عمار بكار
عمار بكار
كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد

ميثاق شرف للسعوديين على “تويتر”

آراء

لا أظن أن أحدا يشكك اليوم في التأثير الهائل للمغردين على “تويتر” على الرأي العام، وعلى تداول المعلومات والآراء في المجتمع، فهناك الآن مئات المغردين السعوديين الذين يملكون من المتابعين ما يزيد عن توزيع كبرى الصحف السعودية، وبل ويزيد أحيانا عن عدد زوار كبرى المواقع الإلكترونية الإخبارية. هذا التأثير الضخم سمحت به التكنولوجيا لأفراد من المجتمع يتفاوتون في إمكاناتهم المهنية والعلمية، وحصل فجأة قبل أن تنضج الرؤى العامة التي تسمح بأن يكون هذا التأثير إيجابيا وبناء.

بينما تقرأ هذا المقال اليوم الاثنين، يجتمع المغردون السعوديون ضمن مبادرة لمؤسسة مسك الخيرية في عامها الثاني، ويناقشون عددا من القضايا، وهي مبادرة هامة وحيوية في رأيي لأنها تسهم في وضع تلك الرؤى العامة، التي تساعد في علاج المشكلات الناتجة عن الدور السريع والمفاجئ للشبكات الاجتماعية.

كإسهام مني في المبادرة، أقترح هنا ميثاق شرف أرى شخصيا أنه يتضمن عشرة مبادئ هامة، ينبغي أن يلتزم بها كل مغرد سعودي، وخاصة منهم من له تأثير كبير على الجمهور. المبادئ المقترحة هي:

1) الصدق والدقة: كمية المعلومات الخاطئة والتعميم غير المنطقي والنقل غير الدقيق هائل جدا، وهذا يعني أن “تويتر” كمصدر معلومات لكثير من الناس هو مصدر لا يعتمد عليه. اعتماد الصدق والدقة يتوافق مع مبادئ شرعنا الحنيف، وهي مبادئ إنسانية عامة لا يجادل فيها أحد، ولكنها تنتهك ليل نهار على الشبكات الاجتماعية.

2) الإيجابية: شعور المغرد بأنه يكتب كلماته السريعة التي سيتداولها الناس، ينبغي أن يترافق مع أخلاقيات حسن الظن والتفاؤل والرغبة في العطاء والإيمان بالمستقبل. في رأيي هذا أمر حيوي حتى لا يصبح هذا الضخ المعلوماتي سببا في رؤية سوداء ذات تأثير سلبي على المجتمع.

3) حب الوطن: الشبكات الاجتماعية بطبيعتها تشجع الإنسان على السلوك الفردي وربما الأنانية، وتجعله ينسى هذا الالتزام الأبدي الإنساني نحو وطنه ومجتمعه. حب الوطن هو ما يسهم في نمو المجتمعات ويحقق خلافة الإنسان لله في أرضه، وهو ما يضمن منع الشبكات الاجتماعية لتتحول لأدوات للهدم بدلا من البناء. بالتأكيد، هناك من يكتب على “تويتر”، ومصلحة وطنه هي آخر ما يخطر بباله بكل أسف.

4) المحافظة على القيم المهنية والعلمية. أقل القيم المهنية والعلمية التي ينبغي الالتزام بها، هي ذكر مصادر المعلومات والنسبة إليها. كان هذا المبدأ وحده كفيلا بالسماح للأمة الإسلامية أن تنقي تراثها من الشوائب بعد قرون من الزمن، من خلال إلغاء الأحاديث والآثار الواردة عن مصادر لا يعتد بها. إذا كنت لا تملك القدرة على التحقق من المعلومة، فاذكر مصدرها، حتى يمكن للآخرين التحقق منها. معلومة بلا مصدر هي مجرد مقولة لا قيمة إعلامية أو علمية لها.

5) الإيمان بالتعددية. أنت لا تعيش وحدك في المجتمع، وليس كل الناس مثلك، وهناك من لهم آراء أخرى مختلفة عنك، وقد ينتمون لمذاهب أخرى، أو أعراق وطبقات اجتماعية أخرى. احترام الآخر هو ما يسهم في النهاية في خلق بيئة بناءة وفعالة في تنمية المجتمع. عدم احترام الآخرين معناه تحويل الشبكات الاجتماعية لأرضية لتفتيت المجتمع، ونشر الصراعات كما نلاحظ أحيانا بكل أسف.

6) مقاومة إثارة الأرقام. الحصول على أكبر عدد من المتابعين والريتويت له إغراؤه الذي يجعل الكثيرين من الناس يلجؤون للإثارة للفت الانتباه، على حساب القيم الأخرى المذكورة هنا. كلما استطعنا كمجتمع التقليل من ربط الأرقام بقيمة الشخص، كلما قللنا من هذا الدور السلبي للأرقام.

7) المسؤولية الاجتماعية. نحن نستخدم الشبكات الاجتماعية للترفيه والتواصل مع الآخرين والتعبير عن الآراء، ولكن هذا لا يعفينا من المسؤولية الاجتماعية المرتبطة بها. الشبكات الاجتماعية يمكنها أن تكون عاملا في الكثير من المبادرات العظيمة التي تطور المجتمع وترتقي به، وهي تحتاج فقط كلماتنا الصادقة التي تتحمل مسؤولية ذلك وتسعى إليه.

8 ) مراعاة الأطفال. الشبكات الاجتماعية سمحت بوضع غير إيجابي عندما صار الأطفال والمراهقون يتفاعلون مع الكبار دون أي أطر تنظم ذلك. عندما تجد نفسك في تواصل مع طفل أو مراهق، فإن القيم الأخلاقية تحتم عليك أن تحاول مراعاة ذلك تربويا، وأن تتخيل نفسك مكان الأب والأم اللذين يتمنيان الأمر نفسه لأبنائهما.

9) البعد عن التعصب. لا أقصد هنا فقط التعصب الرياضي الذي ضرب بأطنابه بشكل مخيف، بل أيضا التعصب الفكري والديني والقبلي. التعصب هو باختصار التخلي عن الحقيقة لأجل الهوى والانتماءات الأخرى، وهذا أمر لا يخفى على أحد أثره السلبي.

10) كن سفير خير وصورة حسنة. الشبكات الاجتماعية هي محيط مفتوح على المجتمعات الأخرى، وما تكتبه يقرؤه الآخرون، وتترجمه آلات البحث ومراكز الدراسات والرصد، ويفهم الناس مجتمعنا من خلاله. كن سفير خير لأمتك وللعرب والمسلمين من خلال الكلمة الطيبة والعقلانية واحترام الآخرين. الاسم المستعار لا يعفيك من ذلك، فأنت في النهاية سعودي عربي مسلم.

قد تقرأ ما هو أعلاه وترى أنها مجرد مثاليات، ولكن هذا شأن مواثيق الشرف، تحاول بناء الصورة الجميلة، وتضع السقف الأعلى لما ينبغي فعله، ثم يكون التحدي هو السعي ليل نهار لتحقيق ذلك.

الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها تويتر قد تصبح أفضل مؤثر إيجابي في تطور المجتمع لو فقط.. أردنا ذلك!.

المصدر: الوطن أون لاين