خلف الحربي
خلف الحربي
كاتب سعودي

عودة المقاتلين من سوريا !

آراء

يبدو أننا لا نستفيد أبدا من كوارث الماضي، بل إننا مع مرور السنوات نحترف تكرار الأخطاء حتى تصبح سلوكا عفويا لا يمكن معالجته، فالتعاطف مع القضية الأفغانية في الثمانينات من القرن الماضي أوجد البيئة التي شجعت أعدادا هائلة من الشباب للسفر في إلى أفغانستان وكان كل صوت يحذر من أخطار هذه الظاهرة يواجه بشتى أنواع القمع الفكري وكانت النتيجة أن عاد هؤلاء المقاتلون إلى وطنهم ليفجروا ويدمروا ويحاولوا بكل وسيلة تكرار نموذج الدولة الظلامية التي شاركوا في بنائها في أرض الأفغان داخل وطنهم.

وكذلك الحال بالنسبة للشباب الذين ذهبوا للقتال في أفغانستان فبالرغم من أن الدولة حاولت هذه المرة تلافي الآثار التي واجهتها في حرب أفغانستان وسعت بمختلف الطرق لمنع الشباب من إلقاء أنفسهم في أتون حرب أهلية لا ناقة لهم فيها ولا جمل إلا أن المحرضين نجحوا في إقناع الكثيرين بالسفر إلى العراق للمشاركة في العمليات الانتحارية التي راح ضحيتها العديد من العراقيين الأبرياء، ونحن نواجه اليوم مشكلة حقيقية في كيفية مساعدة أبنائنا المعتقلين في السجون العراقية فنحن مهما اعترضنا على سياسات الحكومة العراقية ذات النهج الطائفي فإننا لا نستطيع أن نلوم أي دولة على اعتقالها مقاتلين أجانب جاؤوا من ديارهم لنشر الدمار والخراب.

واليوم حين نقرأ بعض الأطروحات الطائفية التي تحتفي بمشاركة شباب سعوديين في الصراع الدموي الذي تشهده سوريا الشقيقة يتضح لنا أننا عدنا بكل بساطة إلى نقطة الصفر، فهؤلاء الشباب ساهموا مع غيرهم من المقاتلين على اختلاف جنسياتهم في تشويه الثورة السورية المجيدة وتحويلها إلى صراع عبثي لا يعلم إلا الله كيف ستكون نهايته، كما أنهم سيعودون في يوم من الأيام إلى بلادهم ليمارسوا نفس عمليات التفجير والتدمير التي لا يجيدون غيرها.

لقد أثبتت الأيام أن المحرضين يتاجرون بدماء هؤلاء الشباب المغرر بهم فلم نعرف واحدا من شيوخ التحريض قد ذهب بنفسه ليقاتل في سوريا أو أرسل أحد أولاده للفوز بالنعيم الذي يعد به الآخرين، أما هؤلاء الشباب فقد تحولوا اليوم إلى مجرد بيادق صغيرة في شطرنج أجهزة المخابرات الدولية، وحتى إذا نجا بعضهم من نيران المعارك في سوريا فإنهم لن يعودوا إلى ديارهم بسهولة فأغلب الظن أنه في حالة خروجهم من سوريا سوف يتوجهون إلى العراق أو اليمن أو أي بقعة في هذا العالم تشهد اضطرابات أمنية يستطيعون من خلالها أن يكملوا مسيرة حياتهم القلقة والموعودة بالأهوال والمصائب.

أما من سيعودون إلى أرض الوطن فهم بالتأكيد سوف يعودون وهم مشحونون بشتى أفكار الخراب والدمار، فهؤلاء لم يتعلموا هناك الفيزياء والرياضيات بل تعلموا تفخيخ السيارات وقطع الرؤوس ومهارة التكفير في نصف دقيقة ومن السذاجة الاعتقاد بأنهم لن يحاولوا تطبيق خبراتهم الدموية هذه في بلادهم لأنهم ببساطة تعلموا أنهم دائما على حق وأن كل جرائمهم المروعة تحدث لهدف نبيل، وحينها قد يدخل الوطن -لا سمح الله- في موجة جديدة من موجات الإرهاب الأعمى ولن تكون مفاجأة كبيرة لو ظهر نفس الشيوخ الذين حرضوهم على القتال في الخارج ليدينوا أعمالهم الإجرامية ضد أهلهم وناسهم، فالتاريخ يعيد نفسه والأخطاء الواضحة تقود إلى ذات النتائج المدمرة!.

المصدر: عكاظ