ابتسام الكتبي: شراكة الخليج وأميركا تتجاوز الأشخاص والأجندة

أخبار

شدّدت د. ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسيات، أنّ دول الخليج والولايات المتحدة تربطها شراكة استراتيجية تتجاوز الأشخاص والأجندات الحزبية، مشيرة إلى أنّ دونالد ترامب ذا النهج الصِدامي في حملته الانتخابية قد يتوارى أمام ترامب رجل الأعمال الذي يتقن فن التفاوض وحسابات الربح والخسارة. وأشارت الكتبي في حوار مع «البيان» قبيل انطلاق الدورة الثالثة لـ«ملتقى أبوظبي الاستراتيجي» اليوم، إلى أنّ مرور عام ونصف العام توقيع الاتفاق النووي الإيراني يسمح بإجراء تقييم أولي له.

ولفتت الكتبي إلى أنّ مصر رقم أساسي في المعادلة السياسية والأمنية للمنطقة، موضحة أنّ زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة الأخيرة إلى القاهرة ومباحثاته مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دليل على إدراك دولة الإمارات لمركزية الدور المصري.

وفيما يلي نص الحوار بين الكتبي و«البيان»:

* هل كنتم تتوقعون فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية؟

عندما تعمل في مؤسسة بحثية تعنى بالمساعدة على اتخاذ القرار ورسم السياسات، كما هو الشأن بالنسبة لمركز الإمارات للسياسات، عليك أن تتبنى منهجاً علمياً بعيداً عن التفكير العاطفي، وأن تدرس كل الاحتمالات، بما في ذلك أقلها حظاً في التحقق، ولكن دعني أصدقك القول عندما بدأنا بالتحضير لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثالث، كانت احتمالات فوز ترامب ضئيلة بالنسبة لنا كما كان الشأن بالنسبة لأغلب المتتبعين، ثم تابعنا كيف زاد هذا الاحتمال مع مرور الوقت حتى أصبح واقعاً.

لكن وبغض النظر عما كنا نتوقعه، هذه النتيجة أصبحت واقعاً اليوم فقد بات واضحا أنّ الأصوات غير التقليدية التي تقع في أقصى اليمين والتي تتبنّى خطاباً متطرفاً حيناً وشعبوياً أحياناً أخرى، أصبحت تحظى أكثر فأكثر بثقة الناخبين.

* وصل ترامب إلى البيت الأبيض.. هل نتوقع تغييراً جذرياً في السياسات الأميركية؟

هنالك حالة ترقب عند الكثيرين، ولو تابعت ردود الفعل الأولى على فوز ترامب، ستجد أن أقرب حلفاء واشنطن هم الأكثر قلقاً، وسارع بعضهم كما فعل حلف شمال الأطلسي وألمانيا وفرنسا إلى دعوة ترامب إلى تبديد الغموض وتجديد التزامه بتعهدات أميركا حيال حلفائها، بالمقابل لم تخفِ بعض العواصم مثل موسكو ارتياحها للتغيير القادم مع ترامب، لكن دعنا لا نغفل عن أمرين مهمين، الأول، أنّ الولايات المتحدة دولة مؤسسات وفي دواليبها كثير من الأصوات التي لا يمكن القفز عليها، ومنها أصوات وكالات الأمن والاستخبارات ومراكز الأبحاث والتفكير، أما الثاني فهو شخصية ترامب نفسه، فترامب الصدامي الذي رأيناه في الحملة الانتخابية قد يتراجع أمام ترامب رجل الأعمال الذي يتقن فن التفاوض وحسابات الربح والخسارة، فضرورات الحكم وتعقيدات الملفات تختلف عن الحملات الانتخابية وأساليبها. ورأينا بعضاً من شخصية ترامب التوافقية في تصريحاته بعد الفوز.

سؤال المخاوف من التحولات الحادة للسياسة الخارجية الأميركية يفرض حضوره بقوة على المنطقة العربية مع كل انتخابات رئاسية نظراً للعلاقات التاريخية والاستراتيجية لكثير من دول الإقليم مع القوة العظمى في العالم، وبسبب الأدوار السياسية والعسكرية لواشنطن.

إن هناك تحديات لا يمكن تأجيلها تواجه الإدارة الأميركية الجديدة لأسباب كثيرة منها أن الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما انتهج مسالك جديدة في سياسته الخارجية كان من أبرز ملامحها في منطقتنا فتح قنوات اتصال سياسي وإقامة تعاون عسكري في مناطق النزاع على الأرض مع ممثلي الإسلام السياسي وجماعاته والتوقيع على مصالحة نووية مثيرة للجدل مع إيران، فضلاً عن تراجع دور أميركا القيادي في عدد من الملفات الحيوية.

