ابراهيم الفرحان
ابراهيم الفرحان
إعلامي سعودي

الانتصارات الحزبية بعد القرارات الملكية!

آراء

لا شك أن السعوديين لم يتوقعوا حجم التغيرات الوزارية التي أمر بها مليكهم الملك سلمان بن عبدالعزير، في الليلة التي روج لها التلفزيون السعودي في شريطه الإخباري «قرارات ملكية بعد قليل»، أكسبت القناة الأولى مشاهدة عالية طيلة فترة الانتظار حتى ساعة انقضاء إعلانها، وهذا يعكس اهتمام المواطن بكل أطيافه بمتابعة أي قرار ملكي يصب في مصلحة مسيرة التنمية وتطورها.

لست هنا بصدد مناقشة القرارات، فالملك سلمان «حفظه الله» لديه الرؤية والتمكين والقيادية في اتخاذ القرارات المناسبة لمواصلة الطريق نحو مسيرة متتابعة لأجل توفير حياة مستقرة وآمنة وتنمية مستدامة لهذا الوطن الكبير، لكن ما لفت الانتباه هو حديث البعض بأن هذه القرارات جاءت انتصارا لطرف على آخر، وهنا «المكارثية» في التحليل والإخفاق في قراءة المستقبل، هذا الوضع «غير صحي» لمجتمع يتوق إلى التغير والإصلاح نحو الأفضل. لنتشكل كيف ما شئنا بتياراتنا وأفكارنا، ولنختلف من الأرض إلى السماء، لكن دون «إقصاء» الطرف الآخر وتسفيه رأيه أو عمله إلى حد الخيانة.

ما حصل في مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا في «تويتر، والوتس اب» بعد «القرارات الملكية» من سب وشتم وتصنيف لشخصيات اعتبارية بعد إعفائها من مناصبها «غير مقبول»، وأنا هنا لا أقصد انتقاد عملها في السابق، فهذا حق مشروع لكل مواطن أن ينتقد عمل أي مسؤول في الحكومة، لكن أن يصل إلى حد التجريح والتشويه، فهذا والله جور وفجور في الخصومة.

أعتقد أن ما يسمى بالربيع العربي وما حدث فيه من صراعات سياسية وفكرية انعكس علينا كسعوديين بالسلب، وأظهر لنا بأن البعض منا لا يفهم لغة الاختلاف، فموسوعة التصنيفات «الفكرية» بكل أشكالها تنامت بشكل غير مسبوق، بل تبنيناها لنطلقها على مخالفينا بطريقة فجة! فهذا سلفي وذاك جامي وهذا إخواني وتلك ليبرالية.. مثل هذه التصنيفات ينعكس سلبا على الواقع الاجتماعي، ويجرح عضد الخطاب الوطني، ويصرف الناس عن القضايا الرئيسية والتنموية للمجتمع والوطن.

البعض يرى بأن الإعلام الجديد وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي تتحمل مسؤولية تفشي ظاهرة التصنيف الفكري. أعتقد أنه ربما هي ساعدت في الانتشار كوسيلة، لكن لا يمكن اعتبارها المغذي الرئيس، فالمغذيات الرئيسية تقف في الخلف ومنها: اضطراب المنظومة الأخلاقية والتربوية، مخرجات التعليم، فقدان ثقافة الاختلاف، الخوف من التعايش مع الآخر، الخطاب الديني الخاطئ، العزلة بين التيارات المختلفة، البطالة المتفشية، كلها عوامل ساهمت في إذكاء «التصنيف الفكري» في المجتمع السعودي.

التصنيفات بحد ذاتها في المجتمعات المتقدمة ليست معضلة، بل ظاهرة إيجابية إلا إذا ما تم استغلالها للإقصاء، وهذا هو الذي يحدث لدينا للأسف، لذلك يجب أن تتوقف، بل أدعو إلى ضرورة تحرك الحكومة لوضع قوانين وأطر تحمي عمليات التجاوزات القائمة، أيا كان مصدر هذا التصنيف.

المصدر: مكة أون لاين
http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/writing22/108914.html