المتورط الحقيقي في قضية “رهام”!

آراء

ذكرت وزارة الصحة في بيان لها صدر مؤخراً حول ملابسات قضية الطفلة “رهام الحكمي”، والتي نقل لها بالخطأ دم ملوث بفيروس مرض “الإيدز” في مستشفى جازان العام، أن ما حصل كان بسبب تهاون فردي بعدم الالتزام بتطبيق المعايير المعتمدة في بنوك الدم! وعليه تم إصدار عدة قرارات تتمثل في إعفاء بعض المسؤولين في مستشفى جازان، وتطبيق عقوبة الغرامة عليهم، بالإضافة إلى قرارات تتعلق بإجراءات تصحيحية لبنوك الدم في المنطقة.

وبهذا التصريح فإن الوزارة تحاول فصل المسؤولية عن الشؤون الصحية بالمنطقة أولاً، وعن الوزارة ثانياً، وذلك من خلال تحديد المسؤولية الفردية على فني المختبر والمسؤولية المعنوية على المستشفى، وهؤلاء يعتبرون الحلقة الأضعف في مراكز القوى في الإدارة الصحية.

هنا لا أنفي الخطأ الجسيم الذي ارتكبه فني المختبر، ولا أنفي مسؤولية المستشفى عن ذلك، فمن المعلوم أن المهن الصحية كغيرها من المهن لها قوانين ومعايير محددة‮ ‬يجب اتباعها، وفي‮ ‬حال مخالفتها تتم محاسبة الممارس الصحي سواء كان طبيباً أو فنياً، وهناك مسؤولية جزائية ومدنية إذا ارتكب أي‮ ‬خطأ طبي‮ ‬أدى إلى إلحاق الضرر بالمريض، ولكن أين هو الدور الرقابي والإشرافي والتنظيمي للشؤون الصحية والوزارة على المستشفيات وبنوك الدم؟‮

فالوزارة في تصريحها السابق لم توضح تفاصيل الخطأ الذي ارتكبه فني المختبر عند نقل الدم، ولم توضح ما هي المعايير التي خالفها، وإنما اكتفت بالقول بوجود “تهاون فردي”! ولو أن الوزارة أفصحت عن هذا كله لاتضحت مسؤوليتها حول ما حدث للطفلة “رهام”. واللافت للنظر أيضاً أن الوزارة قررت إعادة هيكلة إدارة المختبرات وبنوك الدم بالشؤون الصحية بمنطقة جازان، وتكليف الإدارة العامة بالوزارة لتشكيل إدارة جديدة بالمنطقة، وهنا أضع أكثر من علامة استفهام على هذا القرار، فبما أن الوزارة تقول إن ما حصل هو تهاون فردي، فلماذا تتم إعادة هيكلة إدارة المختبرات جرّاء ممارسة فردية لفني المختبر؟

لا شك أن المعايير المهنية المتعلقة بنقل الدم تهدف في الأساس إلى ضمان سلامة المريض. وعملية نقل الدم تنطوي على مخاطر الأحداث الضارة التي تشمل الأخطاء الطبية والتفاعل المصاحب لنقل الدم، وسريان العدوى. وأهم سبب من أسباب التفاعل الخطير لنقل الدم والوفاة، هو في الخطأ في نقل الدم نتيجة الأخطاء التي تحدث في إجراءات نقل الدم السريرية، مثل الخطأ في نقل دم ملوث والخطأ في التحقق من هوية المريض أو عينات ووحدات الدم، وأخطاء أخذ العينات والتوسيم ومناولة الدم بصورة غير سليمة، لذا نجد في جميع أقسام المختبرات وبنوك الدم سياسات وإجراءات تتضمن المعايير السابقة الخاصة بنقل الدم والتأكد من سلامتها، ولتطبيق هذه المعايير تتطلب وجود تخصصات طبية معينة، تبدأ من الطبيب المختص وتمر بالأخصائي والممرض أو الممرضة، والفني، ولكلٍ معيار مسؤول عن تطبيقه من هذه التخصصات، ليس هذا فحسب، بل تتطلب المعايير وجود أجهزة طبية متخصصة لإجراء الفحوصات اللازمة للدم. وبناءً على ما سبق، أطرح التساؤلات التالية على كل من الشؤون الصحية بمنطقة جازان، ووزارة الصحة:

