جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

سورية… من سيء إلى أسوأ

آراء

الوضع في سورية سيء، ولكن من الممكن أن يكون أسوأ، فالشتاء قادم ومعه المزيد من القتل والمعاناة. حروب أهلية صغيرة داخل الحرب الأهلية الكبرى، كانتونات ومناطق نفوذ، موانئ غير شرعية، جباية ضرائب خارج سلطة الدولة المنهارة والائتلاف الوطني البديل، صراع للسيطرة على هذه الموارد، مذابح ومزيد من المذابح الطائفية وما يتبع ذلك من تهجير، ثم يطفح كل هذا على الجيران وبخاصة في لبنان الضعيف، ربما الأردن أيضاً.

يجب الاستعداد جيداً لذلك «اليوم الأسود»، ولكن من الأفضل أن نسعى لمنع حصوله، فذلك أفضل من الانتظار حتى يقتنع الروس أن النظام الذي يدافعون عنه قد انهار حكماً، وعليهم تغيير موقفهم لإنهاء معاناة الشعب، وحتى يبدأ الأميركيون بتنفيذ «المرحلة التالية» من خطتهم التي لا نعرف عنها الكثير. ليت جيران سورية يدركون أن عليهم فعل شيء، ولو خارج المنظومة الدولية لأنهم أول المتضررين.

يعلم كل أصدقاء سورية أن النظام لم يعد نظاماً، وإنما أصبح مجرد ميليشيا ولكن لديها سلاح طيران، النظام مهترئ، يقف على الحافة، سيسقط بسرعة، بتدخل إقليمي حازم (طالما أنه من المتعذر اتخاذ موقف دولي)، ولكنهم لا يزالون يدورون في حلقات مفرغة! هل يعقل أن يكون السبب الحقيقي هو خلق دولة فاشلة أخرى – بعد العراق – في المنطقة كخدمة استراتيجية لإسرائيل؟

إذا كان هذا الاحتمال ممكناً في الحالة الأميركية، فإنه غير متوقع من الدول الإقليمية الثلاث (السعودية ومصر وتركيا) صاحبة المصلحة في وجود سورية قوية ومستقرة، تخرج من أزمتها متماسكة وإن كانت مثخنة بالجراح، لتكمل الشراكة الإيجابية المتوقعة بينهم، إذن من الحكمة أن يتحركوا بسرعة.

أما إذا استمرت الأزمة السورية تُرحل من اجتماع أصدقاء سورية في باريس إلى أصدقائها في تونس إلى الانتخابات الأميركية إلى الاجتماع الخليجي الروسي في الرياض (الأربعاء الماضي)، فإن حالة التعفن في الداخل السوري لن تنتظر مجريات هذا الاجتماعات، وإنما ستزداد وتيرتها وبسرعة أكبر، فخطر تقسيم جارتنا سورية بات حقيقياً، وكذلك حرب بين «الجيش الحر» والأكراد، وما سيتبع هذا وذاك من تدخلات أجنبية، وطفح الصراعات إلى دول الجوار.

بدأت خرائط تتداول بين المهتمين بالشأن السوري تشرح احتمالات التقسيم القادم والذي يعد «الخطة ب» للنظام وحلفائه، فإيران لا تريد أن تستسلم لكابوس انهيار هلالها الشيعي الذي أوصلها لأول مرة منذ 3000 عام إلى البحر المتوسط، وضمان مستقبل استثمارها الأهم هناك («حزب الله») – الذي سيختنق لو انهار النظام وترك الدولة السورية متماسكة موحدة بيد الغالبية السنية، فيعود طائفة وسط محيط سني، إنها مستعدة أن تعاند التاريخ والجغرافيا من أجل أوهام، خطتها والنظام في تأمين منطقة تمتد من غرب دمشق حتى الحدود اللبنانية بضمان المنطقة والقرى على طريق الشام الشهير الواصل إلى بيروت، ومن هناك إلى جبال العلويين، وما يتبع ذلك من ضرورة إجراء عمليات «تطهير عرقي» في الساحل السوري حيث غالبية سنية معادية بالتأكيد لهذه الدولة العلوية، ما يفسر استعداد بلد بعيد وهو اليونان لتجهيز معسكرات لاستقبال نحو 20 ألف لاجئ سوري في جزيرة رودس، ولكن ثمة دور عسكري لـ «حزب الله» في هذه الخطة، فالغالبية السنية في وادي خالد في طرابلس وشمالها تحول بينه وبين «جماعته» في جبال العلويين ودولتهم الحديثة الولادة، عليه أن يحارب في شمال لبنان لضمان طريق أو منطقة آمنة إليها.

