إعلامي سعودي وكاتب صحفي
مع كل هذا الذي يحدث في منطقتنا ومنها من إرهاب وقتل تحت راية «الجهاد» وباسم «الإسلام»، يكون السؤال في صيغة تبرير معلنة، عن حقيقة تشويه الإسلام فعليا من قبل من ينتمون وينسبون له في حالة تطرفهم القصوى التي تتجاوز أي معنى مقدس أو معتبر للإنسانية.
الصور المتدفقة من الجماعات الإرهابية القتالية في الشام واليمن، كما تلك الصور التي ما زالت حاضرة في الذاكرة عن حفلات القتل الجماعي، والتفجيرات الرهيبة من قبل تنظيمات متطرفة جهادية من القاعدة وما تلاها، لا يمكن لها أن تقدم إلا صورة مشوهة للإسلام، في اكبر حملة تشويه تاريخية، في ظل وسائل اتصال حديثة ومباشرة تنقل الصور الرهيبة واللقطات العنيفة من قتل وجحيم لكل الكون.
لذا سيكون السؤال المفتوح دائما، هل فعلا هؤلاء من يشوه الإسلام، وصورته العالمية، ومن المستفيد من هذا الكم المخيف من القتل والدم؟
الصورة أو المشهد لا يتوقف عند الجماعات التكفيرية الجهادية المتطرفة والمتعاطفين معها أو المبررين والمنظرين لها، لكنه يتجاوز ذلك إلى الأنظمة القمعية والقاتلة، ها هو عدد القتلى في سورية منذ اندلاع الثورة يصل إلى 200 ألف قتيل حتى الآن، فيما النظام يعلن بقاءه وتمسكه المنفرد بالسلطة غير مهتم بعدد القتلى والضحايا وحجم التدمير.
قد يكون ما يحدث اليوم من تشويه تاريخي للإسلام مخزيا وكارثيا من قبل جماعات متطرفة إرهابية، لكن يجب أن لا ننسى دائماً أن هؤلاء المتطرفين القتلة يقدمون بشكل مستمر من «التراث الإسلامي» ما يبرر سلوكياتهم العنيفة، وأفعالهم الإرهابية.
وهذا بالتحديد الذي يجعل كثيرا من الجهلة والعامة يتعاطفون معهم أو يتبعونهم أو ينتقلون إلى صفوفهم، جزء من هذا التراث يساعدهم على التجنيد وجمع المال وكسب شيء من التعاطف.
إن الإشكال الرئيسي يكمن في «التراث الإسلامي» الذي قد يكون هو نفسه حاملاً للتشويه ومسوقا له، في ظل غياب أي نقد مباح للتاريخ.. هذا الغياب لنبش كتب التراث و»تصفيتها» هو ما يوجد احتفالاً دائماً ومستمراً بأي عمل إرهابي أو جماعة عنف تطلق على نفسها «إسلامية» أو»جهادية»، تراث يمكن من تشوهاته أيضاً فهم أولئك الأشخاص الذين يمارسون كل يوم عمليات انتحارية.
وهو ما يجعل الشعوب تبحث عن ضربة واحدة تغير به واقعها، لتجدها تهلل لأي محاولة صاخبة قد تبعث فيها روح التاريخ، بضربة «واهية» تختصر كل الأحلام، مثل تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، أو قيام خليفة إسلامي نكره وهكذا.
الارتباط العربي والإسلامي بالتاريخ البعيد، دولة الخلافة، الأموية أو العباسية أو مرحلة الأندلس، هو ارتباط رومانسي بحت، لكنه قوي ومؤثر، فالصورة المنقولة في كتب التاريخ المدرسية والمنتشرة والمتاحة للعامة، كما الخطاب الديني القصصي، يقدم صورة عاطفية جدا عن تلك المرحلة ممزوجة بالبقع السوداء في التاريخ، حيث يذكرها دون تصحيح أو مراجعة ليأتي من يلتقطها كمنطلق له ولتوجهاته وإرهابه.
في تلك البقع السوداء يبدأ تشويه الإسلام، من التراث الإسلامي نفسه، حيث يتم التعامل مع كل قصص التاريخ الإسلامي كنص مقدس، وأي قراءة جديدة أو محاولة لنبش الإرث، أو حتى عملية التشكيك أو الاستفسار والاستقصاء لذلك التاريخ هو فعل غير مقبول، بل محرم وقد يحاسب صاحبة باعتباره عدواً للأمة والدين أو مرتداً!
المصدر: الجزيرة السعودية
http://www.al-jazirah.com/2014/20140824/ar5.htm