عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي
في اليوم نفسه (الخميس 25/4/2013) أرسل أحمد معاذ الخطيب (الحَسَني) رسالة طويلة للسيد حسن نصرالله بشأن تدخل «حزب الله» في القتال ضد الشعب السوري إلى جانب الأسد، وأرسل «حزب الله» طائرة من دون طيار (هي الثانية) لاختراق أجواء الكيان الصهيوني. وبالطبع فإن الرسالتين مختلفتا المصدر والهدف. معاذ الخطيب، الرئيس السابق لائتلاف المعارضة والثورة في سوريا، والذي يلقّب نفسَه بالحَسَني (أي أنه من سُلالة الحسن بن علي مثل نصرالله) يُعاتب الأمين العامَّ لـ«حزب الله» لمشاركته في قتل السوريين، والحزب (ومن ورائه إيران) بإرساله الطائرة الجديدة يهدّد إسرائيل بالحرب!
تتضمن رسالة الخطيب النقاط التالية:
– إنّ الحزب يعتدي على السوريين من دون داعٍ ولا مبرِّر.
– وإنّ السوريين في حرب تموز عام 2006 عاملوا الحزب وأنصارَه الذين لجأوا إليهم بطريقة أفضل بكثير.
– وإنّ «أعذار» الحزب للتدخل بالدفاع عن الشيعة في سوريا غير صحيحة؛ فإذا كان هناك شيعة في بعض قرى القُصير، فليس هناك شيعة في ضواحي داريا، حيث يقاتل الحزب ويرفع أعلامه!
– وإنّ الحزب بتدخُّله القاتل يزيد من احتمالات الفتنة بين السنة والشيعة، واحتمالات تطور النزاع المستمر منذ أكثر من ألف عام. وكلام الشيخين اللبنانيين، الأسير والرافعي، عن الجهاد، ينبغي فهمه كردة فعل على مغامرات الحزب غير المقبولة.
وبالطبع ليس من المنتظر أن يستجيب نصرالله لرسالة الخطيب فيسحب قواته من سوريا، إذ لا اعتبار عنده لمخاوف الفتنة أو الحرص على عدم سفك الدم؛ بل الاعتبارُ الأول عنده لتوجيهات الولي الفقيه الإيراني، وقد زاره نصرالله الأسبوعَ الماضي وتصور معه ونشر ذلك في الصحف على سبيل التبجُّح من جهة، وإعطاء ثقة لأنصاره من جهة ثانية. فالولي الفقيه الذي صنع الحزب وأَوصله إلى هذا الموقع للتحكم بلبنان وسوريا، لن يتركه يخسر، وهو أدرى بأسباب التدخل في سوريا، وستبقى «الانتصارات» على طول الخط!
وهنا تقع الصلة بين رسالة الخطيب ورسالة الطائرة من دون طيار. فنصرالله في الأعمّ الأغلب لم يذهب إلى إيران من أجل بعث الطمأنينة في نفوس أنصاره وحسْب؛ بل ولأن الإيرانيين وسط الضيق الذي يحوطُهُم، يفكرون بالهروب إلى الأمام: فلديهم الحصار القاسي المفروض عليهم بسبب النووي والذي تعثر التفاوُضُ حوله، دون أن ينقطع أملُ الأميركيين والإسرائيليين في إغراق إيران دونما خسائر عليهم. والإغراق يكون بالمزيد من التوريط في العراق وسوريا ولبنان، أو بدفع إيران للهروب نحو الأمام عبر شنّ الحرب على إسرائيل بواسطة «حزب الله». ويبدو أنه في حسابات إيران؛ فإن الاستنزاف الذي تتعرضُ له بسبب الحصار، وبسبب مشاركتها في الحرب ضد الشعبين السوري والعراقي، لا يمكن الاحتمال للعام الثالث أو الرابع. ولذا فإن الحرب وبغض النظر عن نتائجها المباشرة، سوف تغيّر الموضوعات، وقد تدفع الأطراف الدولية لعرض شروط أفضل على إيران لجهة النووي أو لجهة مناطق النفوذ.