تخيلوا ذلك الكم الهائل من الأخبار السيئة التي ستتوالى علينا لو شرع النظام المنهار وحلفاؤه في تنفيذ مخطط غبي كهذا! بينما ننتظر اجتماعاً دولياً آخر حول سورية في مكان ما حول العالم الحر.

لا يقولن أحد «مستحيل»! فكل ما يحصل الآن كان مستحيلاً قبل أعوام قليلة.

لن يقتصر الأمر على لبنان إقليمياً. العراق الشيعي مستعد للمشاركة، فنحن جميعاً ننزلق طائفياً، فمثلما هناك معلومات عن متطوعين عرب في صفوف الثورة السورية، شكل الشيعة العرب «كتيبة أبو الفضل العباس» لتقاتل مع النظام، يقول قائدها «أبو هاجر» العراقي إنها تضم 500 عنصر من العراقيين والسوريين والعرب الشيعة بالطبع. إنهم لا يرون هناك شعباً يريد الحرية، ولا ديكتاتوراً يقتل شعبه، وإنما نظام يكمل حلمهم في تحقيق زمن الشيعة الذي ينهي ما يعتبرونه مظلمة وقعت عليهم منذ 1400 عام جارٍ تصحيحها، ويرعبهم أن ينهار هذا الحلم. بالطبع هم شيعة أصوليون، مخيف أن نرى في سورية سعودياً مع «جبهة النصرة» يقاتل سعودياً آخر ولكن شيعياً مع «كتيبة أبو الفضل العباس»!

بعيداً إلى الشمال والشرق، بل حتى في الدوحة، بدأت الإشكالات بين الثوار والأكراد، فالنظام ترك للأكراد وأحزابهم إدارة مناطقهم، وسحب قواته منها. «الجيش الحر» لم يرَ ذلك انضماماً للثورة، فصور بشار وأبيه وشعارات الحزب لا تزال موجودة في تلك المناطق، ولم يرَ في موقف الأكراد غير استغلال للموقف، يعززون قواهم ويحمون مناطقهم ويراقبون من يخرج منتصراً، فعمد بعض من عناصره إلى «تحرير» حي الأكراد في حلب وقرى شمال شرقي البلاد، وهو ما أدى إلى مواجهات معهم، فهم يرون أن مناطقهم «محررة ولا تحتاج إلى أن تحرر مرة أخرى»، وأنهم مع الثورة وإن لم يشاركوا في القتال، ولكن لا يجوز للثوار العرب السنة أن يدخلوا مناطق الأكراد مثلما لا يجوز للأكراد أن يحرروا حمص مثلاً. من الواضح أن الأكراد أو بعضهم لا يزالون يرون أنفسهم أكراداً بهوية عابرة لـ «الإقليم السوري»، لا مواطنين في دولة سورية تولد من جديد، وقد ظهر ذلك الأسبوع الماضي في الدوحة عندما تأخروا عن ترشيح نائب لهم في الائتلاف الوطني الذي تريده المعارضة السورية – والولايات المتحدة – أن يكون الممثل الوحيد للثورة السورية، ولم يحلّ هذا الإشكال بعد.

وبينما يحاول الطرفان ضبط النفس، تستمر الاشتباكات حتى وصلت غرب سورية على الساحل في ذلك الشريط الضيق بين هاتاي التركية وجبال العلويين، حيث يخشى «الجيش الحر» وربما تركيا أن يكون من أسبابها سعي الحزب الديموقراطي الكردي القريب من حزب العمال الذي تحاربه تركيا، إلى البحث عن موطئ قدم له على البحر.

ما المخرج من كل هذه المخاطر؟ تدخل سريع لإسقاط نظام ضعيف تحول إلى ميليشيا، ويقف على الحافة، ويعيش بفضل تردد الآخرين.

المصدر: جريدة الحياة