فساد الدوحة يورط «باركليز» في دفع 200 مليون استرليني غرامة

أخبار

فيما ألقت الأزمة القطرية بعد قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن من جانب والدوحة من جانب آخر، على تداعيات مخيفة على القطاع المصرفي القطري، إلى الحد الذي وصل إلى اتجاه بنوك الدوحة إلى الاقتراض من الخارج لمعالجة انهيارات باتت قريبة لقطاع مصرفي يعاني العزلة وتلاحق ست من مؤسساته تتهم دعم الإرهاب في مختلف أنحاء العالم، امتدت العمليات المالية المشبوهة للنظام المالي هناك إلى بنك «باركليز» الذي أصبح مطالبا بدفع ما يقارب 200 مليون استرليني غرامة نتيجة صفقة مالية مشبوهة تمت في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

نقلت وكالة «بلومبيرج» عن مصادر مطلعة قولها إن القضاء البريطاني يستعد لإدانة بنك «باركليز» بعد فشله في الإفصاح عن رؤوس الأموال التي تلقاها من قطر والتي تصل إلى مليارات الجنيهات الاسترلينية خلال الأزمة المالية العالمية.

وأوضحت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها، أنه من المتوقع أن يفرض القضاء البريطاني على «باركليز» غرامة مالية بقيمة تتراوح ما بين 100 مليون جنيه استرليني (128 مليون دولار) إلى 200 مليون جنيه استرليني، وسيحدد هذه الغرامة قاضٍ، وبموجب المبادئ التوجيهية لإصدار الأحكام.

ومن المتوقع أن يعلن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال البريطاني الذي يحقق في هذه القضية منذ 5 سنوات، قراره بشأن الاتهامات الموجهة ل«باركليز» وعدد المديرين التنفيذيين السابقين المتورطين في هذه الفضيحة.

يشار إلى أن هذه القضية تعود للعام 2008، ففي أعقاب الأزمة المالية التي اجتاحت العالم في ذلك الوقت، أراد المسؤولون في «باركليز» أن يتفادوا تدخل الحكومة البريطانية وسيطرتها على البنك، بإظهار «باركليز» كبنك ناجح يثق المستثمرون الدوليون بأدائه المالي. وكان الحل بالنسبة ل«باركليز» تنظيم حملة لجمع الأموال من مستثمرين دوليين، وبالفعل استثمرت «قطر القابضة» 3.5 مليار جنيه استرليني في «باركليز» في أكتوبر/تشرين الأول من 2008، لمساعدته على تجنب اللجوء إلى حزمة إنقاذ من الحكومة، على عكس منافسيه مثل مجموعة «لويدز» و«رويال بنك أوف سكوتلند».

من جانب آخر، يأتي اتجاه المصارف القطرية إلى الاقتراض في محاولة منها للحفاظ على ثقة المتعاملين معها بعد أن كادت تنهار تلك الثقة في أعقاب الأزمة الأخيرة، وفي هذا الصدد قالت مصادر مصرفية إن بعض البنوك الآسيوية والأوروبية والأمريكية الكبيرة تدرس تقديم أمول لمساعدة البنوك القطرية على الاستمرار في عملها.

ويعتبر دعم البنوك الأجنبية مهماً جدا للبنوك القطرية التي تنامى اعتمادها على التمويل الدولي بشكل كبير على مدار سنوات ليصل إلى نحو 50 مليار دولار في إبريل /نيسان أو نحو ربع قروضها المحلية بحسب تقديرات ستاندرد آند بورز ارتفاعاً من 13.2 في المئة في نهاية 2015.

لكن مصرفياً في المنطقة قال إن ما تقوم به بعض البنوك الآسيوية والأوروبية إنما هو قرار «على مسؤوليتها الخاصة» وهي وحدها من ستتحمل نتائجه. وكانت بنوك الإمارات والبحرين والسعودية قد أوقفت بشكل عام جميع الصفقات الجديدة مع قطر، حسبما قال مصرفيون.

وأظهرت بيانات لتومسون رويترز أن كوميرتس بنك وأوني كريديت وميزوهو فايننشال جاءت في مقدمة مقرضي البنوك القطرية في الثلاث سنوات الماضية، بينما كان بنك أبوظبي الأول أكبر مقرض خليجي لها. وقالت مصادر مطلعة إن بعض البنوك الأوروبية والآسيوية والأمريكية تقدم قروضاً إلى قطر.

وقال مصرفي قطري إن بنكه اقترض ما يزيد على 100 مليون دولار في تمويل غير مضمون لأجل ثلاث سنوات من بنك أوروبي وحصل على ودائع لستة أشهر من بنوك آسيوية وأوروبية في أسبوعين بعد اندلاع الأزمة. وتابع إن هناك بنوكاً أمريكية لا تزال تتعامل من خلال قنوات ثنائية وخطوط إعادة شراء.

ويختلف اعتماد البنوك القطرية على التمويل من دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير. فمصرف قطر الإسلامي، أكبر بنك متخصص في المعاملات الإسلامية في البلاد، أكثرها اعتماداً على هذا التمويل مع حصوله على 24 في المئة من تمويله و24 في المئة من الودائع من باقي دول مجلس التعاون الخليجي بحسب بحث نشره بنك جولدمان ساكس.

