عبدالوهاب بدرخان
عبدالوهاب بدرخان
كاتب ومحلل سياسي- لندن

مستقبل «الجماعة» بين«الإرهاب» والأوهام

آراء

في مصر والسعودية باتت جماعة «الإخوان المسلمين» «تنظيماً إرهابياً»، وفي مصر كما في الإمارات جُرّم قادة أو منتمون إلى هذا التنظيم وحكموا أو يحكمون. وأثارت المسألة آراء وردود فعل مؤيدة يمكن اختصارها في أربعة اتجاهات: 1) رأى معظم المواقف أن الحكومات تأخرت في إجراءاتها. 2) رغم أن «الجماعة» حظيت طويلاً بميزة «الاعتدال» التي أضفيت عليها فإن هناك اقتناعاً متزايداً بأن المجموعات المصنّفة إرهابية خرجت من تحت عباءتها. 3) أن الحكومات تسعى إلى تظهير نمط من الاعتدال خارج إطار ما يُعرف بـ «الإسلام السياسي». 4) أن «استرهاب» جماعة الإخوان يصعب تعميمه وإسقاطه على كل من ينتمي إلى تيارها الفكري.

يمكن عزو اللوم بالتأخير إلى أسباب عدة، أبرزها: 1) أن لـ «الإخوان» وجوداً في المجتمع لا بد من أخذه في الاعتبار. 2) أن مصر التي تعرّفت باكراً إلى ظواهر العنف «الإخواني» وعمدت إلى حظر التنظيم، فضّلت إتاحة وجود «غير رسمي» له تحت ضغط ومراقبة دائمين. 3) أن البلدان الأخرى اكتفت بتفاهمات مبدئية أو موثّقة تمنحهم الأمان شرط عدم ممارسة أي نشاط سياسي، إلا أن تغلغلهم في بعض البيئات والقطاعات (التعليم، مثلاً) ما لبث أن صنع «حالاً سياسية». 4) أن المجتمعات المعنية استشعرت الخطر، خصوصاً بعد عودة/ لا عودة أبنائها من «الجهاد» ضد السوفييت في أفغانستان، فهذه التجربة أنتجت بيئة احتكاك التديّن السلفي الأصولي مع التسييس الديني “الإخواني” مع الاستخدام المنفلت لـ «الجهادية» المسلحة، وهو ما شكّل تنظيم «القاعدة» خلاصته الإرهابية. 5) أن قوىً دولية عدّة، وبالأخص الولايات المتحدة، شجّعت الحكومات على مراعاة هذا التيار الإسلامي، خصوصاً في الأعوام السابقة لهجمات 11 سبتمبر وبعدها، إما مراهنةً على شعبيته، أو رغبةً في إبقائه في بيئته الأصلية بغية حصره واحتوائه.
كانت انتفاضات 2011 محطة تاريخية حاسمة للاعتقاد بأن التيار الإسلامي سيتعقل متى وصل إلى سرايات الحكم وغدا في سدّة المسؤولية العليا عن الدولة والشعب.

غير أن مفاهيمه وأجنداته الخاصة الموروثة من مراحل المعارضة العلنية والسرّية تغلّبت عنده على واجباته وعلى أساسيّات الدولة. وسواء كانت لـ «الإخوان» علاقة مباشرة بالمجموعات الإرهابية أم لا، فإن الإفراج عن معتقلي هؤلاء وإتاحة العودة للهاربين منهم أدّيا إلى ظاهرتين: أولاهما، أنه بعد تنصيب حكومة برئاسة أحد قادة «الإخوان» في تونس، برز الإرهابيون، وكثرت حوادث العنف والاغتيال فيما ترافق انتهاء حكم «الإخوان» لمصلحة حكومة مستقلّين بتراجع ملحوظ لهذه المخاطر. وثانيتهما، أنه عدا مجزرة الجنود المصريين في رفح في بدايات عهد الرئيس “الإخواني”، فإن حالة المواجهة التي نشأت في سيناء عموماً ما لبثت أن تفجّرت بعد عزل الرئيس، عنفاً منظماً متجاوزاً الرد الانفعالي ليصبح استهدافاً متعمَّداً لرجال الجيش والأمن ولمقار الدولة.

ليست «الأخونة» قالباً واحداً، ولا«الإخوان» نسخة واحدة. وبالاستناد إلى التجارب، يتبيّن أن هناك اجتهادات وأساليب. لكن المشترك أمران: الأول يكمن في أساس الفكر الذي ظلّ متأرجحاً بين العمل السياسي والنشاط الدعوي. والثاني هدف استعادة «دولة الخلافة»، الذي عاد فقفز إلى خطاب «الإخوان» في سياق صعودهم إلى قمة السلطة أو بعده، وكانوا عمدوا إلى تمويهه، إما لأن انقلابيته المكشوفة تضعهم في مواجهة فورية مع نظم الحكم القائمة، أو لأن أولوية «التمكين» كفيلة بجعل ذلك الهدف حصيلة تلقائية. غير أن الإخفاق السريع في الحكم والإدارة يفرض بالضرورة مراجعة -لا لتجربة السلطة فحسب وإنما- للفكر نفسه، وما الذي حققه على سبيل التجديد، ولعل المتوافق عليه راهناً أن مستقبل «الجماعة» بكل ألوانها بات يتوقف على: إدراكها مشكلة أنها صارت عامل انقسام للمجتمعات. وتمكّنها من الوضوح والشفافية واحترامها رفض المجتمعات العربية لأمرين: خيار العنف الذي يدمّر الاستقرار، واستخدام الدين وسيلة للترويج السياسي.

ليست الحكومات وحدها، بل خصوصاً المجتمعات عانت أيضاً وتعاني من انفلات «الإسلام السياسي» وغلوّه في التطرف، بل إن المجتمعات عبّرت عن سأمها من ثنائية الأنظمة – «الجماعات» المتواطئة أحياناً والمتناحرة معظم الأحيان. ليس لأحد الحلّين، الأمني أو السياسي، أن يحلّ محل الآخر، فهما واجبان ويفترض أن يكونا متكاملين، إذ لا يمكن ترسيخ الاستقرار بالشدّة والممنوعات فحسب. أما إنتاج «البديل» من التطرف فمسؤولية الجميع، وهو ليس مستحيلاً، ذاك أن التديّن والاعتدال سمتان غالبتان على المجتمعات وهما الأصل والبديل في آن.

المصدر: الاتحاد