د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

الأسعار وترشيد الاستهلاك خليجياً

آراء

تعاني الكثير من بلدان العالم من هدر في الموارد بسبب سوء الاستخدام أو المبالغة فيه، فالهدر في كمية الغذاء عالمياً على سبيل المثال تصل إلى 30% يمكن من خلال توفيرها إطعام 800 مليون جائع في بلدان العالم الفقيرة.

وتعاني بلدان منطقة الخليج العربي من الهدر على أكثر من مستوى، علماً بأن هذه البلدان أشد حاجة للحفاظ على الموارد وحسن استغلالها بسبب الارتفاع المستمر في الطلب عليها، إلا أن الهدر الأكبر يتمثل في الاستهلاك المفرط للطاقة ومصادر المياه والتي تعتبر الأعلى بين بلدان العالم.

ويعود ذلك إلى العديد من الأسباب، يأتي في مقدمتها رخص أسعار الكهرباء والوقود والمياه المدعومة بصورة كبيرة في مجتمعات تتمتع بمستويات عالية من الدخل، وهو ما يشجع على عدم اكتراث المستهلكين بحجم استهلاكهم لموارد غير متجددة وتكلف موازنات دول المنطقة مبالغ كبيرة ناجمة عن الدعم الشامل للأسعار.
لقد اعتاد السكان على هذا النمط من الاستهلاك، والذي استمر لعقود طويلة، إلا أن استمراره أصبح محل تساؤل بسبب التغيرات في سياسات الطاقة وتوجهات دول المنطقة لإعادة النظر في هيكلية موازناتها السنوية، بما في ذلك إعادة ترتيب سياسات الدعم لتصل إلى مستحقيها من جهة ولتخفيف الضغط على النفقات العامة من جهة أخرى.

ودول المنطقة محقة في انتهاج مثل هذه السياسات الإصلاحية في مجال ترشيد الاستهلاك، والذي يأتي لدعم نهج التنمية المستدامة ولصالح المستهلكين أنفسهم، فهذا النمط من الاستهلاك لا يتلاءم والتنمية المستدامة، مما يتطلب تفهما كاملا من قبل أفراد المجتمع للمحافظة على الموارد المتاحة، وإبقائها لأطول فترة ممكنة وتطوير المتجدد منها لضمان استمرارها للأجيال القادمة.

ويمكن إعادة النظر في سياسات ترشيد الاستهلاك، وبالأخص في مجال الطاقة والمياه من خلال الأسعار والترويج للوعي الاستهلاكي من خلال مختلف الوسائل، وبالأخص الإعلامية. وفيما يتعلق بالأسعار والتي لها حساسية خاصة لدى المسهلكين، فإن العمل بالأسعار المدعومة بصورة كبيرة لا يمكن أن يستمر كما كان في السابق، فالأسعار تتغير دوليا، كما أن تضاعف أعداد السكان ضاعف من مبالغ الدعم الذي يشمل الجميع، مما يتطلب تعديلها لتتناسب والقيمة الحقيقية للمواد والخدمات المقدمة، وهو ما تعمل به معظم بلدان العالم، والتي يقل فيها معدل الاستهلاك ليتناسب والاحتياجات الضرورية وبأقل قدر من الهدر.

وإذا أضيفت الجوانب التوعوية إلى تعديل سياسة الأسعار، فإن دول المنطقة يمكن أن تحقق نتائج مهمة في الحفاظ على الموارد ودعم هيكلية موازناتها السنوية واستقرارها، وهو ما سيمثل نقلة مهمة ستؤدي إلى تخفيض ارتفاع الطلب على مصادر الكهرباء والمياه من 10% سنوياً إلى 5% بصورة تدريجية، مما يتناسب والتقدم الاقتصادي والتعليمي الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي في العقود القليلة الماضية.

هذه مسألة لا تهم الجهات الرسمية فحسب، وإنما كافة أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين، مما يتطلب دعم توجهات دول المجلس للحد من الهدر في الاستهلاك والتجاوب مع السياسات الخاصة بذلك، خصوصاً أن نظام الشرائح معتمد في استهلاك الكهرباء والمياه، مما يراعى معه الفئات الأقل دخلاً في المجتمع، والتي ستحصل على هذه الخدمات بأسعار تتناسب ودخلها الشهري ومستوياتها المعيشية، مما سيدفعها إلى التقليل من المبالغة في الاستهلاك.

أما مراجعة أسعار الوقود، فإنها مسألة مهمة أخرى ستؤدي إلى تغيير نمط التنقل وخفض الاستهلاك من خلال استخدام وسائل النقل العامة التي تتطور باستمرار في دول المجلس، وبالأخص في دولة الإمارات الماضية سريعاً في تنفيذ مشاريع المترو وقطار الاتحاد، والذي سيشكل نقلة نوعية ستساهم في الاستغلال الأفضل لموارد الطاقة.

المصدر: الإتحاد

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82093