والواقع أن الموضوعين السوري والعراقي مختلفان، وإنْ حاول نصرالله الخَلْطَ بينهما؛ إذ يقال إنه ذهب في لقاء مع كوادر الحزب المتذمّرين من كثرة الخسائر في الأرواح في سوريا للزعم بأنّ القتال في القصير ضروري، لكيلا نضطر للقتال دفاعاً عن النجف وقُم! وهو بذلك يريد أن يُدخل في أذهان الشيعة في المنطقة أنهم يواجهون خطراً وجودياً من «التطرف السني» ويكون عليهم القتال في سوريا والعراق (وربما في لبنان) دفاعاً عن الأنظمة والأحوال الحاضرة، حتى لا يواجهوا إذا زال المالكي والأسد أخطار الإبادة! وهذا بالفعل كلام -إن صحَّ- فهو غير مسؤول. فلا الشيعة ولا إيران واقعان في مواجهة أخطار كبرى، لا من السنة ولا من الولايات المتحدة. بيد أن إيران حوَّلت المشرق العربي إلى مناطق نفوذ ما استطاع الهربَ منها جزئياً أخيراً غير الفلسطينيين، عندما غادرت «حماس» سوريا! وقد حدث ذلك من قبل مع عرفات الذي هرب إلى أوسلو من حافظ الأسد! ولا خطر على الشيعة في العراق بالطبع، لكن إيران تدرك أنها لا تستطيع الاستمرار في السيطرة على القرار بوجود الأكراد والسنة. ولذا فالذي أراه أن الضغوط الحاضرة هناك الهدف منها الوصول إلى اعتبار التقسيم حلاً مثالياً. فتقوم الدولة الكردية، وينقسم السنة إلى «أقاليم». لكن الإيرانيين يغامرون بذلك بأن تقوم دولة كردية بجوار داخلهم الكردي أيضاً تدعمها تركيا وأميركا وإسرائيل. كما يغامرون باندلاع حروب أهلية بين السنة والشيعة على المناطق وحدودها لا تنتهي أيضاً. إنما إذا كانت إيران لا تهتم بالفوضى في الجوار باعتبار الهدف الأعلى تقسيم العراق وإضعافه؛ فقد يحدث ما ذكرناه في الأمد المنظور.
والأمر على خلاف ذلك في الحالة السورية. فإيران تسيطر على مفاصل القرار السوري منذ أواخر أيام حافظ الأسد، وبشار الأسد ما حكم على الإطلاق، وإنما استمتع بأموال النفط وشركات الاتصالات. وهذا «المحور» الاستراتيجي مهدَّد إذا زال النظام السوري لأن أموالاً هائلة استُثمرت فيه، ومنظومة كاملة بُنيت عليه. وهناك كلام عجائبي الآن عن أن سوريا ليست سنية، لأن فيها شيعة لهم مزاراتهم المقدسة، وفيها علويون هم شيعة في الأصل. ثم إن إيران (وحزب الله) تحمي المسيحيين في سوريا ولبنان من السنة! وقد أجمع رجال الدين المسيحيون الكبار في السنتين الأخيرتين، في سوريا ولبنان، على دعم الأسد ونظامه، وأشادوا بالتسامح الشيعي والإيراني في مقابل «التعصُّب» السني! وهذه بالطبع أوهام لستر فشل سياسات تمت في العقد الأخير من السنين، وقام بها الحرس الثوري ونجاد، إنما بتوجيهات وموافقات من خامنئي بالطبع. لقد امتدت إيران امتداداً شاسعاً لجهة المشرق العربي وصولاً للمتوسط، ووضعت جيباً لها في غزة عند البحر الأحمر وسيناء وعلى خطوط تماس حساسة بين مصر وإسرائيل والسودان. وهي تُعاني اليوم استنزافاً رهيباً على كل الخطوط. فحتى في لبنان، وإضافة إلى عشرات المليارات التي أنفقتها على الحزب، أنفقت مليارات أخرى على عون وأنصاره، وعلى الفرقاء الصغار الآخرين حتى من السنة. وهي اليوم بين أحد خيارين: إما الاستمرار في دعم الأسد وإبقائه في السلطة هو وعلويوه ظاهراً، وهذا يعني المزيد من الاستنزاف المالي والعسكري والسياسي، كما يعني إضعاف «حزب الله» وإفشال تجربته، وبخاصةٍ إذا امتد الصراع إلى لبنان أو شنّ الحزب حرباً على إسرائيل. إذ هذا هو الذي حصل عام 2006 وقد أفادت منه إيران كثيراً كما هو معروف. فبعد ذلك العام أطلقت أميركا بشكل من الأشكال يد إيران في المنطقة، شريطة عدم التحرش بإسرائيل ثانية، وعدم تخريب العملية السياسية في العراق بعد إعطاء طهران أرجحية فيه بتثبيت المالكي. ويتبادل «الشريكان» الاتهامات منذ مدة: من الذي خرج على «الاتفاق»؟ ويرى الأميركيون أن الإيرانيين خرجوا على الاتفاق في كل الأمور: التصعيد في النووي، وتخريب العملية السياسية بالعراق، والتدخل العسكري في سوريا. ويرد الإيرانيون بالتهديد والوعيد بالحرب، وقد يعتقدون أن الغرب والعرب يتراجعون في النهاية، كما حصل من قبل في مناسبات عدة.
الخطيب يدعو نصرالله لحل داخلي على مستوى الشيعة والسنة، والشعوب والبلدان المتجاورة. ونصرالله يعتبر أنه يملك غَلَبة بالداخل ولا يأبه بالخطيب ولا يلتمس المصالحة معه، بل يريد الحصول على مشروعية لهذه الغَلَبة من أميركا وإسرائيل، ولو بالحرب!
المصدر: جريدة الاتحاد