كتب أهل البدع والضلال!

آراء

يعتبر معرض الرياض الدولي للكتاب الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام أحد أكبر المهرجانات الثقافية والفكرية على مستوى العالم العربي، ولا أبالغ إن قلت إن المعرض أحدث نقلة ثقافية في المجتمع السعودي، من خلال الانفتاح الفكري على النظريات والفلسفات الأخرى، وفي رأيي أن هذا الانفتاح يعد من أهم العوامل الرئيسة التي أسهمت بشكل كبير في نجاح المعرض.

وبالرغم من هذه المكانة المميزة للمعرض، إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأ الانغلاق شيئا فشيئا يسري فيه، من خلال تشديد الرقابة والمنع لكثير من الكتب ودور النشر، وذلك نتيجة للانتقادات الحادة التي تعرض لها المعرض من قبل فئة قليلة من الناس بدعوى الاحتساب في منع كتب أهل البدع والضلال! الأمر الذي يهدد مستقبل المعرض في السنوات المقبلة، ويؤدي إلى ضياع جهود وزارة الثقافة والإعلام وما حققته من إنجازات في سبيل وصول المعرض إلى هذه المكانة.

وللأسف الشديد كانت الاستجابة لهذه الانتقادات سريعة وغير مدروسة، وأصبح المعرض يتجه إلى الجمود الثقافي، فصار كأنه مجرد مكتبة كبيرة تعج بالكتب التي اعتاد عليها الناس في الماضي.

لذا قل حماس العديد من الناس في زيارة المعرض، ومنهم من يؤمل نفسه كل سنة ويقول “لعل وعسى أن نرى الجديد والتغيير في هذا العام”، ومنهم من اتخذ قرارا بعدم الزيارة مطلقا، والاكتفاء بالكتب الموجودة على شبكة الإنترنت، وذلك بعدما كانوا يزورون المعرض لأكثر من مرة.

نحن للأسف نواجه إشكالية فكرية أفتى بها بعض فقهاء المسلمين وليس لها دليل من القرآن والسنة، وهي حرمة قراءة بعض الكتب الإسلامية من أصحاب العقائد والمذاهب الباطلة في نظرهم، أو كتب الفلسفة وكتب الديانات الأخرى، بحجة أن مثل هذه الكتب المنحرفة تؤدي إلى فساد عقيدة الناس وضلالهم ولهذا فهي حرام!

وبسبب هذا التحريم، استطاع البعض فرض رأيهم على الآخرين، وطال المنع الكثير من الكتب، وليس هذا فحسب، بل وصل الأمر إلى اسم المؤلف نفسه دون النظر إلى محتوى الكتاب.

صحيح أن العديد من العلماء والفقهاء والمثقفين استنكروا الممارسات الخاطئة في معرض الكتاب من بعض المحتسبين والدعاة، ولكن في الوقت نفسه لم يناقشوا مسألة تحريم قراءة كتب الضلال (بفرض أنها ضلال) بشكل واضح وصريح في حين أننا لا نجد آية قرآنية ولا رواية حتى لو كانت ضعيفة تؤيد هذا التحريم حتى باعتراف الفقهاء القائلين بهذا الحكم.

إن مسألة تحريم قراءة الكتب، هي الحجة الوحيدة التي تعزز من موقف البعض تجاه معرض الكتاب، وتعزز من تأييد بعض الناس لها، وبالتالي فإن مثل هذه الكتب تعد من الأمور الواجب إنكارها، ومن ثم احتساب الأجر عند الله في إنكار هذا المنكر. وفي ذلك يقول أحد الدعاة من الذين يرون تحريم قراءة كتب الآخر ما نصه: “النظر في كتب البدع والضلال أو كتب الشرك والخرافة أو كتب الأديان الأخرى التي طالها التحريف أو كتب الإلحاد والنفاق لا يجوز إلا لمتأهل في العلم الشرعي، يريد بقراءته لها الرد عليها وبيان فسادها، أما أن ينظر ويقرأ فيها من لم يتحقق بالعلم الشرعي فغالبا يناله من هذه المطالعة شيء من الحيرة والغواية، وقد وقع ذلك لكثير من الناس وحتى من طلبة العلم، حتى انتهى بهم الأمر إلى الكفر والعياذ بالله، وغالبا ما يغتر الناظر في هذه الكتب بأن قلبه أقوى من الشبهات المعروضة، إلا أنه يفاجأ – مع كثرة قراءته – بأن قلبه قد تشرب من الشبهات ما لم يخطر له على بال”. وبالطبع فقد استند هذا الداعية على إصدار هذا الحكم على أقوال بعض الفقهاء المتأخرين فيقول: “ولذلك كانت كلمة العلماء والسلف الصالح على تحريم النظر والمطالعة في هذه الكتب..”، وكما ذكرت آنفا، فإنه لا يوجد دليل من القرآن والسنة والعقل على هذا التحريم ولا حتى من قبيل القياس.

وبالنظر إلى الرأي السابق، نجد أنه يعمل على تكريس الجهل والتعصب بين الناس وذلك لعدة أسباب، منها ما يلي:

• تأصيل أن البعض يعتقد أنه يمتلك الحقيقة بكاملها وأن غيره على باطل فهم يتهمون كل رأي مخالف لرأيهم بأنه انحراف عن الإسلام.

• استثناء المختص في العلم الشرعي من تحريم قراءة كتب أصحاب المذاهب والأديان الأخرى فقط، وهذا تأصيل للتبعية والوصاية الفكرية على الناس.

• اشتراط قراءة هذه الكتب لبيان فسادها والرد عليها، وهذا يؤدي إلى نشر العداوة والبغضاء بين المذاهب والأديان الأخرى، وهذا ما نشاهده في بعض القنوات الفضائية المتعصبة لمذهب معين ودورها في نشر الطائفية بين الناس.

ذكر الداعية في نهاية كلامه، أن قراءة مثل هذه الكتب تؤدي إلى الكفر والغواية، وهذا في رأيي نوع من التخوف من الأفكار الجديدة التي تهدم بطبعها مزاج التسليم والانقياد الذي يطلبه بعض الدعاة من أتباعهم، فهم لا يخشون الأفكار ذاتها الموجودة في تلك الكتب، بقدر ما يخشون التجديد في الأفكار، لذا فهم يحرمون على أتباعهم الاطلاع على أفكار الآخرين.

في صدر الإسلام حيث بدأت تظهر بوادر النهضة العلمية، قام المسلمون بترجمة كتب فلاسفة اليونان وعلماء الهند، وهي تشتمل على الخرافات والأباطيل، ومع ذلك لم يحرم فقهاء المسلمين الأوائل ولو كتابا واحدا، وإنما نجد التحريم في آراء الفقهاء المتأخرين.

ومع ذلك تعد آراء الفقهاء في النهاية آراء وأفكارا بشرية معرضة للصواب والخطأ، ولا ينبغي القول بأن هذا الرأي حلال والرأي الآخر حرام، وإذا أردنا أن نكون أقرب إلى الصواب فعلينا تشجيع الناس وفسح المجال لهم بقراءة الكتب والاطلاع على الآراء والمذاهب الأخرى بدلا من أن توصد أبواب العلم والمعرفة أمامهم باسم الدين والشريعة.

المصدر: الوطن أون لاين