وامتنعت بنوك دولية كبيرة من بينها «إتش.إس.بي.سي» و«سيتي جروب» و«دويتشه بنك» و«جيه.بي مورجان» عن التعليق. وقال بنك «ستاندرد تشارترد» في بيان، دون إسهاب، إن عملياته في قطر لم يطرأ عليها تغيير.

ويقول مصرفي دولي إن هناك صعوبة أخرى تواجه من يتعاملون مع قطر الآن وتتمثل في المسائل اللوجستية. وأضاف إن نقل وثائق صفقات تمويل التجارة جواً أصبح أبطأ وأكثر صعوبة مع إلغاء رحلات طيران مباشرة من الدوحة نظراً للخلافات الدبلوماسية.

وربما تواجه قدرة البنوك الدولية على الاستمرار في التعامل مع قطر صعوبات إذا أعلنت البنوك المركزية في السعودية والإمارات عقوبات أشد صرامة مثل فرض قيود على ملكية الأصول القطرية. وقال مصدر ببنك آسيوي: «لو كانت الأمم المتحدة هي التي فرضت العقوبات، كنا سنجمد كل شيء، لكن نظراً لأن ذلك من دولة إلى أخرى، فإننا لا نرى سبباً لتجميد أي شيء».

ويرى مصرفيون أن العلاوات التي تدفعها البنوك القطرية لتمويل نفسها تبدو باهظة. وارتفع سعر الفائدة المعروض في التعاملات بين البنوك القطرية لأجل ثلاثة أشهر إلى أعلى مستوياته في سنوات عند 2.31 في المئة من 1.92 في المئة قبل فرض العقوبات.

وقال مصرفي عماني إن بعض البنوك القطرية تدفع ما بين 50 و100 نقطة أساس أعلى مما اعتادت أن تدفعه في سوق التعاملات بين البنوك. لكن مصرفي قطري قال إن ودائع لأجل ستة أشهر حصل عليها بنكه في الأيام القليلة الماضية تضمنت علاوة قدرها نقطة أساس واحدة فقط.

(وكالات)

«بلومبيرج»: الأزمة أظهرت هشاشة قطر

قالت وكالة «بلومبيرج» إن الثروة التي تتمتع بها قطر لم تسهم في توفير الأمن لها، إذ ترى أن المواجهة بين الدوحة والدول الخليجية الثلاث أظهرت الوضع «غير المستقر» الذي تعانيه قطر، فالدولة الغنية التي تعتمد على واردات بيع الغاز في تشييد بنيتها التحتية الضخمة، «لم تستطع حماية نفسها» كدولة تعتبر الأعلى دخلاً في العالم. وأوضحت الوكالة أن تلك «القوة الناعمة» التي تمتلك ثروة ضخمة «لم تكن أكثر هشاشة مما هي عليه الآن».

وأضافت «بلومبيرج» أن سياسة قطر الخارجية ذات وجهين، حيث تستضيف أكبر قاعدة عسكرية جوية للولايات المتحدة في المنطقة من جهة، وتربطها علاقات وثيقة بالجماعات المتطرفة من جهة أخرى. ووفقاً للمسوؤلين السعوديين والإمارتيين فإن الدوحة تمول الإرهاب في الوقت الذي يملك فيه صندوقها السيادي حصصاً في كبرى الشركات العالمية بما فيها فولكسفاجن، وباركليز وجلينكور، كما أن البلاد تستعد لاستضافة أهم بطولة رياضية عالمية وهي كأس العالم لكرة القدم 2022.

وقال سامر شحاتة، الأستاذ المشارك في برنامج العلاقات السياسية والدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا «لقد كان وسم قطر يكمن في توفير الأمن والشرعية، وكان الأمر متعلقاً بوضع قطر على الخريطة وإبراز أهميتها الدولية. لكن في النهاية ماذا تفعل القوة الناعمة لك». ويضيف «هل ستوفر لك الأمن؟ لا أدري ما إذا كانت القوة الناعمة تكفي وحدها، خاصة إذا كنت في بيئة سيئة».

وأثارت قناة الجزيرة الفضائية التي اعتبرت منبراً لتنظيم القاعدة وداعماً للمعارضين في العالم العرب، غضب القادة السعوديين والإماراتيين والمصريين الذين أوقفوا بثها وأغلقوا مكاتبها في بلادهم.

وقال يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات لدى واشنطن «لا يمكن لقطر امتلاك حصص في مبنى الإمباير ستيت بنيويورك والشارد في لندن، وتستخدم أرباحها في كتابة شيكات لفروع تنظيم القاعدة. كما لا يمكن طباعة اسمها على قمصان الفرق الرياضية، في حين أن وسائل إعلامها تدعم الفكر المتطرف. ولا يعقل أيضاً أن تكون مالكاً لمتاجر هارودز وتيفاني، وتوفر ملاذاً آمناً لحماس والإخوان».

وأوضحت «بلومبيرج» إنه من غير الواضح ما ستؤول إليه الأزمة، مشيرة إلى أن مراقبين يتحدثون عن تغيير محتمل للسلطة في الدوحة.

ويرى أيهم كامل، من مجموعة «أوراسيا» أن السياسات التي تبنتها قطر خلال العقد الماضي، خاصة خلال السنوات الأخيرة كانت حتماً «ستسبب لها مشكلة».

المصدر: الخليج