الاقتصاد في السياسة الأميركية

آراء

من خلال دراسة مستفيضة، ومسح متعمق لسياسة الولايات المتحدة الخارجية توصلت إلى أنه من الناحية السياسية والتاريخية أن طبيعة ومستوى التنمية الرأسمالية في داخل الولايات المتحدة هي المسؤولة عن كافة التحولات التي تطرأ عليها، بمعنى أن سياسة الولايات المتحدة الخارجية، يتم تحديدها بنيوياً لأنه يوجد رابط واضح بينها وبين طبيعة الاقتصاد السياسي القائم، فالتأطير الأساسي لدستور البلاد يدخل في المسألة لأن واضعيه الأوائل كانت أغلبيتهم من أصول اجتماعية تنحدر من ملاك الأرض المهتمين بالتصنيع والتجارة، وبالتالي فقد جاء الدستور عاكساً لمصالحهم التي قامت الدولة بحمايتها. إن الفئة التجارية هي التي قامت بتأسيس الولايات المتحدة، وتلك الفئة ركزت منذ البداية على قدسية الملكية الخاصة، وبتحديد وتعريف المقاييس الخاصة بالالتزامات التعاقدية لكي تحفظ التعاملات القانونية والنظامية بين جماعات المصالح المتنافسة.

قوة جماعات المصالح تلك كانت علاقية، بمعنى أنه كانت لديها الإمكانيات والقوة والنفوذ، لكي تؤثر على الدولة، وتحدد سياستها، وحركتها بسبب هيمنتها على المشهد الاقتصادي والسياسي عند لحظة تاريخية معينة. ويتبع ذلك منطقياً أن مصالح تلك الجماعات على المستوى العالمي تزامنت وتماشت مع المصلحة الوطنية، وبالتالي صارت تصقل السياسة الخارجية للبلاد. وبهذا الشكل أصبحت المسؤولية الأولى للدولة، هي توفير الموارد والدعم والحماية للمشروعات التجارية وتشجيع التجارة الخارجية. وبالتالي فإن الدولة قامت بإغراق المصنعين الأميركيين بموارد الدعم السخية وبالحماية اللازمة ضد منافسيهم الأوروبيين، وأصبحت الولايات المتحدة هي الدولة الأولى التي تقدم التشجيع المفضي إلى النجاح الرأسمالي الصناعي الوطني عبر التطبيق القانوني المنظم لإستراتيجية تصنيعية قائمة على إحلال التصنيع الداخلي كبديل للاستيراد من الخارج.

وضمن محتوى هذا النقاش يمكن القول منطقيا بأن التوجه إلى الحد من التعاملات مع الخارج شكّل انعطافاً مهماً للسياسة الخارجية، لأنها تسببت في انكفاء البلاد إلى الداخل، وجعلت طبيعة ونطاق المشاركة في النظام العالمي تتخذ من قبل أصحاب المصالح التجارية. لكن مع مرور الوقت، وولوج القرن العشرين ونشوب حربين عالميتين فيه تغير ذلك كثيرا بسبب التقدم الهائل للصناعات الأميركية إلى درجة أن أصبحت الأسواق الخارجية ومرافئ الاستثمار الخارجي أمور لاغنى عنها لأصحاب المال الأميركيين. وارتبط بذلك ظهور التكتلات الضخمة، التي حولت المؤسسات الأميركية إلى مؤسسات عملاقة يصعب منافستها عالمياً. إن عولمة المصالح التجارية والصناعية هي السبب في ذلك، فتلك المصالح تم تعضيدها بشكل واسع بظهور الاندماجات الكبرى فيما بعد عام 1897. تلك الخطوة مكنت الشركات من تحقيق اقتصادات ذات حجم لا موازي له من قبل المنافسين العالميين جعلتها أكثر المنتجين كفاءة مع القدرة على جعل المنافسين يخسرون في أي سوق تنافسهم فيها، وصاحب ذلك ظهور تغير أيديولوجي- اقتصادي في أوساط القادة السياسيين الأميركيين، قوامها أن المصالح الأميركية والمصالح العالمية سيتم خدمتها بشكل أفضل عن طريق الإنتاج لسوق عالمية واسعة عوضاً عن أسواق محلية متفرقة. كانت نتيجة ذلك التحول الأيديولوجي والمنهجي هي تدشين سياسات الأبواب المفتوحة، حيث تم دعم اقتصاد الاعتماد المتبادل والتنافس السلمي كأوضاع ضرورية للانتعاش الاقتصادي العالمي إلى درجة أن امتلاك المستعمرات من قبل القوى الأوروبية تم معاملته من قبل الولايات المتحدة على أنه مثال صارخ للسياسة الخارجية المتخلفة للدول الأوروبية. وبالتالي قامت الولايات المتحدة بالمناداة علانية بخروج الاستعمار من جميع المناطق. وبصيغ اقتصادية ثم القول بأن المستعمرات تعيق حركة التجارة العالمية، وبأن تحريرها سيحرر الشركات من ضغوط السياسة ويجعلها تركز على تطوير التكنولوجيا والوسائل الخاصة بالإنتاج والتصدير.

المصدر: الاتحاد

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82217