التدخل الإيراني في المستنقع العراقي – د. محمد بن صقر السلمي

أخبار

142939

د. محمد بن صقر السلمي – متخصص في الشؤون الإيرانية

تعاملت إيران مع الأزمة العراقية بشكل مطابق تماما لتعاملها مع الأزمة السورية، فمدت النظام العراقي بالسلاح والرجال. في بداية الأمر. وعلى نسق السيناريو السوري أيضا، أنكرت طهران أي تواجد عسكري لها على الأراضي العراقية، ولكن بدأت مع مرور الوقت تعترف بإرسالها جنودا (وصفتهم بالمستشارين) من الحرس الثوري ممثلا في فيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني، وحصرت مهمتهم في تقديم المشورة أو حماية المزارات الشيعية، دون المشاركة في العمليات القتالية.
والمتابع للحالة السورية يعلم يقينا أن مهمة الحرس الثوري الإيراني في سوريا كانت قتالية وقيادية، وليست استشارية فقط.
وكشفت مقاطع الفيديو المسربة ذلك بجلاء، كما نجح الثوار السوريون في القبض على بعض الإيرانيين المنتمين إلى الحرس الثوري ويحملون رتبا عسكرية كبيرة أيضا، مما يؤكد مشاركتهم في العمليات العسكرية هناك.
لم تكن الأوضاع على الأراضي العراقية مختلفة كثيرا، فقد تحدثت وسائل إعلام مختلفة عن حضور عسكري إيراني في العراق.
ووفقا لما نقلته “وول استريت جورنال” الأمريكية، فقد أرسلت إيران قوات من الحرس الثوري إلى العراق لمقاتلة عناصر “داعش” الإرهابية.
كما تحدثت تقارير غربية أخرى عن وصول ثلاث فرق عسكرية إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني إلى العراق مع بداية الأحداث الأخيرة هناك، كما تحدثت تقارير استخباراتية أمريكية عن أن إيران دأبت على تقديم دعم استخباراتي وأمني للعراقيين، فضلا عن إرسال خبراء عسكريين لتدريب مجموعات عراقية ذات ولاءات حزبية.

المسؤول الأول

وأفادت تقارير أخرى أن الحرس الثوري الإيراني يقود زمام السياسة الإيرانية حاليا في العراق، ووفقا لتقرير لـ “أمريكان إنتيربرايس إينستتيوت” الأمريكي، فإن قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني أصبحت المسؤول الأول حاليا عن المصالح الإيرانية في العراق.
وتحدث المعهد الأمريكي في تقريره عن تولي الجنرال قاسم سليماني زمام الأمور للدفاع عن المجتمع الشیعي في العراق ويشمل ذلك مدينة بغداد أيضا، من أي هجوم تقوم به الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ضدهم.
ووفقا لكاتب التقرير، فإن سليماني يعيش حالة “مزاج أزمة كاملة” بعد تقدم القوات المناوئة للحكومة العراقية نحو العاصمة بغداد، وأن هدفه الأول الدفاع عن المزارات الشيعية في العراق بشكل عام وفي كربلاء والنجف وبغداد وسامراء على وجه الخصوص.
وأضاف التقرير: كما هو بالنسبة للحالة السورية، فإن إيران بقيادة سليماني ستفعل كل ما في وسعها لحماية مصالحها القومية والثورية في العراق.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن إيران تدعم بشار الأسد ونوري المالكي وترسل مساعداتها إلى الجانبين.
وفي هذا الصدد قال مسؤول أمريكي فضل عدم الكشف عن اسمه في تصريح لشبكة “سي إن إن”، إن التقارير الاستخباراتية الأمريكية تظهر مضاعفة إيران لجهودها في سبيل تدريب الميليشيات الشيعية داخل العاصمة العراقية وفي مناطق جنوب البلاد.
من جانب آخر، وصفت قيادات الحرس الثوري الإيراني ما يحدث في العراق على طريقة تعاملها مع الأزمة السورية.
وفي هذا الصدد، أجرت وكالة أنباء “تسنيم” المقربة من الحرس الثوري الإيراني مقابلة صحفية مع حسين سلامي، نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني قال فيها إن ما يحدث في العراق عبارة عن مؤامرة كبيرة من قبل قوى الاستكبار العالمي وحلفائهم في المنطقة.
وأضاف: هذه التدخلات الأجنبية سيتم إفشالها كما حدث على الساحة السورية.
وعن خطر امتداد الأحداث الحالية في العراق إلى الداخل الإيراني قال سلامي: لقد قام الحرس الثوري بتجهيز كامل قدراته الدفاعية لمواجهة أي تهديد مهما كان نوعه أو حجمه، مؤكدا أن قواته على أهبة الاستعداد لمواجهة أي هجوم أجنبي على أراضي البلاد.

