الحوثيون يجبرون المئات من سكان صنعاء على مغادرتها

أخبار

قضى سكان العاصمة صنعاء أيام عيد الأضحى المبارك لأول مرة منذ عقود طويلة في ظل عاصمة محتلة من قبل ميليشيا الحوثيين الذين يسيطرون عليها منذ الحادي والعشرين من الشهر الماضي وحتى اللحظة، في الوقت الذي ما زالت مسيرة تسمية رئيس الحكومة الوحدة الوطنية التي تم التوصل إليها في اتفاق الشراكة والسلم تواجه خلافات بين الرئيس والجماعة المتمردة.

وأكدت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من السكان غادروها إلى قراهم هذه السنة بطريقة تختلف عن كل عام في مثل هذه المناسبة التي يسافر فيها الناس إلى القرى في موسم الأعراس، ولكن قبل قدوم العيد بفترة طويلة خشية من التطورات الجارية في العاصمة واحتلال الحوثيين لمئات المؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية ومنازل السياسيين واقتحام ونهب منازل صحافيين وإعلاميين.

ورغم الهدوء النسبي الذي تشهده صنعاء، فإن متنزهات العاصمة بدت شبه خالية من المرتادين خلال الأيام الـ3 للعيد، حيث فضل الكثير من المواطنين السفر إلى مدن وقرى أخرى أكثر هدوءا. وما زال الحوثيون يبسطون سيطرتهم على العاصمة صنعاء وعلى كافة مناحي الحياة فيها ويسيرون دوريات لميليشياتهم وسطها تحت مسمى «اللجان الشعبية»، وهو الأمر الذي يثير الذعر في أوساط سكان العاصمة التي يصل سكانها إلى نحو 3 ملايين نسمة.

ويسيطر المقاتلون الحوثيون تقريبا على جميع المنشآت الحكومية، بداية من المطار والمصرف المركزي وصولا إلى وزارة الدفاع. ولم يعد لقوات الشرطة وجود يذكر في الشوارع، في الوقت الذي عجت شوارع العاصمة بملصقات تحمل شعار الحوثيين ـ «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود والنصر للإسلام» ـ ويشبه شعار إيراني شهير يردده مسلحون شيعة في العراق وكذلك أنصار جماعة «حزب الله» اللبنانية.

والآن، أصبح «الحوثيون»، الذين يتلقون دعما من إيران، قاب قوسين أو أدنى من التحول إلى نسخة يمنية من «حزب الله» الشيعي بلبنان، الذي يهيمن على الحكومة ويعد بمثابة دولة داخل الدولة.

كما يثير استيلاء «الحوثيين» على العاصمة خطر اندلاع رد فعل عنيف من مسلحين سنة متشددين، لتشتعل بذلك حربا طائفية تعزز وجود تنظيم «القاعدة» باليمن الذي تحاربه الولايات المتحدة منذ سنوات عبر حملة باستخدام الطائرات من دون طيار وبالتنسيق مع المؤسسة العسكرية اليمنية. ومع تصاعد الدعوات لمقاتلة السلطة الجديدة باليمن، قد تتحول البلاد إلى منطقة جاذبة للمتطرفين من مختلف أرجاء المنطقة، بما في ذلك سوريا والعراق.

وأعلنت جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة في اليمن أول من أمس، تبنيها للهجومين اللذين استهدفا

الحوثيين في العاصمة صنعاء ومدينة عمران شمال العاصمة. وقالت الجماعة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إن أعدادا من القتلى والجرحى سقطوا خلال استهداف الحوثيين يوم الجمعة في منطقة هبره بصنعاء، حيث ألقت الجماعة قنبلة على مقر الحوثيين هناك. وذكرت الجماعة أيضا أنها فجرت الخميس الماضي عبوة ناسفة في منطقة «الأهنوم» بمدينة عمران شمال العاصمة صنعاء استهدفت من خلالها تجمعا

للحوثيين. وقالت: إن التفجير أسفر عن مقتل 15 حوثيا وإصابة آخرين. وكان التنظيم قد نشر مسبقا عبر حسابه على «تويتر» بيانا توعد من خلاله الحوثيين بحرب لا طاقة لهم بها.

