د. محمد العسومي
د. محمد العسومي
كاتب إماراتي

انعكاسات إلغاء «الشنجن»

آراء

من المعروف أن العلاقات بين بلدان الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تشكل أولوية للمجموعتين، وذلك بحكم العلاقات التاريخية وحجم المصالح المتبادلة التي يسعى الطرفان إلى تطويرها في شتى المجالات. ولا يخفى مدى تأثر هذه العلاقات وتراجعها النسبي خلال العقدين الماضيين، نتيجة لجملة من العوامل التي يتحمل الجانب الأوروبي المسؤولية الأولى عنها لاتباعه إجراءات تمييزية في علاقاته مع دول مجلس التعاون، وذلك على رغم حسن نوايا دول المجلس وحرصها على تنمية العلاقات بين الطرفين.

لقد ساهمت العراقيل الأوروبية في إزاحة بلدان الاتحاد الأوروبي من قمة أولويات التبادل التجاري بينها وبين دول المجلس لصالح بلدان أخرى، وإذا ما أخذنا جانبين فقط من هذه التغيرات التي فقدت من خلالها البلدان الأوروبية الكثير من المصالح، فإننا سنجد أن قطاعي التجارة الخارجية والسياحة في دول المجلس انتقل مركز الثقل فيهما من أوروبا إلى شرق آسيا، مع كل ما يعنيه ذلك من تأثيرات على العلاقات بين المجموعتين الأوروبية والخليجية.

وفي المجال التجاري، أزاحت عرقلة توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة تدريجياً بلدان الاتحاد الأوروبي من المركز الأول في تجارة دول المجلس لصالح الصين، حيث ارتفع التبادل التجاري بين دول المجلس والصين بنسبة كبيرة بلغت 16 في المئة في عام 2012 لتصل إلى 155 مليار دولار تشكل 50 في المئة من إجمالي قيمة التجارة الخارجية لدول المجلس، مقابل 20 في المئة فقط للدول الأوروبية.

وفي هذا الصدد يفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية تمييزية ضد المنتجات الخليجية، في الوقت الذي تعامل منتجاته في دول المجلس بالتساوي مع منتجات بقية بلدان العالم، وذلك على رغم المصاعب التي يضعها الاتحاد الأوروبي والتي ظلت تحول دون توقيع اتفاقية التجارة الحرة لمدة 25 عاماً تقريباً بين الجانبين.

أما في المجال السياحي وانتقال مواطني المجموعتين الخليجية والأوروبية، بمن فيهم رجال الأعمال والمستثمرون، فإن هناك تمييزاً آخر أدى بدوره إلى انتقال ثقل السياحة الخليجية من أوروبا إلى شرق آسيا التي تسمح لمواطني دول المجلس بزيارتها دون تأشيرة مسبقة، حيث اكتشف الخليجيون مع مرور الوقت تمتع بلدان شرق آسيا بمواصفات سياحية عالمية، وذلك إضافة إلى الانخفاض الكبير لتكاليف السفر إذا ما قورن بالتكاليف في البلدان الأوروبية، وبالأخص بعد ارتفاع قيمة سعر صرف «اليورو» والجنية الاسترليني.

لقد كان الخليجيون -ما عدا السعوديين- يزورون بريطانيا دون تأشيرة مسبقة لسنوات طويلة امتدت حتى أواخر الثمانينيات إلى أن تعقدت الأمور الإجرائية من الجانب الأوروبي في هذا المجال، كما هو الحال في التجارة، إذ أصبح الحصول على تأشيرة أوروبية عملاً مضنياً لا يستحق كل هذه المعاناة، وذلك إلى جانب نظرات الشك والتوجس التي لا معنى لها، هذا ناهيك عن استغلال مستويات المعيشة المرتفعة في دول المجلس لتبلغ قيمة التأشيرة البريطانية لمدة خمس سنوات أكثر من ألف دولار، في مقابل دخول الأوروبيين دول المجلس ما عدا السعودية بحرية تامة.

ولذلك تملك دولة الإمارات كل الحق في سعيها لإعفاء مواطني الدولة من تأشيرة «الشنغن» الأوروبية ومن التأشيرة المسبقة لبريطانيا ويتوقع أن تمتد لتشمل بقية دول المجلس التي تسمح بحرية الدخول لمواطني بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن لبلدان الاتحاد أن تطمئن، إذ لا يوجد من بين مواطني دول المجلس من يسعى إلى الهجرة إلى أوروبا، فالمستويات المعيشية في الدول الست، إما أنها أفضل من مستوى بعض بلدان الاتحاد أوروبي أو أنها في مستوى البلدان الغنية منها، مع ملاحظة غياب الضرائب على الدخل في دول المجلس.

ولذلك، فإن حل القضايا التجارية العالقة بين المجموعتين الأوروبية والخليجية، وبالأخص الإسراع في توقيع اتفاقية التجارة الحرة وإلغاء التأشيرات المسبقة من الجانب الأوروبي ستكون لهما انعكاسات إيجابية كبيرة على التبادل التجاري والسياحي بين الجانبين، وخصوصاً في ظل الأزمة المالية الطاحنة التي تعاني منها بلدان الاتحاد الأوروبي.

المصدر: جريدة الاتحاد