دراسة سعودية تنبه إلى ضرورة تعزيز الأمن الفكري في التعليم

منوعات

طالبات في إحدى المدارس السعودية

مع دق أجراس المدارس إيذانا ببدء العام الدراسي الجديد في السعودية، الذي انطلق أمس الأحد، ومع توجه أكثر من 6 ملايين طالب وطالبة إلى مقاعد الدراسة، ووسط أحداث محلية وعربية وإقليمية وعالمية غاية في الصعوبة، وقضايا ومستجدات متسارعة، وأعمال عنف وقتل في دول الجوار، كان لبعض السعوديين حضور فيها، دقت دراسة سعودية جرس الإنذار بخصوص الأمن الفكري، والمفاهيم الشرعية الخاطئة التي أسيء فهمها عند كثيرين، مما ولد انحرافا فكريا، واستغلالا للشعائر الدينية، كالجهاد والدعوة إلى الله، وإقامة شرعه في الأرض، أو إعادة مجد الأمة، واستخدامها غطاء لأعمال العنف والإرهاب.

وأكدت الدراسة أهمية حفظ الشريعة للضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، مبينة مدى ارتباط حفظها بتحقيق نهضة الأمة ونمائها، وناهية عن التفريط في حفظ هذه الضرورات، لافتة إلى الكثير من النصوص الشرعية التي تسهم في حفظ هذه الضرورات الخمس، التي تحمل في طياتها مفاهيم عميقة لتعزيز أمن المجتمعات الفكري ومحاربة أي شكل من أشكال الانحراف الفكري.

وفي دراسته اللافتة التي عنونها بـ«تصور استراتيجي لتعزيز الأمن الفكري من خلال مناهج التعليم الثانوي السعودي.. مقررات العلوم الشرعية أنموذجا»، وقدمها لنيل رسالة الماجستير في العلوم الاستراتيجية من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أوضح الباحث عبد العزيز بن حسين العنزي أن هذا العصر عصر مضطرب والعالم الثالث مهدد في أمنه عامة وأمنه الفكري خاصة، والسعودية لست بمنجاة من هذا التهدد إذا لم توظف جهودها في تربة أبنائها تربة إسلامية صالحة، مشددا على أن من أعظم مهددات الأمن الفكري هو الانحراف الدني واختلال الوضع الاجتماعي وضعف التربة، كما أن ضعف الأمن الفكري عرض المجتمع لأن كون نهبا للأطماع الخارجة، كما بيّن الباحث أن مقررات العلوم الشرعة في المرحلة الثانوة لها دور كبر في التصدي لأسباب الانحراف الفكري وترسخ أمن المجتمع، معتبرا أن القم الإسلامية مكن أن تكون أداة بناء لا هدم إذا ما درِّست تدرسا مستقما.

وأوصت الدراسة بضرورة إعادة صاغة مقررات العلوم الشرعة لتجمع بن الجانبن النظري والعملي، لصبح الإسلام متجسدا في حاة الناس وخادما لها، مع ضرورة تأهل المعلم، وبخاصة معلم مقررات العلوم الشرعة، تأهلا جعله قدوة لما دعو له، والتأكيد على ضرورة الشراكة بين المدرسة والمجتمع؛ تحقيقا لمبادئ التكافل والتعاون والتكامل الإسلامي.

وسعت الدراسة إلى تعزيز الأمن الفكري في شريحة من المجتمع السعودي تمثل 25 في المائة من السكان، ألا وهم الطلاب والطالبات في المرحلة الثانوية، وهي مرحلة المراهقة التي قد تصبح عامل بناء في المجتمع أو عامل هدم، ولا يتحقق الأول إلا بتطور المناهج الدراسية من خلال تصور استراتيجي يصون الأمن الفكري.

وقدمت الدراسة تصورا استراتيجيا لتعزيز الأمن الفكري، من خلال محاور عدة؛ حيث أكدت الدراسة أن التطور السريع الذي حصل في المجتمع السعودي المعاصر من حيث المستوى الثقافي، والاقتصادي، والتقني وأساليب الحياة اليومية، ووسائل العيش والمواصلات، والاتصالات، والتوسع العمراني في المدن والقرى، كذلك الانفتاح العالمي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، كان له أثر كبير على العادات والتقاليد الاجتماعية، وهذا مما يستوجب إعادة النظر في المناهج الدراسية وتطويرها لتواكب التقدم العلمي والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات المحلية والعالمية.