قائد فيلق القدس

مع تطور الأحداث على الساحة العراقية کثر الحديث عن ترك قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الأراضي السورية والتوجه إلى العراق لتولي قيادة العمليات العسكرية عن قرب.
في هذا الصدد نشر موقع “فرهنك نيوز” المقرب من الحرس الثوري الإيراني صورة للجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس برفقة قاسم الأعرجي، أحد أعضاء البرلمان العراقي الشيعة.
وكتب موقع “فرهنك نيوز”: تنسب داعش هزائمها في المعارك الجارية في مناطق سنية مثل الأنبار وسامراء على يد قوات المالكي، إلى تواجد سليماني في العراق وإدارة العمليات العسكرية هناك”.
وتؤكد معلومات قادمة من العراق أن قائد فيلق القدس يقود ميليشيات مكونة من مجموعات شبه عسكرية بهدف القتال إلى جانب الجيشين العراقي والسوري للمحافظة على مشروع ما يسمى بـ “الهلال الشيعي”، ذلك الهلال الذي يبدأ من إيران مرورا بالعراق فسوريا وتصل حدوده إلى البحر الأبيض المتوسط في لبنان.

تزييف الحقائق

والحديث عن وجود عسكري إيراني في العراق برز بعد التطورات الأخيرة على الساحة العراقية ولجوء الأطياف المهمشة من قبل الحكومة العراقية الطائفية والإقصائية بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي يعده كثيرون بمثابة رجل إيران الأول في العراق، إلى حمل السلاح ضد النظام العراقي بعد محاولات سلمية دامت أكثر من سنتين تقريبا، طالب العراقيون بحكومة تضم كل مكونات الشعب العراقي، الشيعة والسنة، والعرب والأكراد، إلا أن المالكي تجاهل كل تلك المطالبات فوصل الحال إلى ما نشاهده الآن من حرب طاحنة لن تكون انعاكساتها محصورة داخل الحدود العراقية، بل تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها، خاصة بعد أن تسرب إليها جماعات إرهابية كعناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة بـ (داعش) وميليشيات شيعية إرهابية من داخل العراق وخارجها، إضافة إلى دعوة المرجعية الشيعية في النجف بزعامة آية الله علي السيستاني أتباع المذهب الشيعي في البلاد إلى حمل السلاح والتطوع في الجيش العراقي دعما للحكومة القائمة في بغداد.
حاول الإعلام العراقي والإيراني تصوير هذه الثورة – وكما تعاطت هذه الوسائل الإعلامية مع الثورة السورية – بأنها أعمال إرهابية من خلال التركيز على عنصر واحد لا يشكل الأغلبية وهو “داعش”، مع تجاهل متعمد لثورة العشائر العراقية في عدة محافظات وجماعات تحسب على حزب البعث بقيادة عزت الدوري، نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين وكذلك جيش النقشبندية أيضا.

