بشيء فسيجد ألوفاً في العالم العربي تنتقم له؛ إذ صنع في مصر وغيرها عشر إيرانات!

إنه مجمّع حاكم بطهران منذ حوالي العشر سنوات، يديره ابن المرشد، يسيطر على سائر المؤسسات البترولية والصناعية والنووية والعسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية. والسياسيون والإداريون (المحافظون) يتنافسون ضمن لعبة صارت معروفة القواعد، وغايتها الحظوة برضا المرشد الذي لا يرضى إلا إذا رضيّ ابنه. وهو يستتر تارةً بكبار آيات الله المحافظين، وطوراً بمجلس الشورى الذي يسيطر فيه المحافظون الأكثر شباباً. وقد حقق المجمَّع إنجازات كبرى خلال العقد المنصرم من وجهة نظره على الأقل: تقدم في الملف النووي رغم الحصار، وسيطر على القرار في ثلاث دول عربية، وأحدث فِتَناً وتهديدات ورهانات في دول عربية أخرى. وكان الخبراء السياسيون يحسبون أن هدف جماعة خامنئي الحصول على مبادلة بين النووي ومناطق النفوذ، باعتبار أن النووي غير مفيد ومكلف جداً بالنسبة لإيران، بمعنى أن يسلّم الأميركيون (والإسرائيليون) بالعراق وسوريا والقرار بلبنان لإيران، مقابل تأجيل التخصيب بالداخل مثلا. لكن هؤلاء الخبراء يرون الآن أن إيرانيي الحرس الثوري شديدو التشكك في النوايا الأميركية. صحيح أن إدارة أوباما أثبتت خلال خمس سنوات أنه ومهما فعلت إيران فإنها لن تشن حرباً ضدها؛ لكنها من جهة ثانية لم تُسلِّم لها بشيء أبداً. بيد أن ما يقوله هؤلاء الخبراء غير دقيق، فبعد عام 2008/2009 سلمت الولايات المتحدة لإيران بكل شيء باستثناء التخصيب النووي. على أن نقطة التلاقي معهم فيما يذهبون إليه هي الثورة السورية. فمنذ قيام الثورة ما عادت إيران واثقةً من شيء. وقد ظنوا في البداية أن النظام قادر أمنياً وعسكرياً وأن الروس سيحمونه دولياً. وثبت منذ مطلع عام 2012 أن النظام غير قادر على شيء، وصارت اللعبة بينهم وبين الروس والإسرائيليين. وهكذا فهو مسار لا رجعة لطهران عنه أو يتهدد النظام بالفعل، لذلك ما سمحوا حتى لرفسنجاني بالترشح!

منذ غزو الأميركيين للعراق عام 2003 يعود العربُ فاعلين رغماً عنهم إذا صح التعبير! فقد هجم الإيرانيون على الجميع، وليس على شعوب بلاد الشام وحسب. وهكذا فعندما يتدخل الخليجيون للدفاع عن الشعب السوري، ينظرون في ذلك لأمنهم أيضاً. ولابد من القول إن ظروفنا نحن العرب صعبة على وجه الخصوص، بسبب وجود «الإخوان» في السلطة بمصر، وأقل ما يقال فيهم إنهم أضاعوا التوجه الاستراتيجي للبلاد، هذا إن لم نقل إن لهم علاقات سرية بإيرانيي «الحرس الثوري» و«حزب الله»! ولستُ أدري كيف يعود الأردنيون والأتراك للحديث عن حل بحضور الأسد، وسط ملايين النازحين والمعذبين الهاربين إليهم؟!

إنها الحرب العربية الإيرانية الثانية. وقد كان صدَّام في الأولى معتدياً، وسليماني ونصرالله والمالكي يزحفون على سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن… إلخ باسم المرشد والحرس الثوري، وهم المعتدون هذه المرة. وقد اعتدنا في التاريخ والحاضر على تعاون الشام ومصر في أزمنة الأخطار، لكن ماذا نفعل وقد غيب «الإخوان» مصر عن المشهد؟! لا مخرج إلا بالعمل مع العرب الحاضرين والمتحفزين لحفظ الأنفس والأوطان والأمة.

المصدر: جريدة الاتحاد