واعتبرت الدراسة أن هذا التصور الاستراتيجي الذي يهدف إلى تعزيز الأمن الفكري في المناهج الدراسية، يدعو إلى توفير مناهج تربوية تعليمية متكاملة ومتوازنة ومرنة ومتطورة، تلبي حاجات الطلاب ومتطلبات خطط التنمية الوطنية واحتياجات سوق العمل الحالية والمستقبلية، مستوعبة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، ومحققة التفاعل الإيجابي الواعي مع التطورات التقنية والاتجاهات التربوية الحديثة، متمسكة بالقيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة ومبادئ الولاء والمواطنة الصالحة، وذلك من خلال إكساب الطلاب المعارف والمهارات وأنماط السلوك النافعة اللازمة للحياة والتعايش الاجتماعي، التي تقوده إلى التفكير والتأمل والتدبر والتعلم المستمر باستخدام التقنيات ومصادر التعليم المختلفة، فالمناهج الدراسية بحاجة إلى تطوير يشمل جميع عناصرها، وفق أحدث النظريات والأساليب التربوية والعملية المعاصرة، حيث تتولى وزارة التربية والتعليم، بالاشتراك مع مختلف المؤسسات التعليمية والأكاديمية الوطنية الحكومية والأهلية عمليات تخطيطه وتنفيذه وتقويمه.

وزادت الدراسة: «ينبغي أن تحقق مقررات العلوم الشرعية ما يسهم في التنمية المستدامة الشاملة المبنية على الجانب العملي للفكر الإسلامي، فالإسلام يجمع بين الإيمان والعمل، والإيمان الذي لا يحقق الإعمار المادي نقص؛ لأن الإسلام يجعل العمل والإنتاج والإبداع من القيم الإسلامية والأسس التي يحاسب الله الإنسان عليها، ولهذا حث الله – سبحانه وتعالى – الإنسان على إعمار الأرض التي استخلفه عليها، واستثمار كنوزها وثرواتها».

ويرى الباحث العنزي أن من أهم الوسائل الاستراتيجية التي يجب أن يعتمد عليها التعليم اليوم التخطيط الاستراتيجي الذي يدرس واقع التعليم بكل أبعاده ومظاهره من قوة وضعف وفرص وتحديات، ويبني التصورات والأهداف المستقبلية بناء على دراسته لهذا الواقع، ثم يضع الخطط المستقبلية، وفقا لآيديولوجية المجتمع، بعيدا عن الارتجال أو السطحية، وبعيدا عن تجاهل التحديات أو إهمال الفرص المتاحة، مع الاهتمام باستخدامات العلوم الاستراتيجية في التعليم، والاستفادة منها في تطوير التعليم بمختلف جوانبه، سواء من حيث التنظيمات واللوائح، أو من حيث المناهج الدراسية ومواد التعلم، أو من حيث الإمكانات الفنية والتقنية.

كما يرى الباحث أن من هذه الوسائل الاهتمام باستراتيجية التعلم، والاعتماد عليها أسلوبا من أساليب تطوير مواد التعلم، وهي كل ما يتعلق بأسلوب توصيل المادة للطلاب من قبل المعلم لتحقيق الهدف المنشود، وتعمل الاستراتيجيات على إثارة تفاعل ودافعية المتعلم لاستقبال المعلومات، وتؤدي إلى توجيهه نحو التغير المطلوب.

ويوضح الباحث العنزي أن عملية التعليم ترتكز كليا على مجموعة من الاستراتيجيات الحديثة، مثل استراتيجية التعليم التفاعلي والتعليم غير المباشر والتعليم الذاتي، بالإضافة إلى تطوير الاستراتيجية التقليدية المبنية على التعليم المباشر، لافتا إلى أن لهذه الوسائل التعليمية دورا ملموسا وأهمية بالغة إذا أحسن استخدامها، فهي تقدم للتلاميذ أساسا ماديا للإدراك الحسي، وتثير اهتمامهم كثيرا وتجعل ما يتعلمونه باقي الأثر، وتقدم خبرات واقعية تدعو التلاميذ إلى النشاط الذاتي، وتنمي فيهم استمرار التفكير، وتسهم في جعل ما يتعلمونه أكثر كفاية وعمقا وتنوعا. واستخلص الباحث من هذه الدراسة مجموعة من النتائج، لعل أهمها التأكيد على أن مخرجات التعليم لا تزال تحتاج إلى إعادة صياغة المناهج، حيث تتلاءم مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وما تحتاج إليه التنمية الشاملة، اقتصاديا واجتماعيا، من كوادر وطنية تحل محل الكوادر الوافدة، وهذا الخلل أدى إلى رفع معدلات البطالة بين الشباب السعودي، ولا سيما أن البطالة والفقر من العوامل التي تهيئ بيئة خصبة يستغلها الفكر المنحرف والإرهاب.