وجهة النظر الإيرانية

الرئيس الإيراني حسن روحاني أعرب في مؤتمر صحفي عن استعداد بلاده لمساعدة الجانب العراقي عسكرياً في مواجهة المسلحين متى ما طلبت الحكومة العراقية ذلك، كما لم يستبعد تقديم بلاده المشورة للجانب العراقي فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، الأمر الذي أكده وزير الداخلية الإيراني رحماني فضلي، إلا أنهما أكدا على استبعاد تدخل عسكري للقوات الإيرانية في المعارك الجارية في العراق.
وصرح روحاني أيضا بأن رجال بلاده لن يترددوا في الدفاع عن المزارات الشيعية في العراق إذا لزم الأمر، کما لم تستبعد طهران التعاون مع واشنطن فيما يتعلق بالأوضاع على الساحة العراقية.
وعلى النقيض من تصريحات روحاني، رفض القائد الأعلى الإيراني مرشد الثورة علي خامنئي التدخل المحتمل للولايات المتحدة أو أي قوة خارجية أخرى في العراق، متهما واشنطن بمحاولة استغلال الخلافات الطائفية العراقية لاستعادة السيطرة على الدولة التي احتلتها ذات يوم، في إشارة إلى الإطاحة بالنظام العراقي في عام 2003 واحتلال العراق.
وأضاف خامنئي في تصريحات نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية قبل أسبوعين، أن بإمكان العراقيين أنفسهم إنهاء العنف في بلادهم.
وفي مقابلة له مع صحيفة “آساهي” اليابانية نشرت منتصف الأسبوع الماضي، قال رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران علي أكبر هاشمي رفسنجاني: هناك مصالح مشتركة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية في العراق، ولا مانع لدينا من التعاون مع واشنطن ويمكن التنسيق فيما بيننا متى ما اقتضت الحاجة وكانت هناك فائدة لذلك.
وحول التعاون الإيراني العراقي والأنباء عن وجود طائرات إيرانية على الأراضي العراقية، قال رفسنجاني: سوف نزود العراق بالسلاح إذا رغب في ذلك، ولا مانع لدى طهران من بيع طائرات إيرانية إلى العراق بهدف مساعدة الحكومة هناك في حربها ضد الإرهاب”، على حد قوله.

السفير العراقي

السفير العراقي في طهران نفى وجود سليماني في العراق وذلك في مقابلة صحفية أجرتها معه وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (ايسنا) أخيرا.
وذكر السفير العراقي أن سفارة بلاده في طهران تتلقى يوميا عددا من الاتصال التي تؤكد على استعداد إيران حكومة وشعبا للدفاع عن العتبات المقدسة في العراق، “إلا أننا نؤكد أن العراق ليس في حاجة لمتطوعين أجانب، والجيش العراقي قادر على مواجهة الإرهابيين”، على حد وصفه، كما نفى وجود قائد فيلق القدس أو أي قوات إيرانية على الأراضي العراقية.


قوات بسيج عراقية وسورية

قال قائد فيلق “محمد رسول الله “ التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين همداني، إن قوات التعبئة “البسيج” بدأت تتشكل وتنتظم في العراق بعدما تم تأسيسها في لبنان وسوريا.
وذكر موقع “روز آنلاين” الإيراني أن اللواء همداني أكد أن “ما يقارب من عشرة آلاف شخص من المسلحين المقاتلين مع نظام الأسد انضموا إلى قوات التعبئة الشعبية التي أطلق عليها اسم “البسيج”، وهو الاسم الذي يطلق على الجماعات التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وأضاف همداني خلال كلمة ألقاها في همدان نهاية الأسبوع الماضي: مع تأسيس البسيج في كل من لبنان وسوريا، فإن الابن الثالث للثورة الإسلامية الإيرانية سيولد في العراق.


142549

قتلى الحرس الثوري بالعشرات

بغض النظر عن هذا التضارب في حكم القوات الإيرانية الموجودة في العراق وطبيعة المهام المنوطة بها، فإن المؤكد حقيقة تواجد إيراني عسكري على الأراضي العراقية.
فقد کان علي رضا مشجري أول عضو في الحرس الثوري الإيراني يقتل في العراق، بحسب مواقع إيرانية عديدة نقلت الخبر.
وقد أقامت إيران مراسم تشييع مشجري في مسجد الشهيد بهشتي بطهران بحضور أبرز قيادات الحرس الثوري وقيادات الجيش الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية.

