هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

الفاتورة السوداء

آراء

بعد أن ألقت الطائرات الأميركية القنبلتين النوويتين فوق مدينتي هيروشيما وناجازاكي، قال بعدها الرئيس الأميركي آنذاك “هاري ترومان”، “العالم الآن في متناول أيدينا”. هكذا كان يعتقد.

منذ الأسبوع الماضي والبيت الأبيض في حالة ارتباك، يبذل محاولات حثيثة لإقناع الكونجرس الأميركي بالعدول عن قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، والذي سيسمح لذوي ضحايا هجمات سبتمبر 11 بمقاضاة بعض الدول في ذلك الحادث.

فبعد أن اضطر الكونجرس بضغط من السعودية، إلى الإفراج عن الـ28 صفحة من ملف التحقيقات، والتي تتعلق بالدور المزعوم للمملكة في العمل الإرهابي، أصيبت المؤسسات الأميركية المعادية للمملكة بخيبة أمل، لفشل عملية ابتزاز أخرى، بعد أن أثبتت تلك الصفحات براءة المملكة من جميع تلك الاتهامات، ومع ذلك لم تتوقف محاولات الابتزاز، بل أصبحت تتكرر بطريقة مكشوفة، أكثر من أي وقت مضى.

ومن يتمعن في تفاصيل ذلك القانون، سيجد أنه يجدد العقلية الاستعمارية القديمة نفسها، والتي أظهرها الرئيس هاري ترومان بعد أن أسقط القنابل النووية، ولكن هذه المرة أسقطت القناع عن الكونجرس الأميركي، حين أعلن بعجرفة مقيتة عن بداية فوضى عالمية، بمنح الولايات المتحدة الحق بسن قانون يُعرِف الإرهاب بطريقة تعود عليه بمصلحة كالعادة، في تجاهل صريح للمجتمع الدولي بمختلف توجهاته السياسية والدينية والعرقية.

وهذا الموقف الاستبدادي في إعطاء الحق في اتخاذ قرارات دولية تُلزم بها أميركا جميع الدول، يذكرني بالعقلية نفسها التي تعمل بها الحكومة الصهيونية المحتلة، وحكومة خامنئي المتطرفة، واللتان تصران على القتل ونشر الفوضى، لتوسيع نفوذهما في المنطقة العربية.

القانون الجديد لا يؤسس فقط لفوضى عالمية، بل يحمل عداء واضحا لعدد من الدول، في مرحلة خطيرة وحساسة للولايات المتحدة، كان من الأجدر فيها أن تدخر جهودها من أجل إصلاح اقتصادها وحل مشاكلها العنصرية التي تفاقمت في عدد من ولاياتها، بدلا من أن تدمر صداقاتها مع بقية الدول.

وربما من الضروري أن نطلق حملة إعلامية تذكر العالم وأعضاء الكونجرس، بتاريخ الإرهاب حول العالم، ونبحث عن أول دولة ستدفع تلك الفاتورة الدامية، فربما يكونون قد نسوا أن الطائرات الأميركية أسقطت قنابل حارقة دمرت في الحرب العالمية الثانية، 16 ميلا مربعا من طوكيو، وقتلت 100 ألف شخص في يوم واحد، وشردت مليون نسمة.

أما حرب فيتنام “1965-1975″، فقد كشفت أكثر من أي حرب مضت نقطة تحول الإنسان إلى وحش، حين ظلت القوات الأميركية ترمي ملايين الأطنان من القنابل الكيماوية المسماة Agent Orange، والتي لم تكتف بقتل مئات الآلاف من البشر، بل قتلت معهم كل أشكال الطبيعة في الأراضي الفيتنامية، كما تعمد الطيران الأميركي استخدام القصف السجادي الممنوع دوليا في قوانين الحرب، ناهيك عن مجزرة “ماي لاي” التي حصلت في 1969 واعترفت بها القيادة الأميركية واعتقلت مرتكبها الملازم “كالي” مضطرة، ليتم إطلاق سراحه فيما بعد.

وربما نسى الكونجرس كيف جندت وكالة المخابرات المركزية مرتزقة، بالاشتراك مع المخابرات الإفريقية الجنوبية الذين تمولهم أميركا، وأرسلتهم تحت غطاء فريق لعبة الرجبي، للقيام بانقلاب عسكري في جزر سيشل عام 1981!

وعلينا أن نسألهم: من سيدفع فاتورة وصول الأسطول السادس الأميركي لمسافة أقل من 50 كلم من السواحل اللبنانية لمساندة القوات الصهيونية التي غزت لبنان في بداية يونيو 1982؟! ومن سيدفع فاتورة هجوم القوات الأميركية في 1983 على “غرينادا” أحد أصغر دول العالم، حين انتهكت سيادتها بوحشية واحتلت الجزيرة وقتلت السكان الآمنين حين حاولوا الدفاع عن وطنهم!، بعدها أطلقت الإدارة الأميركية كذبة “تعرض الطلاب الأميركيين للخطر”، لتبرير عدوانها على الجزيرة، وتلك الكذبة ما زالت تستخدم ليومنا هذا في كثير من الدول العربية للضغط على حكوماتها، حين تفشل مساعيها للفوز بمصلحة.

ومن المؤكد أن أعضاء الكونجرس ما زالوا يتذكرون جيدا أن القوات الأميركية عام 1991، دمرت في العراق أكثر من 8437 بيتا سكنيا، و157 جسرا وسكة حديد، و130 محطة كهرباء رئيسية وفرعية، و249 دارا لرياض الأطفال، و139 دارا للرعاية الاجتماعية، و100 مستشفى ومركز صحي، و1708 مدارس ابتدائية، خلال البحث عن كذبة أسلحة الدمار الشامل! وفيما بعد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن استخدام الطيران الأميركي قذائف من اليورانيوم ضد الشعب العراقي، وأسهبت: إن الأطفال كانوا أكثر تأثرا بهذه القذائف، لأن اليورانيوم الموجود بها، تتغلغل آثاره بشكل سريع في الخلايا والهياكل العظمية للأطفال، وله تأثير فعال في القضاء على الأجنة في أرحام الأمهات، وهذه الفاتورة بمفردها تحتاج إلى عشرات السنين للإيفاء بشيء منها.

صراع القوى الخارجية على الثروة الطبيعية في العالم العربي والخليج بالذات، صراع ذو أهداف استعمارية واضحة، فالدول العظمى تعتقد بأن ثروات العالم الطبيعية من حقها، وحقيقة امتلاك أفغانستان مثلا لأكبر مخزون في العالم من النحاس الأصفر، وكونها ثالث أكبر دولة تملك مخزونا من الحديد الخام، وثالث أكبر الدول في احتياطي النفط والغاز الطبيعي، يختصر قصة الحرب على أفغانستان باسم “الحرب على الإرهاب”.

المصدر: الوطن