جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

تعرف إيه عن المنطق؟

آراء

أعترف ـ باعتباري ناشطاً تويترياً ـ أنني «أبلك» الكثيرين، ذلك أنني أستمتع بالكتابة والتواصل مع مئات الآلاف من الأصدقاء، ومن هم ليسوا بأصدقاء ولكني لا أراهم أعداء وإنما أصحاب وجهات نظر مختلفة، ولكني أضيق من الشتامين والثقلاء أحياناً، أعترف أنني قمت خلال ثلاثة أعوام من الحياة في «تويتر» بـ«تبليك» 1678 «متَوْتِراً» حتى تاريخه، و«التبليك» لمن لا يعرفه هو أن تضع حظراً على «متَوْتِر» فلا تسمح له بالدخول على مساحتك التي يسمونها في تويتر «المنشن».

ولا أعرف فيما إذا كان ذلك «البلوك» يؤدي إلى تشييد حاجز بيني وبينه فلا يقرأ لي ولا أقرأ له.

ثم وجدت بعضاً من هؤلاء «المبلكين» يشكون أنّي غير ديمقراطي وغير متسامح، وأضيق بالرأي الآخر، وهنا تظهر مشكلة في البنية الفكرية عندهم، فهم يحسبون أن السُباب والتجريح يدخل في دائرة «الحوار» وأنه مجرد «رأي آخر» ما يكشف عن سبب آخر لحاجتنا إلى تطوير مناهج التعليم في بلادنا.

في أمريكا، حيث درست بناتي بحكم عملي هناك فترة من الزمن كنت أسعد بالاستماع إليهنّ وهنَّ يتمرنَّ على درس «المناظرات»، فثمة حصة دراسية، بل ومسابقات في المناظرة، فيختار الأستاذ موضوعاً يحمل وجهين، فيختار كل طرف موقفاً وينافِح عنه، للإعداد للمناظرة يجب أن تجمع ليس فقط المعلومات التي تُحاجِج بها، وإنما «المنطق» الذي تؤسِّس به حجتك، وبالطبع فإن السُباب والتجريح مرفوضان في المناظرة، فهما يضعفان حُجَّة المناظِر.

كنت أستمتع بابنتي رزان وهي تقف في منتصف غرفة المعيشة وتلقي علينا خطبة تُدافع بها عن حق الطلبة في الحصول على قرض لإكمال تعليمهم، تُحاجج بها خصمها الذي لعبتُ أنا دوره، والذي كان يجادل أن الأزمة الاقتصادية تفرض على الحكومة أن تقتصد في إعطاء القروض، وكيف أن جزءاً كبيراً منها يذهب هدرْاً بسبب عدم قدرة الطلبة على تسديد قروضهم لأنهم لن يحصلوا على وظائف.

في الأسبوع التالي حضرتُ على مسرح المدرسة حفل المناظرات الكبرى، حيث يتناظر الطلبة أمام جمهور كبير، ما أصعبها من لحظات! أن تواجه الناس الذين يتابعون كل لفظ تلفظه، فإن أحسنت أحسنوا إليك وأعجبوا بك، وإن أسأت فعليها، طالبة ليبية كانت تناظر مدافعةً عن الحرية بإطلاقها حتى حرية الرأي المتشدّد المعارض لحقوق الإنسان والقيم الأساسية، فردّ عليها مناظرها قائلاً: «حسناً، من الطبيعي لمن نشأ في ليبيا التي يحكمها ديكتاتور ـ كان ذلك بالطبع قبل سقوط القذافي ـ أن يسمح بحرية الذين يريدون هدم القيم الأساسية لحقوق الإنسان»، فردّت عليه بهدوء: «لأنني نشأت في بلد حُرِمت فيه من الحرية، بتُّ أدافع عن الحرية للجميع»، فصفّق لها الجمهور، وسُجِّلت نقاطٌ لمصلتحها. «المبلكون» في بلادي يحتاجون إلى درس في المنطق، أوسع وأشمل ممّا يعرف سعيد صالح الذي ما فتئت معلمته سهير البابلي تسأله في مسرحية مدرسة المشاغبين: «تعرف إيه عن المنطق؟».

المصدر: مجلة روتانا