* هل من تغييرات محتملة ترينها للسياسة الأميركية في عهد ترامب حيال قضايا أخرى في منطقتنا مثل القضية الفلسطينية والحرب على الإرهاب والملف النووي الإيراني؟

من المجازفة التنبؤ، لاسيّما وأنّ ما بعد الانتخابات يجب كثيراً مما قبلها كما قلت سابقاً، ولكن لا يمكن التفاؤل بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية رغم تعهدات ترامب بتشجيع حلّ توافقي ومتفاوض عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رؤية حل الدولتين ظلت حبراً على ورق في عهد الرئيسين السابقين رغم الإجماع الذي حظيت به دولياً، بل وتراجعت على سلم أولويات الخارجية الأميركية في عهد أوباما الذي لم ينجح على مدى سنوات في جمع الفلسطينيين والإسرائيليين على مائدة المفاوضات، أتمنى ألّا تقدم إدارة ترامب على أي قرارات أحادية تكرس واقع الاستيطان والاحتلال وتغير من وضع القدس الشريف.

بشأن الحرب على الإرهاب، من المرجّح استمرار التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم داعش، وقد رأينا إشارات إيجابية في هذا الباب من قبل مقربين من فريق الرئيس الأميركي المنتخب، سيكون من الخطأ كسر الدينامية الحالية التي يمثلها التحالف الدولي لمكافحة هذه الظاهرة العابرة للحدود، ما نحتاجه اليوم هو تقييم مواطن الضعف والقوة في الحرب على الإرهاب، والعمل على تقويم بعض جوانبها وإيجاد طرق مبتكرة وبعيدة الأمد لتجفيف منابع التطرف.

إنّ ملتقى أبوظبي الاستراتيجي يسعى لصياغة تصورات تجيب عن تساؤلات ضاغطة من قبيل ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستعيد تقييم مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط في محاولة لإعادة تشكيل شراكاتها الإقليمية، ويحاول أيضاً رصد المؤشرات المحتملة لمستقبل علاقة واشنطن مع دول مجلس التعاون الخليجي.

* ماذا عن إيران؟ الدور الإيراني في المنطقة وملفها النووي يشغلان بال المنطقة وهما حاضران في جلستين اثنتين من جلسات الملتقى؟

إيران حاضرة في الملتقى باعتبار أدوارها في شؤون عربية كثيرة كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهذه الأدوار معروضة للتحليل لأنها مرتبطة بتوتر الأوضاع السياسة والأمنية في هذه البلدان، من الأسئلة التي يحاول الملتقى الإجابة عنها هو: ما الذي يدفع طهران للعمل بنشاط على كل هذه الجبهات؟ هل يتعلق الأمر بأمنها القومي فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تُعرف إيران هذا الأمن وكيف تفهم الحفاظ عليه؟ لا شك أن هنالك تناقضات كثيرة بين خطاب النظام الإيراني وسياساته في المنطقة.

أما بشأن الاتفاق النووي، فأعتقد أنّ مرور فترة تقارب عاماً ونصف العام على توقيعه تسمح بالقيام بتقييم أولي لنتائجه، ما الذي جنته إيران وما الذي جناه الغرب من الاتفاق؟، هل تحقق الغرض من التوقيع عليه؟ وهل أسهم الاتفاق في تغيير توجهات إيران في المنطقة؟، نحن في منطقة الخليج نعرف الإجابة عن كثير من الأسئلة المتعلقة بإيران، ولكن ملتقى أبوظبي الاستراتيجي هو أيضاً منصّة للتعرف إلى آراء الآخرين ومناقشة مقاربات وسيناريوهات جديدة.

* هنالك من يعتبر أنّ إعادة التوازن لميزان القوى المختل في المنطقة يمر عبر استعادة مصر لعافيتها وبالتالي دورها الاستراتيجي.. كيف ترين الأمر من وجهة نظرك؟

أنا أتفق تماماً مع هذا التحليل، مصر رقم أساسي في المعادلة السياسية والأمنية للمنطقة، ولعل في الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة إلى القاهرة ومباحثاته مع الرئيس عبد الفتاح السيسي دليل على إدراك دولة لمركزية الدور المصري، والزيارة كذلك تأكيد على استمرار دعم مصر من أجل استعادة عافيتها وعودتها إلى مكانتها الطبيعية.

إضاءة

تنطلق اليوم أعمال «ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثالث» الذي ينظمه «مركز الإمارات للسياسات» بالشراكة مع «وزارة الخارجية والتعاون الدولي» و«المجلس الأطلسي»، ونصبُ أعينِ عشرات السياسيين والدبلوماسيين والأكاديميين المشاركين فيه صياغة فهم أفضل للقضايا الأمنية والسياسية الاستراتيجية التي تلقي بظلالها على منطقتنا الخليجية والعربية والعالم.

ويعقد الملتقى في أجواء إقليمية ودولية يطغى عليها الغموض والتقلب، سواء نتيجة تغير اللاعبين على الساحة الدولية، أو بسبب الأنماط الجديدة التي تتخذها الأزمات الإقليمية والعالمية، فيما زاد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية من ضبابية المشهد وخلق حالة من الشك والترقب لدى الكثيرين، بمن فيهم حلفاء واشنطن الأقربون، بشأن سياساته المستقبلية.

المصدر: البيان