د. توفيق السيف
د. توفيق السيف
باحث سعودي

في مواجهة التيار الداعشي

آراء

إعلان “داعش” دولتها وتنصيب زعيمها خليفة للمسلمين، يمثلان نقطة تحول كبرى تستدعي حسم الخيارات: مع نمط الحياة الذي يمثله التيار الداعشي أو نمط الحياة الذي اختاره المجتمع بإرادته. لقد جربنا العيش كما نريد وعلمنا عن نمط العيش الذي أرادته “داعش” في العراق وسورية وشقيقتها “طالبان” من قبلها.

“داعش” ليست فزاعة صنعتها طهران أو دمشق أو واشنطن كما حاول البعض إيهامنا. حوادث العقدين الماضيين علمتنا أن هذا التيار لا يستطيع العيش إلا منفردا متحكما في محيطه. لا يتعلق الأمر بهزيمة الشيعة كما يود البعض، ولا بالمشاركة في السلطة كما يتمنى آخرون. اجتهد الجزائريون عقدا كاملا لإقناع زعماء هذا التيار بترك العنف والمشاركة في الحياة السياسية. كذلك حاولت الحكومة الأفغانية لما يزيد على ثماني سنوات. وتكرر الأمر في الصومال. لكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل التام. هذه تجارب تكفي لاستنتاج أن التيار الذي تمثله “داعش” لا يرى نفسه مدينا لأحد ولا شريكا لأحد ولا جزءا من أي عملية سياسية طبيعية. هذا تيار يتمثل مقولة أسامة بن لادن المشهورة في 2001 “هذه الأحداث قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه”. والرسالة التي ينطوي عليها هذا القول هي ببساطة: إما أن تكون جنديا في صفوفنا وإلا فأنت في فسطاط الكافرين.

قبل بضعة أيام نشرت على الإنترنت خريطة للتشكيك في شرعية الأنظمة الاجتماعية القائمة. لكن على أي حال فإنه لا ينبغي التهوين من خطر “داعش” أو أخواتها على السلم الأهلي والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وعلى حكومات المنطقة أن تأخذ الموضوع بمنتهى الجدية.

وفي ظني أن الخطوة الحاسمة لمواجهة خطر التيار الداعشي هو حسم الخيارات باتجاه الحداثة الصريحة واستيعاب المتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تحولات الاقتصاد وانضمام الأجيال الجديدة إلى ساحة الفعل الاجتماعي. لن نستطيع مقاومة المد الداعشي بالاعتماد على سياسات الاحتواء والاستيعاب القديمة، ولن نستطيع صيانة السلم الاجتماعي والتطور المنتظم من دون تحولات كبيرة في اتجاه المشاركة الشعبية في صناعة القرار وتحقيق أكبر قدر من الرضا العام عن سياسات الدولة.

لن تصل “داعش” إلى مبتغاها اليوم ولا بعد سنين. ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا بهذا الخطر المتوهم. الخطر الواقعي يكمن في إمكانية احتلال “داعش” قلوب الناس من خلال التشكيك في شرعية النظام الاجتماعي ونمط الحياة القائم. ولهذا نحتاج إلى حسم خياراتنا، اليوم وليس غدا، وأظن أن المشاركة الشعبية في صناعة القرار هي أول الطريق.

المصدر: الإقتصادية