محمد الباهلي
محمد الباهلي
كاتب من الإمارات

الثروة النفسية

آراء

قام عالما النفس إد داينر وروبرت بيزواس بدراسة مهمة استغرقت منهما سنوات طويلة، وكانت حول مفهوم السعادة، وذلك باعتبار أن السعادة تمثل حجر الزاوية في الثروة النفسية، وهي حالة عقلية مبهجة ونافعة وفعالة وسارة تأتي في ظروف الحياة المواتية والملائمة، كما أنها دواء لكل نفس عليلة، ووسيلة لتعزيز الصحة النفسية والبدنية للإنسان، وهي مورد مهم يمكن أن يأخذ منه الإنسان ما يرغب في تحقيقه خاصة في عصرنا الحالي وما يعتريه من أزمات وحروب وصراعات، حيث صار الإنسان يبحث عن حالة من الاستقرار النفسي والهدوء وراحة البال، ويتعطش إلى لحظة فرح وسعادة.

وقد أصدر العالمان كتابهما «السعادة.. كشف أسرار الثروة النفسية»، متضمناً ما توصلا إليه من نتائج في غاية الأهمية حول موضوع السعادة. وقد جاءت النتائج، بعد جمع وتحليل المعلومات من عشرات آلاف الأشخاص من مئة دولة وأبحاث كثيرة عن السعادة البشرية وأخرى تختص بالحياة الانفعالية للمعدمين وذوي الثراء الفاحش، وبحوث حول الدور الذي تلعبه العلاقات الاجتماعية والدين والثقافة والسلوكيات الإيجابية بالنسبة للسعادة. ولم يتوقف الباحثان عند سرد نتائج الدراسة، بل اهتما أيضاً بتشخيص المفهوم وتفسيره وتحليل كل ما يتعلق بهذا الموضوع بصورة عميقة وفعالة وقياس الاختلافات النفسية والجسمية والعقلية والفكرية والإبداعية التي تحدث ما بين البشر أثناء سعيهم للوصول إلى لذة السعادة.

وبهذه الدراسة أضاف داينر وبيزواس إلى علم النفس بعداً جديداً حول موضوع اختلف الكثير من العلماء والمفكرين والفلاسفة على تعريفه وتفسيره، باعتبار أن السعادة من الأمور النسبية التي يختلف فيها الإحساس بين شخص وآخر كل حسب إمكانيات تفكيره وقدرته البدنية وأحاسيسه ونوازع شعوره ودوافعه النفسية وطموحاته.. حيث نجد من يرى سعادته في الصحة والشباب والقوة وراحة الضمير وإسعاد الآخرين، ومن يجدها في أعمال العبادات والطاعات وحياة الزهد، وثالث يراها في الثراء الواسع وكثرة الأبناء والأموال، ورابع يجدها في البحث عن العلم والدراسة، وخامس يجدها في اللهو والإسراف في المأكل والمشرب والملبس وصنوف اللذات الأخرى، وسادس يسعى إليها من خلال المنصب والشهرة ومظاهر الأبهة والغرور.. إلخ.
والنقطة الجوهرية التي توقف عندها العالمان هي تحديدهما الثروة النفسية باعتبارها أساس الشعور بالسعادة. ومن مقومات الثروة النفسية أن يتمتع الإنسان بصحة نفسية وبدنية جيدة، وشعور بالرضا عن حياته، وأن تكون لديه حالة من الروحانية التي تدفعه للشعور بمعنى وقيمة الحياة التي يعيشها، وأن يمتلك علاقات اجتماعية ودودة ومتميزة، وأن يشارك بإيجابية في الأنشطة المفيدة والجاذبة، وأن تصبح الابتسامة يومية في حياته، وأن يصبح لديه من القيم والمثل والأهداف ما يعمل من أجله، وأن يشعر بأن السعادة لا تتوقف عند الحصول على المال الواسع بل إن المال جزء يسير من هذه الثروة النفسية ويكفي أن يلبي احتياجاته التي تكفيه شر الحاجة.. هنا سوف تصبح الحياة أكثر صحة وبهجة ورضا وسعادة. فالثروة النفسية هي أن يفهم كل واحد منا هدفه ومتطلباته من هذه الحياة، وأن يتكيف مع ظروفها وأحداثها وأزماتها بطريقة ممتعة وذات معنى، وأن يدرك أن الحياة مليئة بالمفاجآت، بالخير والشر، وأن السعادة هي أن ترضى بما كتبه الله سبحانه وتعالى لنا في هذه الحياة.

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=80705