كما أكدت الدراسة أن العالم في ظل العولمة يشهد تحولات كبرى؛ حيث تؤثر قيم الحضارة الغربية على الثقافات الأخرى، وبخاصة الثقافة الإسلامية والمجتمعات الإسلامية، مما يفرز عاملا من العوامل المحفزة للفكر المنحرف ويقود إلى اضطرابات سياسية، وهذا ما يشاهد الآن في دول الجوار العربية من فتن واضطرابات، جعلت منها ميدانا للإرهاب، ويصبح هذا أحد مهددات الأمن الفكري ونشر الفكر المنحرف الذي لا بد من مكافحته من خلال مقررات العلوم الشرعية.

ورأت الدراسة أنه منذ البداية بُنيت مقررات العلوم الشرعية في التربية والتعليم لتحصين المجتمع من الانحراف الفكري، وتعزيز الأمن الفكري، وسعت لترسيخ المنهج الإسلامي المبني على الاعتدال والوسطية والاستقامة، مشددة على أن القيم الإسلامية يمكن أن تكون أداة بناء لا هدم إذا ما دُرِّست تدريسا مستقيما.

وخرجت الدراسة بتوصيات عدة، تمثلت في المطالبة بإنشاء إدارة استراتيجية مختصة على درجة عالية من الكفاءة، للإشراف على تصميم المناهج الدراسية وتطويرها، ومقررات العلوم الشرعية خاصة، ومراجعتها مراجعة دورية، مع الحرص على التجديد المستمر لأعضائها لتكون قادرة على مواكبة آخر المستجدات والتطورات، وإنشاء مراكز متخصصة تهتم بالأبحاث والدراسات التربوية والتعليمية، وتشجيع الجامعات ومراكز الأبحاث على استثمار أبحاثها لخدمة التربية والتعليم، وبخاصة المتخصصة في مقررات العلوم الشرعية لدراسة دورها في ترسيخ الوحدة الوطنية، وتأمين المجتمع فكريا، ومحاربة الانحرافات، ونبذ التطرف.

كما أكدت الدراسة أهمية صياغة مقررات العلوم الشرعية لتجمع بين الفكر النظري والتطبيق العملي للقيم الإسلامية، وهذا الجانب هو ما تسعى إليه هيئة الجودة والاعتماد الأكاديمي، مع ضرورة تأهيل المعلمين، خصوصا معلمي العلوم الشرعية، تأهيلا يجعل منهم قدوة لما يدعو له، إضافة إلى أهمية تحقيق تعاون جميع الجهات الحكومية، وتضافر جهودها لبناء أنظمة إدارية متطورة للقضاء على المشكلات الإدارية في التعليم، والتقليل من البيروقراطية والتخبط الإداري، والهدر في الموارد، مع زيادة التعاون والتنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمراكز البحثية المختصة في قضايا الأمن الفكري كمركز الدراسات والبحوث في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.

ورأت الدراسة ضرورة تأسيس قنوات إعلامية تعليمية تساعد وزارة التربية والتعليم في إيصال رسالتها، وتحقيق أهدافها التربوية والتعليمة، وتشكيل مجالس تربوية لكل مجموعة من المدارس المتجاورة جغرافيا، يشترك في عضويتها مديرو المدارس وأولياء الأمور وعمد الأحياء، وتكون تحت إشراف مكتب التربية والتعليم، ويسهم في تفعيل أنشطتها المعلمون ولا سيما معلمو العلوم الشرعية.

وأوصت الدراسة بضرورة أن يكون هناك تنسيق مشترك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية لإطلاع الأولى على آخر المستجدات المتعلقة بمهددات الأمن الفكري، التي يمكن أن ينعكس أثرها السلبي على سلوك الطلاب، والعمل على إيجاد أساليب حديثة معاصرة لمواجهة هذه المخاطر، مع العمل على إيجاد تعاون بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية للوقوف على المشكلات المؤثرة على الفرد والمجتمع والمهددة للأمن الفكري ومعالجتها معالجة سريعة ومستمرة، وحثت الدراسة على استقطاب خبراء دوليين مختصين في شؤون تطوير التعليم من الدول المتقدمة، والاستفادة منهم في هذا المجال، والعمل على تطوير التعاون بين الدول في مجال الأبحاث المرتبطة بالتعليم، عن طريق تبادل الأبحاث والباحثين في المراكز البحثية الدولية.

وشددت الدراسة على ضرورة الاستفادة من وسائل التقنية الحديثة وتجنيدها لمواجهة مخاطر الاستخدام السيئ لهذه الوسائل، والعمل من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بما يخدم البيئة التعليمية بإطلاق الكثير من المشروعات والمبادرات التربوية والتعليمية، والعمل على تعزيز التعاون بين وزارة التربية والتعليم وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ولا سيما كلية العلوم الاستراتيجية، لاهتمامها البالغ بقضايا الأمن الإنساني عموما والفكري خصوصا، ولتمكين الوزارة من الاستفادة من العلوم الاستراتيجية في تطوير التربية والتعليم.

المصدر: الرياض: بدر الخريف – الشرق الأوسط