جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

جهاديو السعودية

آراء

في إطار حملة إعلامية متماسكة، دأبت صحيفة «الحياة» على نشر تجارب وقصص وسير جهاديين سعوديين، كاشفة عن الوجه المروّع الذي ينتهي إليه شاب ينجرف إلى مآلات التهلكة، ظناً منه أن ذلك جهاد ونصرة لدين الله. هذه الحملة فضلاً على كونها تحقيقاً لدور الإعلام، وضعتنا في مواجهة مباشرة مع هذا الهم الذي يزيد ولا ينقص، وجذبتنا تراكمياً إلى مراجعة عوامل وأسباب نشوء هذه التوجهات.

يلفت النظر في الحالات التي نشرتها «الحياة» التنوع الجغرافي والمناطقي للضحايا، ما يعني أن جذوة الإشعال لا تنحصر في بقعة واحدة أو في إطار مجموعة معينة. هذه علامة فارقة في أي نشاط ضديّ أو معارض، المستند إلى سرية المكان وانغلاقية دائرة العمل، ما يبرهن أن الفكر الجهادي منتشر حتى في القرى والمناطق الصغيرة، وأن له قابلية عريضة بين الشباب.

باستثناء مانع المانع (الذي نفر إلى داعش ثم عاد هرباً منها) فإن جميع الجهاديين المثبتين هم صغار السن.

قياساً إلى أن الإرهاب بدأ في السعودية عام 1994، ثم كشف عن تجذره في 2003، فإن الأكيد أن المعالجة الفكرية لهذا الخطر لم تكن أبداً على المستوى المطلوب، وما زالت المغذيات المحرضة تقوم بدور فاعل، وبعضها يقدم أطروحاته المتعاطفة علناً وفي شكل مباشر. مثل هذه الجرأة تعلن عدم اهتمام بردة الفعل الرسمية، كما أنها تشير إلى كثافة التحرك الباطني، وهو المؤشر الأخطر في ظل انتشار وسائل التواصل وتعددها، إذ لم تعد مقصورة على المكان فقط، بل أصبح فضاؤها مفتوحاً يطاول كل شاب، ويحدد له المشايخ الواجب الاستماع إليهم واتباع قولهم، إلى درجة تهميش المؤسسة الدينية التي عانت ضعفاً واضحاً منذ وفاة الشيخين ابن باز وابن عثيمين، باعتبارهما آخر مشايخ السلفية ذوي الثقل والتأثير والقيمة الفعلية عند جمهور الناس، ما فتح الباب لأصوات بديلة قدمت مشروع «فقه الواقع» وتبعاته الحركية، متناغمة مع روح الشباب ومتطلباته الجديدة.

من خلال رصد اهتمامات ضحايا الإرهاب يظهر اختلاف مستويات تعليمهم وتخصصاتهم، ما يعني إما أن التعليم أسهم في تأسيس هذه التوجهات عبر نوعية من المعلمين والمرشدين في مراحل التشكل الأساسية، وإما أن جاذبية هذا الخطاب تستقطب الشباب في ظل خطاب بديل.

المشكلة أنه لا دراسات تحلل هذه التحولات وتقدم حلولاً لها ما لم تكن سرية الطابع، وهي إن وجدت فإن أثرها لم يظهر فعلياً.

من خلال المواد المنشورة يتبين، ليس فقط سهولة التجنيد، بل وفرة وسائل الخروج، حتى إن بعضهم قتل بعد أيام من خروجه الحديث.

من المؤكد أن العائدين سيكشفون عن مراكز تجنيدهم وترحيلهم الداخلي، إلا أن ذلك لا يغلق الباب، لأن وسائل التغرير تجيء أحياناً من زملاء الخارج، ما يتطلب معالجة مختلفة تركز على إغلاق هذه النوافذ وليس انتظار شهادة عائد، ثم إن الحساسية الأمنية في التكتم على المعلومات لا تخدم في الحرب على الإرهاب، لأن الوسيلة الأقوى والأكثر تأثيراً للجماعات الإرهابية هي الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام.

السعوديون ليسوا أصلاً في الجماعات الإرهابية، لكنهم حطبها الأثير، لأن هذه الجماعات تجعلهم ضمن الكادر الأدنى، فهم وقود الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة، وهو ما يتفق مع أن حياتهم «الجهادية» لا تطول كثيراً ويكون الموت نهايتها الحتمية.

يجب الاعتراف بأن المشكلة ليست داخلية فقط، لأن المنضمين إلى الجماعات الإرهابية من كل جنس ولون، وأن مراكز التجنيد وصلت إلى واشنطن ودول أوروبا، لكن المهم إنقاذ السعوديين، وهو ما يتطلب عملاً موحداً متضامناً من جميع المؤسسات، وأن يكون الإعلام، بأنواعه ومستوياته، شريكاً فعلياً وليس مجرد ناقل خبر.

من يظن أن من أسهم في صناعة الإرهاب هو الوحيد القادر على نسفه خاطئ، لأنه يسلم جميع أدواته إلى جبهة واحدة ربما تكون لها حساباتها الأخرى، كما أنه يضيّق دائرة الفعل ويجعلها رهناً بمدى استجابة وتعاون هذه الجبهة، بينما القنوات الأخرى مهمشة ومعزولة.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser/4045822