جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

ارجو وسيارة جاري الامريكي

آراء

والحق أن ثلاثة احداث حصلت خلال أشهُر قليلة اثرت في حياتي هي الثورة الاسلامية في ايران التي لفتت انتباهي إلى “الصحوة الاسلامية” وحادثة إقتحام الحرم المكي أو ما اصطلح على تسميتها «حادثة جيهمان» التي هي الاخرى اثرت على كل السعوديين وأنا منهم بشكل أو بأخر وأخيرا الغزو السوفيتي لأفغانستان الذي حولني لصحفي ميداني .

كل ذلك حصل في نهاية 79 وبداية 1980 بينما كنا طلبة نستمع للأغنية الرائجة « اهلا بكم في فندق كاليفورنيا « ونجتمع في بيت احدنا لطبخ افضل « كبسة « وعلى رأس كل منا كتلة هائلة من الشعر . لم نكن ندرك كيف أن تلك الاحداث الثلاث ستغير وجه الشرق الاوسط .

احداث فيلم ارجو تبدأ في 4 نوفمبر 1979 عندما اقتحم «الطلبة» الايرانيون الثائرون على كل شيء السفارة الامريكية في طهران مع سكوت بدا انه تواطئ من قبل الحكومة الايرانية التي كان يقودها الخميني محدثين ازمة امريكية داخلية عنيفة ، واحتجزوا اكثر من 60 امريكيا رهائن ، غير ان 6 دبلوماسيين ينجحوا بالفرار من السفارة واللجوء لمنزل السفير الكندي ، حينها تبدأ احداث الفيلم المختلف عليها ، فالكنديون نالوا كل الثناء بعدها على حمايتهم لمواطني جيرانهم الجنوبيين حتى نبش بن افليك بطل الفيلم وكاتبه عن قصة كانت « سرية « حتى كشف عنها الرئيس بيل كلينتون بعد عقود ، تتحدث عن عملية سرية للمخابرات الامريكية التي صنعت حبكة وهمية عن منتج سينمائي يدخل ايران بغرض معاينة موقع تصوير فيلم خيال علمي اسمه « ارجو « فيزعم ان الامريكيون الستة هم فريق انتاج وتصوير الفيلم ، فيخرجهم من ايران بعد مغامرة لابد منها في افلام الاكشن ، فلا تطير الطائرة السويسرية بهم إلا في آخر لحظة بينما يطارهم الايرانيون بغباء في مدرج المطار .

الكنديون ازعجهم الفيلم انه اخذ وهم البطولة منهم ولكن السفير الكندي في طهران وقتذاك قال انه يتفهم طبيعة الافلام التي تبحث عن بطل خارق وتريد أن تبقي المشاهدين متوثبين على طرف مقاعدهم .

شخصيا لي قصة مع حادثة الرهائن ، كانت سيارتي وقتذاك اودي سيدان ، ولي جار امريكي سيارته ترانزام بيضاء ، وكان الانطباع السائد أن طلبة الخليج والايرانيون « الاثرياء « وقتها منهم يفضلون السيارات الرياضية كالترنزام والكامارو .

استيقظت على قرع شديد على الباب لأجد جاري يرغي ويزيد ، اصطحبني للموقف حيث وجدت الزجاج الامامي لسيارته الترانزام مهشما وعبارة مسيئة تشتم الايرانيين مكتوبة على الزجاج الخلفي، افترض الجار الامريكي أن ثمة امريكي متعصب غاضب وقد راج وقتها اعتداءاتهم على الايرانيين قدر أن جمال خاشقجي ذي الاسم الاجنبي الغريب المكتوب على صندوق البريد هو صاحب الترانزام ففعل ما فعل بها .

بالطبع لم يجد الجار الامريكي أي مسؤولية قانونية عليّ ، فاكتفي بالغضب والتوجه لشركة التأمين، اما أنا فأخترت السلامة وتركت شقتي لعدة ايام امضيتها عند صديق ، ولكن عدت فالأزمة استمرت 444 يوما حتى اطلق الايرانيون سراح الرهائن بعد خسارة الرئيس الطيب جيمي كارتر الانتخابات في نفس يوم تنصيب خصمه .

شاهدو الفيلم على الاقل لندرك الفرق بين الثورة الايرانية المتوحشة التي اهدرت حقوق الانسان باسم حقوق الانسان وثورات الربيع العربي.

المصدر: مجلة روتانا