الخِدمةُ الوطنيةُ.. انتماءٌ حقيقي وولاءٌ مُطلق

آراء

«الإخلاص والتفاني والعطاء والانتماء الحقيقي والولاء المطلق للقيادة»، بهذه العبارات لخص اللواء الركن طيار الشيخ أحمد بن طحنون آل نهيان، رئيس هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية، نظرته للشاب والشابة الإماراتية. فمعانٍ من قبيل الولاء والانتماء هي معانٍ متجذرة لدى المواطن الإماراتي، وتأتي الخدمة الوطنية بدورها لتكون رافداً لتعزيز تلك المفاهيم وكشف زوايا أخرى لها تصب في نهاية المطاف في مصلحة الوطن والمواطن الإماراتي.

لقد تشرفت في الأسبوع المنصرم بإدارة الجلسة الأولى لندوة الخدمة الوطنية وتعزيز الهوية، والتي أصبحت، أي الخدمة الوطنية، محط اهتمام الرأي العام الإماراتي وحديث المجالس والأسر الإماراتية التي نستقي منها العبر في تلاحم الشعب مع قيادته.
كان معي في الجلسة كل من اللواء الركن طيار الشيخ أحمد بن طحنون، وكذلك الدكتورة أمل القبيسي النائب الأول لرئيس المجلس الوطني، مدير عام مجلس أبوظبي للتعليم.

وفي الورقة التي قدمها رئيس هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية تتكشف لدينا الجوانب الاستراتيجية للخدمة الوطنية، والمتمثلة في استثمار طاقات الشباب الإماراتي وتنميتها وتطويرها، بحيث لا ينعكس ذلك على تحقيق الأهداف الوطنية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية فحسب، وإنما انعكاسه أيضاً على البعد الشخصي لمنتسبي الخدمة الوطنية، بحيث يأتي هؤلاء كما يرى الشيخ أحمد بن طحنون آل نهيان سفراء للوطن بأخلاقياتهم الحميدة وسلوكياتهم الإيجابية.

وفي رؤية متعمقة للأبعاد التي تطرق لها رئيس هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية، يمكن أن نستشف أن الخدمة الوطنية ستسهم على النحو التالي:

• البعد الوطني: تعزيز مفهوم المواطَنة الصالحة وزيادة التضامن والتلاحم في المجتمع الإماراتي، ناهيك عن تعزيز قيم الانتماء والولاء والتضحية.

• البعد الأمني: ستساهم الخدمة الوطنية في تعزيز القدرات الأمنية لمواجهة الأزمات والكوارث، وكذلك تعزيز الحس الأمني الذي سينعكس بدوره في المحافظة على المقدرات والمكتسبات الوطنية.

• البعد الاجتماعي: يأتي وجود منتسبي الخدمة الوطنية في مكان واحد ومشاطرتهم للعديد من الأنشطة والفعاليات ليلعب دوراً فاعلاً في تعزيز التآلف وتنمية روح الفريق الواحد، ولن تكون التنمية على المستوى الشخصي بعيدة عن الأهداف المرجو تحقيقها من الخدمة الوطنية.

لقد كانت رسالة الشيخ أحمد بن طحنون واضحة وجلية لشباب هذا الوطن التي تمثلت في دعوته لهم إلى تحمل المسؤولية وأن يستوصوا بوطنهم خيراً ويجعلوه دائماً وأبداً في مقدمة أولوياتهم.

ولقد أضفت الدكتورة أمل القبيسي في ورقتها المقدمة في هذه الندوة خلال الجلسة الأولى، التأثيرات المرتقبة للخدمة الوطنية على المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية. فغرس قيم الالتزام والانضباط والجدية وتكريس روح الانتماء والتضحية والعطاء والمسؤولية المجتمعية، بالإضافة إلى تعزيز الصحة العامة والقوة البدنية واكتساب الخبرات والمهارات والثقة، جميعها كما ترى الدكتورة أمل القبيسي مرتكزات تنعكس آثارها الإيجابية على المجالات سابقة الذكر.