مقتل طيار

وخلال الأسبوع الماضي تحدثت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية عن مقتل أول طيار إيراني في المعارك الدائرة في العراق بين قوات نوري المالكي ومعارضيه، وقد تم نقل جثمانه إلى مسقط رأسه بالقرب من شيراز جنوب إيران، حيث شيع ودفن.
ونشرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إيرنا” خبرا مقتضبا يتحدث عن أن المصلين المشاركين في صلاة الجمعة شيعوا في مدينة شيراز جثمان شجاعت علمداري مورجاني، ووصفته بـ”الشهيد” الذي سقط “دفاعا عن أضرحة أهل البيت”، على حد وصف الوكالة.
وأوضحت وكالة أنباء فارس، أن الطيار الذي يحمل رتبة عقيد في الحرس الثوري “سقط شهيدا في الدفاع عن حريم أهل البيت في سامراء”، ودفن في ضاحية مدينة شيراز.
وتحدثت مواقع إيرانية عدة أيضا، عن مقتل أحد أعضاء الحرس الثوري الموجودين على الأراضي العراقية ويدعى كمال شيرخاني، وذلك إثر هجوم بالمدفعية قام به الثوار العراقيون في مدينة سامراء.
وقالت المواقع الإيرانية إن الحادثة وقعت السبت 5 /7 /2014.

تفجير ومعارك

وبعد ذلك، تناقلت وسائل إعلام عراقية أخبارا تتحدث عن مقتل 23 عنصرا من الحرس الثوري الإيراني في تفجير ومعارك شمال سامراء وغرب بغداد على يد ثوار العشائر السنية في العراق.
وقال مصدر في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي، إن السفارة الإيرانية في بغداد أشرفت على عملية نقل 23 عنصرا من الحرس الثوري، قتلوا خلال تفجير بسيارة مفخخة شمال سامراء نهاية الأسبوع الماضي، وكذلك اشتباكات في منطقة الرضوانية غربي العاصمة، من بينهم أربعة ضباط.
وأضاف المصدر، أن طائرة إيرانية نقلت الجثث من مطار النجف بعد نقلهم إلى مرقد الإمام علي للصلاة عليهم بحضور السفير الإيراني حسن دنائي فر، ومسؤولين عراقيين.
وأضاف أن الجنود القتلى وصلوا ضمن قوة تابعة للحرس الثوري لحماية مناطق حساسة ومراقد مقدسة في سامراء، وفق ما نقل موقع “المسلم”.


43@11790_mec_13-07-2014_p08(1).indd

فضيحة الطائرات الروسية

كشفت الحكومة العراقية أخيرا عن شرائها طائرات روسية مستخدمة من نوع “سوخوي إس يو 25” المقاتلة، إلا أن بعض الخبراء في بعض المواقع الغربية اكتشفوا أن تلك الطائرات قادمة من إيران، كما وضحت دراسة تحليلية تم إجراؤها على الصور ومقاطع الفيديو التي التقطت لتلك الطائرات وتطابقها مع طائرات إيرانية مماثلة ظهرت في مناورات عسكرية سابقة.
في تصريحات لمحطة بي بي سي البريطانية قال جوزيف ديمبسي، محلل الصور الذي يعمل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن والذي يهتم بدراسة الصور، إنه لم يعد هناك مجال للشك بأن طائرات “سوخوي” التي تعمل حاليا في العراق وظهرت في التسجيل المصور قادمة من إيران، وأن الخلاصة التي توصلنا إليها تؤكد أن العلامات والأرقام التسلسلية ومكان العلم والشعار تتطابق تماما مع ما لدينا من معلومات مؤكدة عن القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
ويدلل ديمبسي على ذلك بأن الرقمين المطليين على هيكل كل من الطائرات الثلاث يتطابقان مع آخر رقمين من سلسلة الأرقام الظاهرة على الطائرات الإيرانية، وقد أعيد طلاء الرقمين حيث كانت توجد الإشارات الإيرانية.
بينما قالت مصادر أخرى إن الطائرات عراقية كانت إيران قد أعادتها إلى العراق وتتكون من 7 مقاتلات من طراز “سوخي 25” كان أودعها الرئيس العراقي السابق صدام حسين من مجموع 143 طائرة حربية لدى طهران أثناء حرب الخليج الأولى وغزو الكويت (1991م) لإبعادها من الضربات الأميركية.
فإذا كانت هذه التقارير دقيقة فكيف نفسر التطابق في الأرقام التسلسلية للطائرات مع الطائرات التابعة للقوات الجوية للحرس الثوري، أو أننا نتحدث عن شيئين مختلفين؟ وبعبارة أخرى، هل أعادت إيران طائرات عراقية كانت متواجدة في إيران ودعمتها بطائرات أخرى تابعة للحرس الثوري؟ ربما!

iranianaffairs@

المصدر: مكة أون لاين