جميل الذيابي
جميل الذيابي
كاتب وصحفي سعودي

القمم العربية… ومساحيق التجميل!

آراء

منذ القمة العربية الأولى التي عقدت في مصر في ايار (مايو) 1946، وكتابة البيان الأول الذي أكد الرغبة الأكيدة للدول العربية في السلم، وأن فلسطين هي قضية العرب جميعاً، تشهد المنطقة العربية أوضاعاً حرجة وأمراضاً تلازم ظروف انعقاد كل قمة.

يجتمع القادة العرب في كل قمة للتصوير والتنظير وإلقاء الخطابات ورفع الشعارات وإصدار البيانات، بعد جولات من المجاملات تارة والملاكمات في الجلسات المغلقة تارة أخرى، ثم ينفضون مودعين «بمثل ما استقبلوا به»، فيما لا تزال الأوضاع «تلتهب» والشارع العربي «يغلي»!

وأرجو ألا يخرج من يحاول تذكيرنا بـ«قمة اللاءات الثلاث» في الخرطوم (لا صلح. لا اعتراف. لا تفاوض) بعد «نكسة» حزيران (يونيو) 1967 أو عنتريات جمال عبر الناصر، أو يصدع رؤوسنا بشعارات البعثيين والقوميين «المنتهية الصلاحية»!

مذ عامين، والشعب السوري ينكَّل به وتذبح نساؤه وينحر أطفاله وتدمر مدنه، والعروبة تنحر علناً، وفي ما يبدو أن الأوضاع لم تتغير حتى على رغم أن «الربيع العربي» طيّر جماجم كبيرة وقلب الكراسي رأساً على عقب، إلا أن لا أحد يحبّذ الاستفادة من الدروس «المجانية»، بل يفضل دفع الفاتورة كاملة قبل الرحيل في أبشع صورة!

أصبحت القمم العربية أشبه بـ«عادة روتينية»، يترقبها الزعماء لتلاوة خطاباتهم، فيما لا تتحسر الشعوب العربية عليها بعد أن فقدت الأمل فيها، وفي قراراتها ومخرجاتها، نظراً إلى إخفاقها طوال 67 عاماً في تحقيق أية حقيقة ملموسة، ولو على مستوى إقامة سوق عربية مشتركة!

أليست مثل تلك القمم التي لا تقدم ولا تضيف للشعب العربي «مشوهة» ولو حاولت أن تتجمل بكل المساحيق العالمية؟ لكونها لم تنجز شيئاً لمصلحة الإنسان العربي وكرامته وقيمته، بقدر اكتراثها بتكريس صورة الحاكم وعلاقاته وشعاراته التي لا تنجح حتى في حدود بلاده!

كم من السنوات العجاف نسمع عن أهمية العمل العربي المشترك؟ كم من السنوات نسمع عن التقارب وحلول الملفات العربية – العربية؟ كم مرّ من السنوات ونحن نسمع عن ضرورة قيام تجمع عربي فاعل ومؤثر يحقق طموحات الشعوب العربية وتطلعاتها؟

تستضيف الدوحة غداً وبعد غد، القمة العربية الـ24، ولا تزال التصريحات والتعليقات لم تخرج عن نمط تصريحات صاحبت قمماً سابقة، مثل انعقادها في ظروف حرجة واستثنائية، والتفاؤل بمشاركة قادة الدول العربية كافة، والتقارب بين الدول العربية في الملفات المطروحة أمام القمة. تكرار اللغة نفسها لا يفيد ولا يضيف، لذا آمل أن تتغير الصورة في الدوحة، وألا تمر كقمم عربية سابقة كانت تعقد ثم تقبر قراراتها في اليوم التالي من ختامها!

لتصبح اليد العربية من حديد يجب تكريس حلول عملية عاجلة لحقن حمام الدم في سورية أولاً، وإنقاذ الشعب من نظام مجرم يغتاله بالطائرات والدبابات والأسلحة الكيماوية. كما آمل بألا يجري الحديث عن القضية الفلسطينية طالما الفلسطينيون يصرّون على النزاع وتوسيع الخلافات الداخلية وزيادة الانقسام في البيت الفلسطيني، وأن يتركوا لأنفسهم من دون تدخلات، حتى يروا صورتهم عارية بعد أن جرّبوا المصالحة في غالبية العواصم العربية ثم نكسوا واستمروا في التقاذف بدلاً من التركيز على القضية واستعادة الأرض!

ربما من الأفضل أن يسأل الزعماء والقادة أنفسهم في جلسة مغلقة، ماذا أسقط صدام حسين ومعمر القذافي وحسني مبارك وزين العابدين بن علي وعلى السكة (قريباً) بشار الأسد؟

تجاوز مرارات وإحباطات وتراكمات العلاقات العربية – العربية، جزء من النجاح الذي سيجعل من القضايا العربية الساخنة المطروحة على طاولة القمة قضايا نافذة ومؤثرة في تغيير الواقع العربي وملامسة تطلعات وآمال الشعوب العربية، وتكريس طاقات الدول العربية لمواجهة التحديات والمخاطر والأزمات، خصوصاً قضايا النزاعات الأمنية والاجتماعية الطاحنة، التي جعلت من المنطقة بركاناً ينفجر طائفية ومذهبية وفئوية، إضافة إلى استغلال الأزمات السياسية والاقتصادية في أكثر من دولة عربية من قوى إقليمية لتحقيق مصالحها.

لا يمكن جعل العالم العربي قوة إقليمية لها استقلاليتها وآلياتها وقدراتها، بالشعارات والخطابات والبيانات مهما علت حدتها، فالقوة لن تتأتّى إلا بالعمل المشترك، والمواقف الموحّدة، والعدالة الاجتماعية وتكريس الحقوق الشعبية كاملة غير منقوصة للحفاظ على الهوية واستقرار المنطقة وأمنها، وإلا فالشعوب ثائرة ومتحفزة، وقادرة على تحطيم القبضات الأمنية، وفرض التغيير!

المصدر: صحيفة الحياة