زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

الحوار (المحير)

آراء

1

على غرار مقولة غوبلز الشهيرة: «كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي»، أكاد أقول الآن: كلما سمعت كلمة «حوار» تحسست عصاي!

2

بدءاً، وفي السياق التاريخي لفعاليات الحوار، يجب أن نتذكر مبادرة الحوار بين رابطة العالم الإسلامي والفاتيكان قبل قرابة أربعين عاماً بتفويض ومباركة من الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، واليوم نحن ننعم بهذا اللقاء الحواري الثري بمباركة برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتعزيز ثقافة الحوار والسلام.

سيثير انتباهكم هذا الوجود السعودي في مشاريع الحوار منذ ذلك الحين حتى اليوم، بخلاف الصورة النمطية المصنوعة عن السعودية في هذا السياق!

3

في ما بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) أصيب المجتمع الدولي، ومعه المجتمع العربي تبعاً، بما يمكن تسميته: «متلازمة الحوار». أبرز أعراض هذه المتلازمة هو: سخونة في أطراف الحوار … وانتفاخ وتورم لدى أطراف النزاع، في الوقت ذاته.

تتزايد الحوارات وتتفاقم النزاعات، وهما عندنا بمثابة البيضة والدجاجة!

جاء الربيع العربي فزاد الطين بلّة، خلط الأوراق وأذاب الماكياج وكشف العورات. ويكاد الإحباط أن يقتلنا الآن لأننا ظننا أن هذا الربيع هو نهاية المطاف، وكان حريّاً بنا أن نراه بداية المطاف لرحلة تغيير قد تطول. رحلة يجب أن لا تحبطنا فيها مخذّلات العرب الذين لا يجيدون سوى شتم الذات ومديح الآخر، والمقارنة بين الغربي الرفيع والعربي الوضيع، وينسى أولئك أن الربيع الأوروبي بدأ قبل ثلاثة قرون ولم يستقر وتختفي أعراضه المرهقة إلا منذ سنوات معدودة … بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.

من المؤكد أن تَفاقُم الاستخدام المبتذل لمفردة (الحوار) في العالم قد أربكنا وأربكها، حتى أوشكت هذه الكلمة الفاخرة أن تفقد هيبتها ووهجها ومن ثمّ فعاليتها التي باتت مهددة بالتلاشي.

ماذا نفعل؟ هل نتوقف عن الحوار، تعليم الحوار وإذاعته وإشاعته؟

أم نسعى لإيقاف المتاجرين بالحوار؟!

مَنْ المسؤول عن تأزيم الحوار بين الشعوب؟ … هل هم رجال الدين أم رجال الإعلام أم كلاهما وغيرهما ممن يختفي خلف الستار؟!

بل هل ما زال هذا السؤال مشروعاً ومنطقياً بعد أن أصبحت وسائط التواصل الاجتماعي قادرة أن تجعلنا كلنا رجال دين وكلنا رجال إعلام، ما يعني ضرورة إعادة النظر في تأثير (النخبة)، بل في وجودها الافتراضي؟

4

هذا المؤتمر، بما يحويه من عناوين جادة وعميقة وشفافة، هو ما تحتاجه حواراتنا العربية عن ثقافة الحوار. فشكراً لكل من وقف خلف صنع هذا اللقاء المتين: (الوكالة الجامعية للفرنكوفونية بالشرق الأوسط، مكتب منظمة اليونسكو ببيروت، والمعهد العالي للأعمال).

اعذروني إن بدا خطابي هذا ليس دبلوماسياً بما فيه الكفاية .. فقد آثرت أن أكون صادقاً بما فيه الكفاية!


* بتصرّف، من الكلمة التي ألقيت في افتتاح أعمال مؤتمر «حوار الثقافات وثقافة الحوار في الشرق الأوسط»، 21 – 22 آذار (مارس) 2013.

المصدر: صحيفة الحياة