• هل توجد سياسات وإجراءات معيارية وموحدة ومعلنة خاصة ببنوك الدم في المستشفيات؟ وهل تتوفر القوى العاملة والكافية والأجهزة الطبية اللازمة لتطبيق هذه المعايير في مستشفى جازان العام؟

• هل توجد نماذج معتمدة من الشؤون الصحية أو الوزارة توثق أعمال وأنشطة بنوك الدم في المستشفى؟

• هل قامت إدارة المختبرات وبنوك الدم في الشؤون الصحية بالمنطقة بجولات ميدانية وإشرافية لمتابعة أداء المختبر وبنك الدم في المستشفى؟ وهل توجد تقارير بذلك مرفوعة للإدارة العامة في الوزارة؟ وإن وجدت فما هي الإجراءات التصحيحية المتخذة في وجود ملاحظات أو مخالفات؟

الأسئلة السابقة في رأيي توضح مسؤولية وزارة الصحة وكذلك الشؤون الصحية تجاه المختبرات وبنوك الدم، ففي الواقع العملي نجد أن بعض المستشفيات توجد لديها سياسات وإجراءات، ولكنها غير كافية أو غير معتمدة، ومرجعيتها غير واضحة، كما أنها لا تطبق فعلياً، والسبب قد يكون في عدم إلمام العاملين بها في هذا المجال، وخاصةً فنيي المختبر بسبب ضعف التدريب وكذلك ضعف المساءلة، وإن وجد من يدرك هذه المعايير فإنهم يبررون عدم التطبيق بعدم توافر القوى العاملة الكافية بالرغم من إشعار الجهات المختصة بهذا النقص، لذا لا عجب أن نرى قيام فني المختبر على سبيل المثال بجميع إجراءات نقل الدم بالرغم من أنه غير مصرّح بذلك حسب المعايير المهنية، كما أن النقص الحاصل لا يسمح بإعطاء التدريب اللازم لموظفي المختبر وبنوك الدم.. وهذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى زيادة مخاطر الأخطاء الطبية في بنوك الدم، والهدف من المعايير هو تقليل هذه المخاطر وهذه الأخطاء.

إن ما حدث للطفلة رهام يعد من أخطر الأخطاء الطبية، وأكثرها وضوحاً في القطاع الصحي، ويعد مؤشرا على وجود خلل في تطبيق إجراءات وسياسات نقل الدم وتطبيق المعايير الخاصة بها والإشراف عليها، وهذا لا يقتصر على المختبرات وبنوك الدم فحسب، بل يشمل أيضاً التخصصات الطبية الأخرى مثل الأقسام العلاجية والتمريض والصيدلة والأشعة، ومكافحة العدوى في المستشفيات، فهناك العديد من المستشفيات في بعض مناطق المملكة تعاني من النقص في عدد الصيادلة والتمريض، وارتفاع معدلات العدوى وخاصةً في مراكز العناية المركزة، والتي تعد من الأسباب الرئيسية للوفيات في هذه المراكز.

وفي النهاية أقول نحن بحاجة إلى وجود مشروع نظام نقل الدم، بحيث يعمل على توحيد جميع أعمال وبرامج ونظم سياسات نقل الدم في المنشآت الصحية في المملكة ويعمل به كل فرد متخصص، والإسراع في تفعيل نظام الوقاية من العوز المناعي المكتسب “الإيدز” الذي أقر مؤخراً في مجلس الشورى.

المصدر: الوطن أون لاين