سركيس نعوم
سركيس نعوم
كاتب ومحلل سياسي

السعودية المتحفِّظة تفاجئ العالم بغضبها؟

آراء

لم يفاجئ غضب المملكة العربية السعودية على روسيا العالم. فالأخيرة لم تقصّر في دعم نظام الأسد لمواجهته وبكل الوسائل الثورة الشعبية العارمة عليه منذ منتصف آذار 2011. وعمّق ذلك التنسيق السياسي الذي كان قائماً بين موسكو وطهران ووسَّعه. فضلاً أن روسيا تعاملت مع “المبادرة السعودية” التي توجه بها اليها الأمير بندر بن سلطان المسؤول الأول عن الأمن القومي في البلاد باستخفاف ظهر في تفاصيلها التي سرَّبتها إلى وسائل الإعلام.

ولم يفاجئ غضب المملكة العربية السعودية على أميركا قسماً كبيراً من العالم رغم أن انكشافه الرسمي للرأي العام والمجتمع الدولي لم يحصل الا أخيراً. ذلك أن قادتها حرصوا دوماً على عدم التعرّض للدولة الأعظم علانية لاعتبارين أساسيين، أولهما التحالف الوثيق القائم بينهما منذ تأسيس الدولة السعودية الذي رسَّخته المصالح المشتركة وخصوصاً بعد اكتشاف النفط فيها وتحولها دولة مهمة لتأمين استمرار تدفّقه، أو للتحكم باسعاره، أو للحؤول دون تحوله وسيلة أو أداة في الصراعات السياسية الكبيرة إقليمية أو دولية. وثانيهما مظلة الحماية التي فتحتها أميركا دائماً فوق المملكة، والتي صارت حاجة ماسة لها في العقود الأخيرة، أولاً بسبب تهوّر عراق صدام حسين وطموحاته السعودية من وراء احتلال الكويت، وثانياً بسبب التهديد الذي شكّله لها النظام الإسلامي في إيران منذ تأسيسه عام 1979، أو بالأحرى للعائلة الحاكمة فيها ولاحقاً للخليج العربي الذي تتزعمه ثم للعالم العربي وللسنة العرب عموماً. وهو تهديد صار بالغ الجدية في السنوات الأخيرة. لكن الحرص المشار اليه تبدَّد عندما بدأت الهواجس والمخاوف وربما الشكوك تنتاب كبار المملكة وتحديداً بعد “الانتصارات”، وإن المحدودة والجزئية، التي بدأ أخصامها أو أعداؤها من عرب وعجم يحقّقونها بمساعدة الحليفة والحامية أميركا. وفي مقدم هؤلاء سوريا الأسد وإيران الإسلامية. وكانت الإشارات الأولى لتبدُّده إمتناع وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل عن إلقاء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكنها على ما يبدو لم تترك الأثر المتوخى منها ولا سيما في أميركا إذ تابعت بنجاح مسيرة السعي نحو الحوار مع إيران الإسلامية، بعد مسيرتها الناجحة مع روسيا في موضوع “كيماوي الأسد”. فكان لا بد من موقف ذي وقع أكبر ليس على أميركا فقط بل على العالم كله. وكان الموقف قراراً بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن. كما كان لا بد من حيثيات مهمة جداً عند العرب والمسلمين تبرِّر الموقف والقرار أو من أسباب موجبة، فاضيفت قضية فلسطين المظلوم شعبها ومعه العرب منذ نحو 65 سنة إلى دوافع القرار ومعها السلاح النووي الاسرائيلي، وإن أتى ذكره في إطار الإعتراض على عدم إزالة اسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط وتحميل أميركا وغيرها مسؤولية إطلاق سباق تسليح نووي خطير في المنطقة.

هل فاجأ الموقف – القرار السعودي أحداً؟ وهل يتفاعل أم يتم إيجاد حل سريع له؟ فاجأ طبعاً روسيا الإتحادية التي اعتقدت أنها بدأت مسيرة قطف الثمار اليانعة وهي ستكون طويلة. وقد أبرز تعليقها هذا التفاجؤ. وفاجأ أكثر الإدارة الأميركية التي يعرف رأسها وكبارها عتب السعودية وغضبها، والتي لم تتوقع يوماً أن تشرب المملكة، التي تعودت دائماً العمل في الظل وخلف الكواليس والتحفّظ وأحياناً التراجع أمام غالبية المواجهات الكبرى معتمدة على الحماية الأميركية، أن تشرب “حليب السباع”.

أما الجواب عن السؤال الثاني فأكثر صعوبة. ذلك أن التفاعل يحصل في حال لم ينجح كبار المجتمع الدولي في إقناع السعودية عبر وعود “كبيرة”، لا يضمن أحد تنفيذها، بالتراجع عن رفض مقعد مجلس الأمن، وتالياً في حال انطلق المطالبون ومن زمان بإصلاح نظام المجلس عبر إدخال تعديلات عليه تطال عدد أعضائه وممارسة حق النقض، وهؤلاء يمثلون غالبية دول العالم ومن بينها دول كبيرة ومهمة، من الموقف – القرار السعودي للمطالبة بالإصلاح قبل حل المشكلة الجديدة. ولا أحد يعرف إذا كان ذلك سيحصل أم لا. كما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم باستمرار السعودية على موقفها إذ أنه قد يُكتِّل ضدها، كبيران هما روسيا وأميركا، وقد يساهم في حل مشكلات إقليمية خطيرة على نحو لا بد منها (إيران مثلاً)، ويبقي مشكلة فلسطين بلا حل. إلا إن السؤال الذي يُطرح اليوم هو: هل ان موقف المملكة رد فعل عفوي أم أنه جزء من خطة وبرنامج؟ وهل له آثار سلبية على داخلها؟

المصدر: صحيفة النهار