واقتحم انتحاري يقود سيارة محملة بالمتفجرات مستشفى كان يرتاده «حوثيون» بمحافظة مأرب، مما أسفر عن مقتل شخص. وتعهدت الجماعة المسؤولة عن الهجوم وتحمل اسم «القاعدة بشبه الجزيرة العربية» بمحاربة «الحوثيين» ودعت السنة الآخرين لدعمها.

من جانبهم، يطرح «الحوثيون» أنفسهم باعتبارهم يسعون لتحقيق أهداف «الربيع العربي» الذي اندلع عام 2011 وأطاح بعبد الله صالح، الرئيس الاستبدادي الذي حكم البلاد لفترة طويلة. ويرفضون الاتفاق الذي تم برعاية مجلس التعاون الخليجي وأدى لتنحي صالح وحل هادي محله لأنه ينطوي على تقسيم السلطة بين أنصار صالح و«حزب الإصلاح»، وهو فرع جماعة «الإخوان المسلمين» باليمن.

ويسود اعتقاد بأن صالح وأنصاره داخل الجيش ساعدوا «الحوثيين» من خلال تنحيهم جانبا بينما اجتاح المقاتلون العاصمة. من جهته، نفى علي العماد، مسؤول حوثي بارز، وجود أي «تفاهمات» مع معسكر صالح، لكنه اعترف خلال مقابلة أجريت معه بأن الجانبين ـ اللذين خاضا 6 حروب مريرة ضد بعضهما البعض بين عامي 2044 و2010 ـ «يتشاركان في مصالح مشتركة مؤقتة».

في الوقت الذي تتواصل الخلافات حول تسمية اسم رئيس حكومة الوحدة الوطنية التي ما زالت الخلافات تدور بشأنها، حيث يصر الحوثيون على تسمية رئيس الحكومة بينما هو حق دستوري لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، ومن أبرز الأسماء المطروحة كحل وسط هو أحمد لقمان، مدير منظمة العمل العربية وهو وزير سابق من عقد السبعينات في عدة حكومات يمنية، غير أن الحوثيين يواصلون الضغط على الرئيس هادي ليكون مرشحهم هو رئيس الحكومة، فيما يلاقي هادي ضغوطا أخرى من باقي القوى على الساحة اليمنية من أجل عدم الرضوخ لما تسميه المصادر هنا «ابتزاز الحوثيين»، وكان مرشح الحوثيين لرئاسة الحكومة البروفسور أيوب الحمادي المقيم في ألمانيا، غادر صنعاء فجأة وظهر في إحدى الصور الحديثة وهو يتناول وجبة الغداء، أول من أمس، وقد تناقلت بعض وسائل الإعلام تصريحات له وصف فيها القيادة السياسية في اليمن بالمشلولة وقال: إن مصلحة طلابه ومعامله في ألمانيا التي يحمل جنسيتها، أهم بالنسبة إليه من التجاذبات السياسية القائمة في اليمن.

وكان سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية والتسوية السياسية في اليمن أصدروا بيانا دعوا فيه إلى تطبيق اتفاق السلم والشراكة الموقع بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وقال بيان صادر عن السفراء إنهم يؤمنون بأن «اتفاقية السلم والشراكة الوطنية تتوافق بشكل كامل مع مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية وتقدم الاتفاقية جنبا إلى جنب مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن خارطة الطريق والإرشادات لتحقيق السلم في اليمن»، ودعا السفراء إلى سرعة اختيار رئيس للحكومة في ضوء اتفاق الشراكة، مؤكدين دعمهم ودولهم الكامل للرئيس عبد ربه منصور هادي.

المصدر: صنعاء – عرفات مدابش – الشرق الأوسط