«بيت نصيف» علامة بارزة في تراثيات جدة

منوعات

جدة: سلطان العقيلي

«من زار جدة ولم يعرف بيت نصيف فقد ذهبت زيارته لهذه المدينة سدى».. بهذه العبارة بدأ محمد خويلد من دولة الكويت حديثه لـ«الشرق الأوسط» إبان زيارته لمدينة جدة أخيرا، ماضيا في القول بأن البيت الشهير يعد تراثا معماريا فريدا يعكس طبيعة مدن الحجاز ونمط الحياة القديمة البسيطة الممزوجة بالأصالة.

ويقع بيت نصيف في الحي التاريخي بوسط مدينة جدة، ويعبر هذا البيت عن حقبة تاريخية من حقب تطور الفن المعماري القديم في جدة، وهو أحد أهم المعالم الأثرية فيها، وقد اكتسب أهمية منذ أن نزل فيه الملك عبد العزيز على ضيافة صاحب البيت الشيخ عمر أفندي نصيف في عام 1925م.

ويعد «بيت نصيف» أول بيت يصمم بهذه الطريقة، إذ يعود تاريخ بنائه إلى عام 1872م، أي قبل أكثر من 135 عاما، واستمر بناؤه 7 سنوات، استخدم فيها حجر الكاشور أو المنقب الجيري مادة أساسية في البناء. والمنقب الجيري هو الحجر الجيري المرجاني الذي يجلب من شاطئ البحر الأحمر، وهي حجارة رملية هشة تحافظ على المنزل من البرودة والحرارة وتمتص رطوبة الجو، ويستخدم معها بياض المصيص الجيري ليمنع تآكل الحجر الجيري بسبب الرطوبة على مدار العام.

البيت يتكون من جزأين، الجزء الغربي يتكون من أربعة أدوار، والجزء الشرقي مكون من ثمانية أدوار ومخصص للنساء، وجرى تحويله إلى مدرسة نصيفية بموافقة الدولة.

وتبلغ مساحة البيت 900 متر مربع ويحتوي على أربعين غرفة، الدور الأول مخصص لاستقبال الضيوف والثاني لنوم الضيوف والثالث للأسرة، أما الرابع ففيه فجوات جدارية يسمونها «ملقف الهواء» لتلطيف الطقس، وهو المقعد المفضل لدى الأسرة في فصل الصيف. ومن الأشياء المميزة أيضا طريقة بناء الدرج التي تسمح بصعود الأدوار الأربعة بسهولة.

ويحتوي البيت على حمام تركي وصهريج في أسفله تجتمع فيه مياه الأمطار، كما ضم مكتبة عظيمة تضم آلاف الكتب القيمة في العلوم الإنسانية أهديت بعد وفاة عمر أفندي إلى جامعة الملك عبد العزيز.

ويتميز البيت بـ«الراوشين»، وهي عبارة عن التغطية الخشبية البارزة للنوافذ والفتحات الخارجية، ويعتبر الخشب هو العنصر الأساسي في تصميم هذه الرواشين، ويقال إن الشيخ عمر أفندي قام باستيراد كميات ضخمة من الأخشاب من الهند وإندونيسيا. وتعتبر النوافذ والرواشين وأبواب الواجهات والزخارف والنقوش من أهم المفردات المعمارية والجمالية التي تميز البيت.

ويعد آل نصيف من أشهر الأسر الحجازية التي سكنت مدينة جدة واستقرت فيها منذ مئات السنين، وكان ولا يزال لبعض رجالها مكانة رفيعة في الدولة والمجتمع، ولهم دور بارز يساهمون به في خدمة الوطن.

وقد أقام الملك عبد العزيز أثناء وجوده في جدة في بيت نصيف، وكان يستقبل كبار ضيوف الدولة في القاعة الكبيرة حيث يجلس فيها لسماع شكاوى الناس ومطالبهم، وشهد هذا البيت توقيع اتفاقية «تسليم جدة» بجانب العديد من الاتفاقيات الأخرى التي وقعها الملك عبد العزيز آل سعود مع بعض السفراء ومندوبي الدول ذات العلاقة مع السعودية. وتشتهر البيوت الحجازية في تلك الحقبة من الزمن بوجود ملحق خاص بمجلس الاستقبال يسمى «المخلوان»، وكان بمثابة قاعة الاجتماعات الخاصة التي ينفرد الملك عبد العزيز فيها ببعض ضيوفه وخاصته عندما كان يريد أن يبحث معهم أمرا لا يريد أن يطلع عليه سوى المعنيين بالأمر.

وحيث إن بيت نصيف من أشهر المعالم التاريخية في مدينة جدة فقد زاره الكثير من الرؤساء والشخصيات الهامة، على سبيل المثال الملك محمد الخامس ملك المغرب، والرئيس شكري القوتلي، والإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، ولورانس العرب، وعبد الله فيلبي، والكثير من العلماء والمفكرين والأدباء، ومنهم أحمد رامي. كما تحول إلى مزار سياحي هام يقصده زوار جدة.

وتقديرا من الدولة لقيمة البيت التاريخية فقد صدر أمر ملكي في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز بشراء البيت، وتحويل ملكيته لأمانة جدة للحفاظ عليه.

وقد شهد البيت العديد من التغييرات والترميمات التي نفذتها أمانة جدة على مدار السنوات الماضية قبل أن يجري تحويله إلى متحف ومركز ثقافي يعرض المقتنيات والصور التاريخية والمخطوطات ويصبح منارة يزورها الجميع، ومكانا لعرض العمارة القديمة والمهرجانات الوطنية والمحلية.

ويضم البيت حاليا معرضا للمخترعين المسلمين ومجسمات وصورا لملوك الدولة السعودية ومراحل توسعة الحرم المكي، ويحتوي الدور الثاني من البيت على المجلس الذي كان يجلس فيه الملك عبد العزيز عندما كان يقيم في هذا البيت.

ويجذب بيت نصيف حاليا الزوار من كل الأجناس، ويحرص هواة التصوير خاصة على التقاط صور تذكارية واحترافية داخله وخارجه، بل أصبحت هناك مسابقات خاصة بجوائز قيمة لأجمل الصور الملتقطة لهذا المنزل.

وتنظم أمانة جدة جدولا زمنيا لكل الفعاليات المقامة في هذا البيت نظرا لمكانته وقيمته التاريخية، حيث أشار المهندس سامي نوار مدير بلدية البلد بمدينة جدة إلى أن «منزل نصيف» يعد أيقونة بارزة في عالم التراثيات بالنسبة لمنطقة مكة المكرمة، لافتا إلى أن الأمانة تشرف باستمرار على عملية تنظيم تلك الزيارات وأخذ كل الأمور التطويرية في الحسبان خلال المرحلة المستقبلية.

المصدر: الشرق الأوسط