«إننا نسعى للحصول على مواطن إماراتي»، عبارة ختمت بها الدكتورة أمل ورقتها لتختزل معها معاني كبيرة، تؤكد تميز المواطن الإماراتي وتحليه بالصفات الحميدة. وقد أخذت الدكتورة أمل الحضور إلى جولة افتراضية في أروقة المجلس الوطني، تكشفت خلال هذه الرحلة مشاعر أعضاء المجلس الوطني وكيف استقبلوا قانون الخدمة الوطنية بكل تقدير وتأييد وثناء، معتبرينه قانوناً يدفع باتجاه تعزيز وحدة الوطن والحفاظ على مكتسباته.

ولعل المتمعن في الورقة التي قدمها مدير جامعة الإمارات الدكتور علي النعيمي يدرك أن منظومة تعزيز قيم الانتماء والولاء تأتي بوصفها استراتيجية شاملة لدولة الإمارات. فهناك جهود كبيرة في مختلف المراحل التعليمية والتعليم العالي تسير باتجاه تعزيز هذه القيم وغرسها في النشء.

والحقيقة أنه لا يمكن أن يكون الجانب الديني ببعيد عن التأكيد على أهمية الخدمة الوطنية، وهو ما أثبته الدكتور فاروق حمادة المستشار الديني بديوان ولي العهد الذي اعتبر أن خدمة الوطن والدفاع عنه والحفاظ على مكتسباته والسعي الدائم لترقيته ورفعته أمر جوهري في الدين الإسلامي لارتباطه بالوجود واستناده إلى الفطرة.

لقد أكدت الأوراق المقدمة من المشاركين، أهمية الخدمة الوطنية ومساهمتها الكبيرة في تعزيز قيم الانتماء والولاء. وجاءت ورقة رئيس تحرير صحيفة «الاتحاد» الأستاذ محمد الحمادي، مؤكدة ذلك التفاعل الذي ظهر بين الحضور وتساؤلاتهم التي أجمعت على ضرورة أن تتاح الفرصة لغير من تنطبق عليهم الشروط في حال رغبتهم الالتحاق بها. لقد كشفت ورقة الأستاذ الحمادي عن التفاعل الإيجابي من قبل الرأي العام الإماراتي مع هذا القانون، وذلك من خلال المقابلات الميدانية أو سيل المكالمات التي تلقتها الجريدة فور إعلان القانون. وقد أشار الحمادي كذلك إلى التفاعل الكبير داخل شبكات التواصل الاجتماعي حول هذا القانون، وامتد ذلك التفاعل ليطال العديد من المشاركات من قبل أبناء دول مجلس التعاون والدول العربية، مثنيةً على هذا القرار.

وختاماً، فإنني أدعو كل مواطن إماراتي ليستذكر معي كلمات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حين قال «إن الرجال هم من يصنعون المصانع، وهم من يصنعون سعادتهم، فلا يوجد عمل من دون الرجال»، لنستشف مع تلك الكلمات أن الوصول إلى هذه النوعية من الرجال لا يمكن أن يتحقق سوى بإعدادهم الإعداد الصحيح عبر العديد من الخطوات، فإلى جانب التهيئة البدنية، تلعب التهيئة النفسية والفكرية دورها في نقل قيم من قبيل الانتماء والولاء من الحيز النظري إلى الحيز العملي.

وتضطلع الخدمة الوطنية هنا بدورها لتكون رافداً وداعماً قوياً لتعزيز هذه القيم.

وليعلم الجميع أن الخدمة الوطنية ستأتي معززة لتلك القيم وليس بوصفها غارسةً لها في نفوس منتسبيها.

يتساءل القارئ لماذا؟

لأن الإنسان الإماراتي بفطرته تتجذر فيه، كما أكد الشيخ أحمد بن طحنون آل نهيان معاني الجملة الأولى من هذا المقال.

المصدر: الاتحاد