هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

كلام في الحب

آراء

كثير منا مر على قلبه شيء من الحب، وكثير منا من غرق في عذوبته، والأكثر من حاربه كما يُحارَب الإرهاب، يأتي فجأة دون ميعاد ودون استئذان يقتحم نفسك ويتسلل لوجدانك لتستيقظ يوماً وتكتشف أنك في حالة غرام، والجميل بأن كل فرد قد يتناوله ويترجمه بطريقته، ليصبح كل له قصة حب مختلفة لا تتشابه، وتظل كل قصة تنفرد بأحداثها وبيئتها وأبطالها، فبعضها يتآلف ويخرج من أحداث سياسية، وأخرى تنجو من بين القنابل والحطام، ليظل الإنسان معجزة الخالق الذي يتكيف مع جميع الصعوبات فلا تستسلم مشاعره أثناء الحرب ولا تموت من الحصار، بل دائما ما تنهض مرة أخرى من بين الأنقاض!

وأكثر من جادت قريحتهم بالتعبير عنه الشعراء، فمنهم من نظم أعذب الأبيات في وصف الإحساس، ومنهم من تغنى بالحبيب بكلماتٍ مبالغة إلى أن جنح بأبيات ماجنة وقصائد مبتذلة، ليظل التحدي قائما بين الشعراء كل بإحساسه ومقدرته على لمس الوتر ووصف الحالة في قلوب المحبين، ويراه علماء النفس كشعور فسيولوجي يؤثر على سلوك الشخص بشكل إيجابي أو سلبي حين ينشأ داخل الإنسان ويؤثر على أعضائه أو حواسه، وتراه بعض المجتمعات الشرقية عيبا ووصمة عار وفضيحة في كثير من الأحيان، فإذا ما اكتشفت الأسرة أن ابنها يُحب، تصاب الأم بحالة من التوتر، وتدخل في أفكار سوداوية تنتهي بضغوط عائلية ليتزوج قريبته حتى لا تسلب حبيبته عقله، هذا إن لم توصم بالعار!، وإذا تقدم للابنة من يُحبها واكتشف ذلك الأب، سيشعر على الفور بالإهانة، وستخشى الأم من الفضيحة، فبدلا من مباركة زواج بين قلوبٍ محبة، يتحول مصير الفتاة تلك الليلة لعلقة ساخنة تنتهي بتزويجها في غضون أسبوع من ابن عمها، لأن العُرف الجاهلي لا يمنح قلبها الحق في أن يُحب، بل يُباع! وأغلب قصص الحب التي نسمع عنها، لا ينجو منها إلى الزواج إلا عدد يسير، وأغلبها يواجه ردة فعل عنيفة وغضبا من الآباء، ينتهيان دائما في سيناريو واحد الحرمان من الارتباط بمن يُحب.

ويأتي الحب بأشكال ومسميات مختلفة إذ لا يعتمد على نمط أو شكل واحد، يأتي في كل مرة بصورة تجعلنا نفكر ونتردد في التعرف على هويته، فتارة يأتي صافياً كالعسل لا مجال للشك بهِ، وأفلاطونيا صادقا لا يقبل أي تبادل للمصالح أو الفوائد، وتارة كالهم في حبٍ صامت لا يعرفُ كيف يخرج إلى الضوء أو يُعبر عن نفسه من شدة الخوف، ليسكن في العتمة لا نراه ولكن نشعر بوجوده حولنا، ويأتي مرات كالحُمى ليصيب طرفا واحدا يظل يعاني منه وحيدا دون أن يخطو من أجل علاجه خطوة واحدة، وفي كوميديا ساخرة يأتي بشكل غير متوقع بعد عداوة ليبقى الأكثر ظُرفاً، والأكثر خطورة الحب القاتل الذي يصبح مخيفا إلى أن يُؤذى أحد أطرافه وكثيرا ما تكون المرأة، أما الحب المدروس فيأتي في منتهى الدهاء واللؤم حيث يخضع عادة لسلسلة من (الخطط المدروسة) تبدأ بتحديد الهدف للارتباط بشخصية جذابة، ثرية، أو ذات منصب، لتبدأ بعدها عمليات متوالية لاصطناع الصدف والوجود باستمرار أمامه، وما إن يسقط في الفخ حتى يُعلن الحب المدروس عن أحدث خططه في التأثير العاطفي، تُصدق كلماته أحيانا، وإن كانت مصطنعة لأن النفس تبحث دائما عن الحب دون أن تعي ذلك، ومن أجمل مزايا ذلك الإحساس الجميل، اللغة العالمية التي يُفرضها علينا دون أن نتكلم، بل مع الوقت نتعلمها ونتقنها لتصبح رسمياً اللغة التي يتعطل فيها الكلام، لا ينتهي بكبر السن ولا يموت بغياب أحد أطرافه، ولكن محتمل أن يمر عليك مرة ثانية في نسخة باهتة تبحث فيها بشكل لا إرادي عن ملامح حبك الحقيقي، الذي إن أطفأتْ شمعته ضغوط الحياة، أو غيبته الأقدار، يظل بمقدورك إشعاله مرة ثانية لأنك إنسان.. ويحتفظ الصندوق الأحمر (القلب) بأسرار كل رحلة ويسجل مولد كل نبضة تمر داخلك أو تهز أوتارك، ليبقى من أجمل الصناديق التي عرفتها البشرية وزُرعت داخل أحشاء الإنسان واستقرت بين أضلاعه.

والحب كما أراه ليس أن تجعلها فقط أمّاً لأطفالك، بل كيف تُبقي حُبك حياً في قلبها، وكيف تُشعرها به بطريقة راقية، أن تقرأها بتمعن وتتعرف على مفردات القاموس الخاص بحبها كتاريخ وهوية تسكن وجدان المرأة على مر الزمان… والآن.. ماذا عن الحب كما تراه أنت؟!

المصدر: صحيفة الشرق