د. عبد الحميد الأنصاري
د. عبد الحميد الأنصاري
كاتب قطري متخصص في حقوق الإنسان والحوار الحضاري والفكر السياسي

نحو «مفهوم استراتيجي للأمن الخليجي»

آراء

أمن الخليج العربي، الوطني والإقليمي، هو القضيّة المحوريّة التي تتداعى إليها نُخبة من المسؤولين والأكاديميين والمفكرين الخليجيين في ملتقى حيوي نظمه «مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة» (دراسات) بمملكة البحرين، يومي 23 و24 من شهر أبريل المنصرم. هذا المركز النشط، له اهتمام خاص برفع وعي الخليجيين حيال الحاجة إلى بلورة مفهوم استراتيجي، جديد وشامل، للأمن الخليجي، يعتمد على الخليجيين أنفسهم، وله قوّة الردع والموازنة. وقد سبق للمركز أن عقد المؤتمر الأول عن الأمن الوطني والأمن الإقليمي قبل عامين في فبراير 2012، وكان له أصداء واسعة في الساحة الخليجية. رئيس مجلس أمناء المركز الدكتور محمد عبد الغفار، وهو مستشار جلالة ملك البحرين للشؤون الدبلوماسية، مفكر وباحث في مجال الأمن الاستراتيجي، وله كتابات متميّزة في هذا الشأن، افتتح المؤتمر بكلمة لخّص فيها أبرز عوامل التغير الضاغطة.

العامل الأول: إن «التحولات الكبرى» التي تشهدها المنطقة، تغير في «التحالفات الكبرى» للخليج بحلفائه التاريخيين، شئنا أم أبينا.

العامل الثاني: إن تغير تلك «التحالفات» يتطلّب من الخليجيين مراجعة مفهومهم للأمن الاستراتيجي، على غرار ما تفعله دول حلف شمال الأطلسي كل عشر سنوات. إن بقاء الحال من المحال، ومن التفريط أن تظل استراتيجية دول الخليج، الأمنية والدفاعية، معتمدة على استراتيجيات الحلفاء في زمن بدأت فيه «التحالفات» تتغيّر وتتفكك.

العامل الثالث: إن المنظومة الخليجية، متجانسة في نظمها السياسية، ومتلاحمة في نسيجها الاجتماعي والثقافي والديني، وقد حققت إنجازات ومكتسبات مقدرة، وقطعت شوطاً طويلاً في مسيرة العمل الإقليمي المشترك، ولم يعد الانفصال أو الانسحاب ممكناً، لما يترتب عليه من خسائر استراتيجية وعزلة قاتلة، لكن هذه المكتسبات بحاجة إلى حماية ودعم وتطوير، فلا خيار أمام الخليجيين إلا المزيد من التعاضد المؤدي إلى زيادة التلاحم والقوّة السياسية والاقتصادية والعسكرية لمصلحة الخليج وشعوبه عامة، لاسيما أننا نملك كافة المقومات والإمكانات والطاقات المحققة للهدف المنشود.

والتساؤل هنا هو: لماذا لا نفعّل هذه الإمكانات صعداً؟ ولماذا لا نستغل هذه الطاقات قدماً؟ إنها «الهواجس» الساكنة في داخلنا، نابعة من مواريث تاريخية تلقي بثقلها على حاضرنا فتعرقل تقدمنا.

ما الحل إذن؟ لا حلّ إلا بالمكاشفة والمصارحة، بـ«الحوار مع الذات» ودراسة وتحليل مسببات تلك الهواجس المعوّقة لتجاوزنا مرحلة «التعاون» إلى مرحلة «الاتحاد».

يعجب المرء للوضع الخليجي: توافر كافة الإمكانات لتحقيق الأفضل مع فتور الهمم وخَوَر العزائم والاستسلام للعطالة.

وقديماً قال شاعر العربية الأكبر في مثل حالتنا:

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً….. كنقص القادرين على التمام

الخليج أكبر كتلة إقليمية متجانسة، وعندها الموارد والطاقات، فما الذي يمنعنا من أن نحقق الأفضل؟!

الأمير تركي الفيصل، تحدَّث في كلمته، وركّز على تحصين الخليج داخلياً بسياسات تحافظ على علاقات سويّة بين القيادات والشعوب، وبخاصة أن بروز «النزاعات المسيسة» التي توظِّف الدين والطائفة والقبيلة في تحريض الشعوب ضد أنظمتها وقياداتها، تشكل اليوم أكبر تحديات دول المجلس، وأكد في كلمته ما ذهب إليه الدكتور عبدالغفّار من ضرورة تقويّة أواصر المجلس لمواجهة أسباب الفرقة، بهدف مواجهة كل الاحتمالات بما فيها: تغيّر النظرة الغربية إلى أهمية المنطقة. وكانت كلمته معبرة بصدق مشاعر الخليجيين تجاه الجارة المسلمة، عندما قال: «إننا في هذا الجانب من الخليج، نكنّ كل احترام ومحبّة لأخوة لنا يقطنون الجانب الآخر من الخليج». لكنه وصف السياسات الإيرانية بأنها «المنغِّص الأول» لأمن الخليج.

وأوضح الشيخ محمد الصباح، وزير الخارجية الكويتي السابق، أنه آن الأوان للانتقال إلى «تحالف كونفدرالي»، وقال: إن مجلس التعاون بدأ بـ13 مليون نسمة، ووصلنا اليوم إلى (47) مليون نسمة، نصفهم غير مواطنين، ما يشكل تحدياً وجودياً.

أما المهندس عبد الله الحُصين، وزير المياه والكهرباء السعودي، فدقّ ناقوس خطر «الأمن المائي» بسبب الإسراف وانخفاض تعرفة المياه في دول مجلس التعاون.

وتحدث الدكتور محمد الرميحي عن كيفية نجاح دول المجلس في احتواء تداعيات ما يسمى «الربيع العربي»، واستحسن الحضور إشارته إلى أن «النخب الخليجية المثقفة الواعية» لم تنجر إلى الخلاف الخليجي.

أوراق بحثية مهمة، ومداخلات ثريّة، وكلمات قيمة شهد المؤتمر، لا يتسع المجال لذكرها، لكن لابد من الإشارة إلى الورقة المهمة للدكتور محمد بن هويدن، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الإمارات، بإثارتها جدلاً حيوياً وخصباً، فقد رأى بن هويدن أن المهددات الرئيسية لأمن الخليج، تعود إلى ثلاثة مصادر: الفكر الليبرالي، الفكر السياسي الإسلامي، الفكر الطائفي.

ويوضِّح صاحب الورقة نظريته قائلاً، إن الخليج يحكمه «نظام سياسي محافظ» يقوم على «قيم محافظة»، وقد أثبت هذا النظام نجاحه في ازدهار الخليج، وانتعاش اقتصاده، وفي تحقيقه مستويات معيشية عالية، وتقديمه خدمات تعليمية وصحية وإسكانية متطورة، حيث ينعم الخليجيون بالأمن والاستقرار، بينما كافة الأنظمة المحيطة، والتي تقوم على الأفكار الثلاثة في بؤس وعدم استقرار، شعوبها في معيشة ضنك. وتساءل بن هويدن في معرض رده على المنتقدين: إذا كان النظام الخليجي أثبت نجاحه وسط كافة المخاطر والتحديات، فلماذا نسعى إلى تغييره؟!

المصدر: الإتحاد